خبر إسرائيل قلقة من خطوات أميركية في مجالي السلم والحرب ..حلمي موسى

الساعة 10:07 ص|27 مايو 2013

في وقت تنشغل به المنطقة بهمومها في ظل صراعات داخلية تزداد دموية وانقسامات تهدّد بوأد ليس فقط شعارات نادت بها الشعوب منذ زمن طويل تأبى ساعة العالم عن أن تتوقف أو حتى تتلكأ بانتظار نتائج ما يجري داخلنا. فالولايات المتحدة التي تعاني منذ ما بعد غزوها للعراق من أزمة اقتصادية خطيرة وترى نفسها أسيرة هموم ومواقف نجمت عن سياستها تبدو وكأنها تحاول تغيير الوجهة بصمت. وكما كان الحال على الدوام هناك صراع بين مدرستين في أميركا إحداهما تحاول الانغلاق والتقوقع والأخرى تدعو للانتشار والتمدد. وكثيراً ما تبادل الحزبان، الجمهوري والديموقراطي، تبني هاتين المدرستين أو إنشاء سيرورة ثالثة أكثر حذراً تحاول الجمع بينهما.

وفي الشهور الأخيرة بدا أن إدارة أوباما نفسها تتقلب بين المدرستين مع ميل يغلب عليها للتحفظ تجاه التمدد والانشداد نحو التقوقع. وقد تجد على الدوام من يشير إلى الاقتصاد بوصفه العامل المقرر في انتهاج أي من السياستين مع أن الاقتصاد الأميركي لم يطلق أية إشارات إيجابية جوهرية، كما أن الاقتصاد الأوروبي يعيش في حمى الأزمة أيضاً. ومن الجائز أن عدم وجود قوة عالمية، أو قوى عالمية، أخرى تتحدى وتنافس بقوة يجعل الميل نحو التقوقع في ظل ازدياد وتعمق الأزمات الاقتصادية الوسيلة الأفضل. صحيح أن هناك في أميركا من يرون على الدوام في التمدد والحروب وسيلة لتخليص الاقتصاد الأميركي من أزمته، إلا أن الصورة الغالبة حالياً، بعد العراق، لا تشجع الكثيرين على تبني وجهة كهذه.

والواقع أن أميركا تحت إدارة أوباما تنتهج مساراً تراجعياً منذ الولاية الأولى، رغم محاولات إظهار التقدم والمبادرة أحياناً على الصعيدين الإقليمي والدولي. وفي المنطقة العربية تحديداً بدا التراجع سيد الموقف حتى عندما تمظهر بشكل تقدم. وأكبر دليل على ذلك هو الانسحاب الأميركي من العراق والذي تبعته جهود كبيرة للتخلص أيضاً من عبء الاحتلال الأميركي لأفغانستان. ولكن ثمة من يرى أن الدعم الأميركي لإسرائيل خلال هذه الفترة كان في تزايد لكن ذلك قد يكون الاستثناء الذي يؤكد القاعدة. ومعروف أن هناك عدداً من الاستراتيجيين الإسرائيليين ممن رأوا الخطورة في التراجع الأميركي معتبرين أن زيادة الدعم لإسرائيل لا يعوض الأثر السلبي للتراجع أصلاً. فعندما كانت المبادرة بيد أميركا كان الحديث يدور عن جعل المنطقة «بحيرة أميركية»، بحيث لم يكن خارج مياهها إلا عدد محدود من القوى. والمنطقة المتفلتة اليوم من كل نظام، خصوصاً من القبضة الأميركية هي أقرب إلى غابة يصعب على إسرائيل مواصلة العيش فيها على المدى البعيد. لكن استراتيجيين إسرائيليين آخرين رأوا عكس ذلك منطلقين من أن التراجع الأميركي يظهر مكانة إسرائيل ليس فقط لدى الأميركيين وإنما أيضاً لدى الأوروبيين. وبالتالي يعتقد الأخيرون أن التراجع الأميركي ليس فقط لا يضر بإسرائيل بل يزيد قيمتها في الغرب.

على أي حال من الواضح أن هناك تطورين هامين يحدثان بشكل متواز في السياسة الأميركية هذه الأيام: الأول محاولة أكثر جدية مما كان يعتقد لتحريك العملية السياسية بين إسرائيل والفلسطينيين، والثاني رؤية شاملة جديدة لتغيير السياسة الأميركية إزاء مكافحة الإرهاب. وثمة من يربط بين الأمرين بشكل كبير، خصوصاً أن خطاب أوباما الأخير في جامعة الأمن القومي الأميركي حول هذه المسألة وضع الصراع العربي الإسرائيلي ضمن العوامل المحفزة للإرهاب والكراهية ضد الولايات المتحدة. وفي الوقت نفسه يعرف كثيرون أن الإدارات الأميركية المتعاقبة اعتبرت تحقيق السلام بين إسرائيل والعرب جزءاً من المصلحة القومية الأميركية، وعلى هذا الأساس جرى في الماضي، ولا يزال، تمويل عملية السلام هذه وصيانتها من خلال الدعم المالي أو إرسال قوات المراقبة.

ويبدو أن المسعى الأميركي لاستئناف المفاوضات يثير مخاوف، ولو جزئية، لدى الإسرائيليين، خصوصاً من أنصار اليمين ممن يعتقدون أن الموقف الأميركي والدولي أقرب إلى موقف السلطة الفلسطينية بشأن الحدود مما إلى موقف الحكومة اليمينية في إسرائيل. وإذا أضيف لذلك واقع أن رئيس الحكومة السابق، إيهود أولمرت، كان قد عرض خريطة الدولة الفلسطينية وتبادل الأراضي مع الكتل الاستيطانية، فإن الوضع يغدو أشد تعقيداً لحكومة نتنياهو التي تحوي مَن على شاكلة الليكود في حزب «هناك مستقبل» ومَن هم على يمين الليكود كـ«البيت اليهودي». وهؤلاء باتوا أقرب إلى رفض مبدأ «دولتين لشعبين» من قبول فكرة التنازل عن «أرض إسرائيل» باسم إنشاء دولة فلسطينية.

غير أن البعد الجديد الذي تنظر إليه إسرائيل بخشية متزايدة هو التراجع الأميركي التدريجي عن نظرية محاربة الإرهاب. وعلى الدوام كانت إسرائيل أنموذجاً لأميركا في هذا المجال وأحد أبرز الأدوات الباهظة التكلفة. فقد موّلت أميركا باسم هذه الحرب مشاريع إسرائيلية كثيرة ووفّرت للدولة العبرية معطيات أدواتية ومعلوماتية واستخبارية كثيرة تحت عنوان «القيم المشتركة». وخطاب أوباما الأخير أضاء الكثير من المصابيح الحمراء في إسرائيل خشية مستقبل تتراجع فيه أميركا ليس كلية وإنما جزئياً عن دعمها في هذا الميدان أو ذاك. وفي ظل أزمة اقتصادية في إسرائيل تغدو لمثل هذا التراجع عواقب أكبر.