خبر أيها العرب طوقوا أبو مازن واحتضنوه ولا تتركوه فريسة للضغوط الأمريكية

الساعة 08:14 ص|27 مايو 2013

مركز أطلس للدراسات الإسرائيلية (26/5/2013)

يصمتون دهراً وينطقون كفراً، هذا هو حال النظام العربي الرسمي في كل ما يتصل بقضايا العرب عامة وبالقضية الفلسطينية خاصة، لا سيما في مرحلة تعصف بالأمة العربية من حروب وفتن وانقسامات سياسية تغذيها صراعات اقليمية ودولية لإعادة تشكيل خارطة جيوسياسية جديدة تفتت المتفتت وتجزء المجزأ، وعلى هامش هذه الاحداث تحاول امريكا مجدداً ومعها اسرائيل طبعاً استثمار بعض ما أفضت اليه صراعات الربيع من انكفاء مصر على نفسها وابتعادها عن العملية السياسية  لأسباب كثيرة، لكنها غير مبررة والتنازل عن دورها السياسي الذى انتظره العرب لصالح قطر، بالإضافة لخروج  حركة حماس من دولة "الممانعة" لأسباب اضطرارية مما أثر على علاقتها جدياً بالمحور الذى يعلن عداءه لإسرائيل علنا قولاً وفعلاً، كل ذلك هيئ الفرصة لتتبوأ قطر المشهد السياسي العربي ولتعبر عن ارادة عربية مهزومة ومرتبكة أمام الإملاءات الامريكية، وجعل الأردن تحتكر الوصاية على السلطة الفلسطينية وعلى رئيسها محمود عباس، لتقوم بدور العراب والمشجع والضاغط بصيغة الناصح بهدف اعادة عباس لحظيرة الطاعة عبر ممرات المفاوضات المباشرة  بدون شروط، في ظل صمت عربي مريب ومشبوه، الأمر الذى جعل سلطة أبو مازن تمر بأسوأ لحظات الضعف، تشعر معه أنها وحيدة مكشوفة بلا ظهر تواجه ضغوطاً وتهديدات لا تقوى على مواجهتها بحكم تركيبتها البنيوية وبحكم الانقسام وأسباب ذاتية كثيرة أخرى.

 

لا جديد على الموقف الأمريكي سوى الوعود

إدارة أوباما وعبر وزير خارجيته كيري وجولاته المكوكية يحاول استثمار الحالة العربية والفلسطينية بمساعدة النظام العربي الرسمي لإخراج أبو مازن عن مواقفه التي تحصن بها، ولإدخاله الى دهاليز المفاوضات المباشرة، وهى دهاليز مظلمة ليس لها نهاية تفقدنا بوصلة ثوابتنا الوطنية، ونتائجها معروفة سلفاً وهى المزيد من تآكل المواقف والتشرذم الفلسطيني والضياع في صحراء السراب الأمريكي، لا سيما وان الانحياز الأمريكي أصبح واضحاً وجلياً، ويكفى قراءة تصريحات كيري الاخيرة  ومن قبلة أقوال أوباما للوقوف على النوايا والمواقف الامريكية التي تساند اسرائيل حتى في موضوع البؤر الاستيطانية غير الشرعية بالمفاهيم الاسرائيلية لشرعية المستوطنات حيث يقول "نعارض جعلها قانونية لكن هذا يجب الا يمنعنا من اجراء المفاوضات، واذا وجد اتفاق فإنه سيحل مشكلة المستوطنات"، فالهدف هو المفاوضات المباشرة بدون شروط، وفى ظل استمرار الاستيطان وبدون مرجعيات حقيقية أو جدول زمنى وبدون اولويات الحدود على الأمن وفى ظل حكومة يمين لا تنفك تعلن تمسكها بمشروع الاستيطان والسيادة على كل القدس وعلى الغور، فضلاً عن رفض نقاش مبدأ حق العودة، والمفاوضات في هذه الحالة ليست سوى عمل عبثي يشكل غطاء للاستيطان، واحباطاً لمن يسعى لنزع شرعية الاحتلال، وتجميلاً لوجه الاحتلال الذي سيستغله ويوظفه كمبرر قوى في وجه أي حراك عالمي شعبي او رسمي يسعى لمناصرة الحقوق الفلسطينية وتطويق ومعاقبة الاستيطان، وليس أدل على ذلك من مطالبة امريكا واسرائيل للاتحاد الأوروبي بوقف الخطة المتعلقة بتحديد البضائع المنتجة داخل المستوطنات، لكى لا يشوش ذلك على ذهاب الفلسطينيين للمفاوضات.

