خبر سايكس وبيكو إذ يبعثان حيين من جديد ..عريب الرنتاوي

الساعة 06:02 م|29 مايو 2013

لافتةٌ للانتباه، تلك “الشراسة” التي خاضت بها كل من باريس ولندن، معركة “رفع الحظر عن توريد السلاح للمعارضة السورية، في الوقت الذي تتجه فيه أنظار العالم نحو “جنيف 2” والحل السياسي للأزمة السورية..لكأن التاريخ استدار مائة عام للوراء، زمن رسم الخرائط بين سايكس وبيكو، وتوزيع الحصص ومناطق النفوذ، الأمر الذي يلقي بظلال كثيفة من الشك، على صدقية حديث العاصمتين عن “جنيف 2” والحل السياسي ووقف العنف وإراقة الدماء في سوريا.

لم تكن العاصمتان الحليفتان/ المتنافستان، من أنصار الحلول السياسية للأزمة السورية..عملتا ما بوسعهما على تعطيل مهمة كوفي عنان، ومن بعده الأخضر الإبراهيمي، وهما لم تقفزا إلى قاطرة المبادرة الروسية الأمريكية، إلا بعد انطلاقتها القوية من موسكو..على أمل أن تحجزا لنفسيهما مقعدين على مائدة الحل، ومن دون أن تفقدا الأمل في العرقلة والإحباط، أو أن تكفّا عن محاولة إخراج القاطرة عن سكتها.

وربما كانت باريس أكثر حماسة “للتدخل والعسكرة والحسم” من لندن، وهي أخذت على عاتقها مهمة “البحث المضني” عن استخدامات النظام للسلاح الكيماوي، حتى أن مراسلي “لوموند” الفرنسية، “تطوعوا”لخوض غمار المجازفة، والوصول إلى ضواحي دمشق، بحثاً عن الأدلة والشواهد، على أمل أن تكون كافية لقطع الطريق على “جنيف 2”، وتعبيد طريق التدخل العسكري الدولي في الأزمة السورية..هذا ما تفعله فرنسا على وجه الخصوص، ولا تشاركها حماستها في فعل ذلك، سوى قطر.

لا أدري أي سلاح كيماوي، ذاك الذي يحتاج إلى فحوص ميكروسكوبية للتأكد من استخدامه..عرفنا أن هذا السلاح يقتل مئات وآلاف البشر في ضربة واحدة، رأينا ذلك في “حلبجة” ومعركة “الأنفال”..أما أن يجري البحث بالمجهر والميكروسكوب على قتلى ومصابين، فذلك استخدام غريب وغير مألوف، لسلاح فتّاك، صنع من أجل القتل الجماعي والدمار الشامل.

ليس المهم، إن كان هذا السلاح قد استخدم أم لا، ليس المهم كم بلغ عدد ضحاياه ولا من استخدمه، المهم أن يصدر “تقرير” أي تقرير، وعن أية جهة، يؤكد لجوء النظام إلى مخزونه الكيماوي، لينهض كشاهد على اجتيازه “خط أوباما الأحمر”، ولتصبح بعد ذلك، جميع أشكال التدخل العسكري مبررة، وكيف لا تبرر والنظام يقارف جريمة حرب موصوفة؟.

حجة العاصمتان في تسليح المعارضة، أوهى من خيوط العنكبوت، بل وهي أقبح من ذنب..هم يدربون ويسلحون، لإقناع الأسد بالمشاركة في “جنيف 2”، وتسهيل الحل السياسي..لكأن الأسد ونظامه، هما من رفضا المشاركة في جنيف، وليس المعارضة التي ما زالت على انقساماتها وشروطها المسبقة، وحركتها الثقيلة باتجاه المؤتمر..أو لكأن هذه الأخيرة، قد وضعت كل إمكانياتها تحت تصرف الحل والوسطاء الدوليين.

حججهم واهية، فهم يريدون تعزيز دور المعارضة “المعتدلة”، ولا ندري في مواجهة من سيجري تأهيل هذه المعارضة..ضد الأسد، أم ضد النصرة، ومن جاء بالنصرة إلى سوريا، ومن سهّل خروج أكثر من 800 جهادي فرنسي إلى سوريا، على أمل أن تكون رحلتهم باتجاه واحد، ذهاب بلا عودة، فهل تريد باريس لنا أن نقنع بأن 800 مقاتل يغادورون بلادهم في رحل اصطياف إلى سوريا، ومن دون علم المخابرات الفرنسية، حتى لا نقول تسهيلها..وعن أي طريق دخل هؤلاء الجهاديون إلى سوريا..لا شك أن المخابرات الفرنسية تتبعت طرقهم، وهي تعرف مسالكهم، لكن نفاق السياسة والفرنسية وازدواجها، يمنعها من ذكر الحقيقة، لأنها ستحرج نفسها وحلفاء لها في لبنان وتركيا، وربما في عواصم أخرى وسيطة، سهّلت وسلحت ومولت ودربت.

نجحت الدولتان، تحت ضغط حنينهما الاستعماري الجارف، في “جرجرة” أوروبا إلى ما تشتهيان من قرارات، برغم المواقف الشجاعة لكل من السويد والنمسا، وإلى حد ما، ألمانيا وغيرها..صحيح أن القرار معلق التنفيذ حتى أواخر آب / أغسطس القادم، لتقييم “حصاد جنيف 2”، ولكن من قال أن هذا المؤتمر سيأتي بثمار سريعة..وكيف يمكن له أن يكون كذلك، فيما قوى التعطيل والتخريب في باريس ولندن والدوحة والرياض وأنقرة، تبذل قصارى جهدها لإحباط هذا المسعى؟.. ومن قال أن ورثة سايكس – بيكو، سينتظرون حتى انتهاء المهلة التي تحددت في بروكسل، بل ومن قال أصلاً، أنهما لم تفعلا ذلك منذ عام أو عامين، وبصورة مباشرة أو غير مباشرة؟.

إنها “رائحة النفط والغاز” و”خرائط الأنابيب”..إنها “العودة المريضة للأحلام الكولونيالية البائدة”، وقد اتخذت هذه المرة شكل “البكائيات” على الدم السوري وحقوق الإنسان..إنه الصراع على موطئ قدم في عالم يتجه نحو التعددية القطبية، إنها حرب المحاور الإقليمية التي تريد تصفية حساباتها في سوريا وعلى أنقاضها..إنها الرغبة الدفينة، في رؤية النظام والقاعدة (النصرة) وحزب الله وإيران، في حرب استزاف طاحنة ومديدة، “القاتل والقتيل فيها إلى النار”.