خبر سوريا – صراع بلا حسم

الساعة 08:24 ص|24 مايو 2013

بقلم: البروفيسور ايال زيسر

المضمون: النظام السوري لا يزال يقف على قدميه وهو يحقق تأييدا ويجند القوى  لصالحه مقابل ضعف المعارضة وعدم وحدتها وطابعها المتطرف الامر الكفيل بان يجعل الصراع يستمر لزمن طويل قادم – المصدر).

منذ نحو سنتين ونصف السنة تشتعل النار في سوريا. فاحتجاج محدود ومحلي لفلاحين بدأ في منطقة الريف – احتجاج طبقي اساسه ازمة اجتماعية واقتصادية – انتشر حتى اصبح ثورة شعبية واسعة النطاق، وفي نهاية المطاف حربا أهلية مضرجة بالدماء. ومع مرور الوقت ارتدى الصراع طابعا طائفيا، والاخطر من ذلك طابعا دينيا ايضا في مركزه صراع جهادي لجماعات اسلامية من داخل سوريا ومتطوعين يتدفقون اليها من كافة ارجاء العالم العربي والاسلامي بهدف القتال ضد "حكم الكفر" العلوي، حليف ايران وحزب الله الشيعيين.

لقد مس الثوار بشدة بشخصية النظام. فقد نجحوا في أن يعطلوا سير الحياة السليم في كل أرجاء الدولة بل والسيطرة على مناطق واسعة منها. في ايار 2013 ارتفع عدد القتلى عن مائة الف. وينبغي ان يضاف الى هؤلاء نحو 4.5 مليون لاجيء، اكثر من مليون ونصف منهم فروا الى خارج حدود الدولة الى تركيا، الاردن ولبنان. الاضرار التي لحقت بالبنية الاقتصادية في الدولة تقدر بنحو مائة مليار دولار، عشرة اضعاف الناتج القومي الخام السنوي السوري. وفي ضوء هذه المعطيات يخيل أن معظم انجازات سلالة الاسد في الاربعين سنة من حكمها في سوريا ضاعت هباء. ومع ذلك، حاليا يسود النظام في دمشق والثوار لم ينجحوا بعد في دفعه الى الانهيار.

لقد نجح بشار الاسد في هذه الاثناء في تجاهل التأبينات الكثيرة التي قيلت بحقه لدرجة أن الكثير من المراقبين عادوا ليطرحوا امكانية أن يخرج ويده هي العليا من الصراع الدموي. ولا يزال النظام السوري يقف على قدميه بل ويرد الحرب الصاع صاعين. وقد نجح في الحفاظ على تراص ووحدة الصف في اوساط العناصر الاساس التي يعتمد عليها. الجيش وقوات الامن، اجهزة الحكم وحزب البعث، كل هذه لا تزال تقف خلفه، رغم الاضرار الشديدة التي تكبدتها ورغم موجات الفرار من صفوفها. وفضلا عن ذلك، فان النظام لا يزال يتمتع بالدعم في اوساط اجزاء هامة من المجتمع السوري، ولا سيما من تحالف الاقليات الذي يقبع في اساس حكمه – ابناء الطائفة العلوية والى جانبهم ايضا الطائفة الدرزية، المسيحيين وحتى قسم من ابناء الطائفة السنية، بمن فيهم ابناء الطبقة الوسطى والنخب في المدن الكبرى. كما ان السنة من مناطق الريف، المناطق التي تشكل اليوم بؤر الاشتعال في سوريا، والذين انخرطوا في صفوف النظام ويؤدون فيه وظائف عليا، بقوا في معظم الحالات موالين للنظام. واضافة الى ذلك، يتمتع النظام السوري بدعم قوى ذات وزن في الساحة الاقليمية والدولية، وعلى رأسها روسيا وايران.

