خبر منظمة التحرير.. شباب وشيخوخة (1963 ـ 2013).. نبيل عمرو

الساعة 02:45 م|01 يونيو 2013

 ـ الشرق الأوسط ـ 31/5/2013

أنتمي إلى الجيل الذي شهد ولادة منظمة التحرير، وواكب نموها المطرد، حتى بلغت وضعا بالغ القوة والتأثير في الحياة الفلسطينية، وصارت من الأرقام الأساسية في معادلة القوى على الصعيد العربي والشرق أوسطي.

كان صعود منظمة التحرير، وترسخ مكانتها، يؤشران إلى أن القضية الفلسطينية، وجدت أخيرا التعبير الكياني السياسي الذي تحتاجه كعنوان يستقطب الدعم والتأييد، ويفضي إلى مشاركة فعالة لأصحاب القضية في تقرير مصيرهم، إذا ما نضجت الظروف الإسرائيلية والإقليمية والدولية باتجاه حل سياسي لقضية القرنين - قضية فلسطين.

لقد تعاطى العالم مع منظمة التحرير، بعد أن قاد الراحل ياسر عرفات جهدا سياسيا وقتاليا متكاملا، أوصله إلى أعلى منبر دولي، ليبدأ بعد ذلك معركة بالغة التعقيد للحصول على الاعتراف الأثمن الذي هو اعتراف الخصم.

الخصم آنذاك كان الولايات المتحدة، التي وضع وزير خارجيتها الشهير كيسنجر شمعا أحمر على باب الاعتراف، مشترطا أن يفك هذا الشمع بعد اعتراف المنظمة بإسرائيل، وقبل ذلك الاعتراف بالقرار 242.

وبصرف النظر عن الزمن الطويل الذي اتخذته عملية الاعترافات هذه، والمعارك الدبلوماسية التي شارك فيها العالم كله لبلوغ هذا الوضع، إلا أن اعتراف الخصم تم أخيرا، وشهدنا ازدهارا في العلاقات الأميركية مع منظمة التحرير وازدهارا مماثلا في العلاقات مع إسرائيل. إلا أن أمورا كثيرة حدثت، سببها سوء التقدير والتعب والإهمال، أدت إلى تراجع مكانة منظمة التحرير ودورها في المعادلة الفلسطينية أولا، مما أدى تلقائيا إلى تراجعها في المعادلة الإقليمية والدولية. ذلك حدث بعد انتقال التجربة الفلسطينية بكل مكوناتها إلى ساحة الوطن، إثر اتفاق أوسلو وما فرضه هذا الانتقال من استغراق مطلق في معالجة أوضاع السلطة المستجدة، ومحاولة بناء المستقبل الفلسطيني على آمالها وأحلامها وواقعها الملتبس.

لم تنجح القيادة الفلسطينية في تكريس صيغة تكاملية بين السلطة والمنظمة، بل أدى الأمر الواقع، ومحدودية الرؤية، إلى تحويل منظمة التحرير من كيان أعلى وأقوى وأكثر شرعية إلى مجرد ملحق بالسلطة.. بل إنها أضحت أقل شأنا من أي وزارة من وزاراتها المتعثرة أصلا.

ونظرا لهذا الفشل الجوهري، في تأسيس علاقة تكاملية بين المنظمة والسلطة، لم يبق من المنظمة سوى شرعيتها المتوارثة، لنرى ذلك الانحدار المروع من كيان سياسي كان يجمع الشرعية والقوة الفعلية إلى كيان أضحى قوي الرمزية والشرعية، وضعيف الهياكل والإمكانات المستقلة التي توفر له قدرات قيادة فعلية للظاهرة الفلسطينية.

ذلك حدث قبل أن يأتي الانقسام المأساوي الذي بدوره أخرج منظمة التحرير من معادلة القوى والتأثير، وحوّلها من كيان سياسي محسوم على صعيد الشرعية، إلى كيان متنازع عليه، إن صلح كعنوان سياسي رمزي، إلا أنه لا يصلح في الواقع لتسويقه كقيادة.

لقد تجاهلت القيادة الفلسطينية، منظمة التحرير، وساهمت من دون مبرر في تهميشها، وإفراغ هياكلها وإطاراتها التي كانت تشكل مصدر قوتها الفعلية، وصدقية تمثيلها للفلسطينيين، وشرعية قيادتها للحالة الفلسطينية في سياق المشروع الوطني العام.

في فترة ما، احتل المجلس التشريعي مكان المجلس الوطني ودوه، حتى أصبح الثاني كما لو أنه مجرد قطعة ثمينة مكانها المتحف السياسي.

وفي ذات الفترة احتلت الحكومة الفلسطينية دور ومكانة اللجنة التنفيذية، التي صار أعضاؤها يتسابقون على مقعد وزاري، نظرا لمعرفتهم أين يكمن النفوذ الحقيقي.

ثم حلت الكارثة القاصمة الظهر، حين قامت إسرائيل بتقويض المجلس التشريعي، وقامت كذلك ولا تزال بتطويق الحكومة، فإذا بمنظمة التحرير تضعف أكثر فأكثر، وإذا بمؤسساتها تبدو كما لو أنها لم تعد موجودة بالفعل.

إن مكانة المنظمة، التي وإن كانت تكمن في شرعيتها واتساع مساحة الاعتراف بها، إلا أن هذه الشرعية يمكن أن تتحول إلى مجرد شعار يطلق في المناسبات، من دون قوة ذاتية تحميه، وتؤمن عمقه الشعبي والسياسي، لأن الذي يؤمن كل هذه الحمايات هو قوة المؤسسات؛ فالمجلس الوطني يدعى كل عقد من الزمان، لتمرير صيغة سياسية أو لتغطيتها، ولقد حدث ذلك آخر مرة في غزة حين اضطرت المنظمة إلى إلغاء مواد محددة من الميثاق الوطني.

أما المجلس المركزي، الذي هو الحلقة البديلة عن المجلس الوطني في حال عدم انعقاده، فقد تم إلغاؤه موضوعيا من خلال عدم دعوته للانعقاد لأكثر من سنة، مع أن النظام يحتم عقده مرة كل ثلاثة أشهر.

لقد كان شباب المنظمة قويا متدفقا واعدا، حتى كرس مصطلحا عبقريا هو «الوطن المعنوي للفلسطينيين»، إلا أن شيخوختها غير المبررة صارت تهدد شبابها وكل ما بني عليه.