لقد تراجعت أمريكا بشكل مهين عن كل مطالبها لإسرائيل بحكم التعنت الإسرائيلي، وتحت مبررات تفهم أمريكا لصعوبات الموقف داخل ائتلاف نتنياهو، وكأنه يريد لكنه لا يستطيع، أما على الجبهة الفلسطينية فعندما يريدون يعتبرون ابو مازن الرئيس صاحب كل صلاحيات الامر والنهى، الذي لا يعاني من مشاكل النظم الديمقراطية في اتخاذ القرارات، وعندما لا يريدون يحولونه الى غير ذي صلة وضعيف ولا يراهن عليه.

على الرغم من كل الضعف الرسمي الفلسطيني؛ فإن الرئيس عباس قادر على أن يجعل من النظام السياسي الفلسطيني مخرجاً له أمام كل هذه الضغوطات عبر التطويق الذاتي من خلال مؤسسات حركة فتح ومؤسسات م. ت. ف ومن خلال الشارع الفلسطيني حتى في ظل الانقسام.

ان غياب شرط وقف الاستيطان عن أحاديث أبو مازن الأخيرة، كما عن تصريحات قادة السلطة، وما يسرب من ضغوط كبيرة تمارس عليه، ومحاولات السلطة البحث عن مخرج إنما يؤسس لدينا قناعات أن ثمة توجهاً لدى السلطة باتخاذ قرار بالموافقة على الدخول في مفاوضات مباشرة، وربما يتم التباحث الآن مع كيري على ما يسمى بحسن نوايا نتنياهو تجاه السلطة كماً ونوعاً في محاولة يائسة من السلطة لحفظ بعض ماء وجهها.

 

 

الموقف المصري

ان موقف الرئيس المصري من الرئيس عباس ومن الضغوط الأمريكية على الفلسطينيين لدفعهم للقبول بالدخول في المفاوضات المباشرة يكتنفه الكثير من الغموض، ويلوذ كثيراً بالصمت، ولا يعبر عنه صراحة وكأنه هروب يفسر كثيراً على انه رغبة في الرئاسة المصرية للنأي بنفسها عن كل ما له علاقة بإسرائيل، وعلى انه عدم قبول رئاسي مصري لسلطة الرئيس محمود عباس بحكم تصارعها مع حركة حماس الاخوانية، وهو عدم ارتياح تفسره برودة العلاقة بين مرسى وعباس، وقلة زيارات عباس لمصر الواضحة مقارنة بعدد زياراته لمصر في عهد مبارك.

ان الازمة الداخلية المصرية لا يمكن ان تكون مبرراً لأن يغيب حضور السياسة الخارجية المصرية عن التأثير في أهم قضايا العرب كما ان الارتباك والانكفاء والهروب لا يصنع موقفاً ولا يحدد سياسة خارجية، والفراغ الذي ينشئ سوف تملؤه دولاً أخرى ليس بالضرورة تريد خيراً بالعرب ولن تعوضهم عن الدور المصري الذي طالما انتظروه وافتقدوه ويفتقدوه اليوم أكثر.

احتضان أبو مازن من قبل الرئاسة المصرية سيشكل عملاً حكيماً سيمكنها من امتلاك مفاتيح الضغط عليه وتصليب موقفه عبر توفير مقومات الصمود السياسي، اما التعاطي معه بطريقه تنطوي على ما يفسر أنه غياب الحرارة والترحيب فإنه يشعره بالضعف أكثر ويجعله فريسه للضغط، وان من يهتم بتعزيز صمود الفلسطينيين وتقوية مواقفهم الوطنية الكلية لا الحزبية الفصائلية عليه أن يتعاطى مع السلطة الفلسطينية بزعامة عباس على الأقل من منظور التعاطي مع الأمر الواقع باعتبارها السلطة القائمة التي تسيطر على الارض الفلسطينية الاهم في الصراع (الضفة)، وباعتبار الرئيس عباس الممثل الرسمي للفلسطينيين والذى يحظى باعتراف العالم، فالتطويق الإيجابي من العرب لعباس يساعد الفلسطينيين في هذه المرحلة الحرجة، ونبذه تحت أي مبرر لا يساعد الا أعداء الامة وأذنابهم  من العرب.