ان نجاح النظام السوري في البقاء ينبع أولا وقبل كل شيء من فشل الثوار في عدة مجالات اساس: اولا، الثوار، الذين يشكلون كما يذكر مجموعة متنوعة جدا، فشلوا في مساعيهم لاقامة وحدة سياسية وعسكرية بين جملة الجهات السياسية والجماعات المسلحة العاملة ضد النظام. ثانيا، فشل الثوار في مساعيهم لتجاوز قواعد التأييد لهم نحو الجمهور السوري في عمومه. وواضح اساسا فشلهم في تجنيد الدعم لقضيتهم في اوساط ابناء الطوائف المختلفة وكذا في أوساط ابناء الاغلبية السنية، من سكان المدن الكبرى، ممن بقوا يشاهدون وهم على الحياد الثورة حتى حين وصلت هذه الى حلب ودمشق. ثالثا، انتقال الثورة في سوريا الى مسارات الصراع المسلح والعنيف، ولا سيما حين يتداخل هذا مع عمليات ارهابية موجهة ضد السكان المدنيين ايضا مما يخدم النظام ويردع الكثيرين من بين الاغلبية الصامتة في الدولة من المشاركة في الاحتجاج. كما أن الطابع الاسلامي المتطرف لقسم كبير من قوات الثوار يبعد عنهم الكثير من السوريين. وبالفعل، فان قسما من جماعات الثوار يغيب عنها كل التزام او صلة بالدولة السورية، ويسعى الى تحقيق اجندة عموم اسلامية.

نظرة الى الخريطة السورية اليوم تبين الصورة التالية: النظام فقد السيطرة في مناطق الحدود مع تركيا ومع العراق بل وبشكل جزئي في مناطق الحدود مع الاردن ولبنان، التي سقطت في معظمها في ايدي الثوار. وكبديل، تم الاستيلاء على مناطق الحدود في شمالي الدولة من قبل حركات كردية تعمل على اقامة حكم ذاتي تركي فيها. ثانيا، منطقة الجزيرة في شرقي الدولة على مخزونات المياه وحقول الحبوب، النفط والغاز فيها، اخذت تخرج عن سيطرة النظام. وثبت الثوار سيطرتهم على اجزاء منها ولا سيما على منطقة الرقة التي كانت أول مدينة تسقط في ايدي الثوار. ثالثا، حلب، العاصمة الاقتصادية في سوريا والمدينة الثانية في حجمها، سقطت في قسم منها هي ايضا في ايدي الثوار ومعها ايضا محيطها الريفي، وكذا المناطق القروية لادلب المجاورة. كما أن الطريق الاساس الذي يربط شمال سوريا مع جنوبها مشوشة وتخضع في قسم منها الى سيطرة الثوار. واخيرا، الصراع على دمشق العاصمة في ذروته وذلك لان النظام لا ينجح في اقتلاع الثوار من المناطق الريفية المحيطة بالمدينة ومن الجولان وجبل الشيخ اللذين يوجدان في معظمهما تحت سيطرتهم. وبالمقابل، في صالح النظام تلعب حقيقة أن جبل الدروز في الجنوب واقليم العلويين في الشمال ومعه منطقة الشاطيء، بقيت خارج مناطق النزاع. هكذا ايضا مركز العاصمة دمشق ومركز مدينة حلب؛ تعبير عن ارادة البرجوازية السورية في الاستقرار، التي سادت تحت حكم سلالة الاسد. ويواصل النظام الاعتماد على تأييد الجيش وقوات الامن واجهزة الحكم المختلفة التي بقيت صامدة خلفه رغم الضربات التي تعرضت لها.

ان الصراع في سوريا كفيل بان يستمر لزمن طويل آخر وذلك لان النظام السوري يقاتل في سبيل حياته وتحت تصرفه لا تزال مصادر هائلة ودعم لا بأس به. الجيش السوري لا يزال لم يتفكك واجهزة الحكم المختلفة لا تزال تؤدي مهامها. وتحت تصرف النظام دعم ابناء طوائف الاقليات ومعهم كما أسلفنا ايضا اجزاء من ابناء الطائفة السنية. المسألة الاساس هي هل سيستمر الميل الذي نشهده في السنتين والنصف الاخيرة دون تغيير أو انعطاف، وهل سيواصل الثوار التقدم وان كان بصعوبة نحو اسقاط النظام، ام ربما العكس تماما هو ما سيحصل، اي ان النظام هو الذي سينتصر في المعركة في ضوء الضعف البنيوي للثوار وفشلهم في توحيد الصفوف وكذا التعب واليأس من تحقيق الهدف، واللذين ينتشران في صفوفهم.