خبر ضعف أمريكا ..هآرتس

الساعة 08:23 ص|24 مايو 2013

بقلم: شلومو أفينري

        (المضمون: ففي حيال التصميم الروسي الواضح وذي نزعة القوة، فان الرئيس براك اوباما ووزراءه يبدون عديمي قوة القرار ومعدومي السياسة الواضحة - المصدر).

الخطوات الاخيرة لواشنطن بالنسبة لما يجري في سوريا ينبغي أن تثير القلق في قلب من يعتقد أن مكانة الولايات المتحدة كقوة عظمى رائدة حيوية لتصميم صورة الساحة الدولية. ففي حيال التصميم الروسي الواضح وذي نزعة القوة، فان الرئيس براك اوباما ووزراءه يبدون عديمي قوة القرار ومعدومي السياسة الواضحة. لا ينبغي للمرء أن يكون عدوا لدودا لروسيا كي يعرف بانه في غياب ردع امريكي ناجع للسياسة الامبريالية الجديدة التي يتخذها فلاديمير بوتين لا يبشر بالخير للمنطقة وللساحة العالمية.

لا ريب أن للحرب الاهلية الاجرامية المعربدة في سوريا لا توجد حلول سهلة وهي تشكل تحديا غير بسيط لواضعي السياسة في الغرب (وبالطبع في اسرائيل ايضا). واضح أنه محظور على الولايات المتحدة أن تنجر الى تدخل عسكري هناك بعد اجتياحاتها لافغانستان والعراق، وخير أن هذا الدرس استوعبته ادارة اوباما. ولكن التردد والتذبذب ليسا بديلا عن السياسة الواضحة، التي تعرف الى اين تتطلع الى الوصول.

ان استخدام السلاح الكيميائي من قبل نظام الاسد هو مجرد المسألة الاخيرة في سلسلة مسائل جرت مواقف متضاربة وغير ثابتة من جانب واشنطن. فمن جهة أعلن الرئيس ووزراؤه عدة مرات بان استخدام السلاح الكيميائي سيعتبر اجتيازا لخط احمر، ولكن عندما بدأت تتدفق الانباء عن استخدام مثل هذا السلاح من الجيش السوري، حاولت واشنطن بداية تشويش المعلومات وتجاهلها. وعندما تبين بانه يوجد اساس من الادلة للشهادات، اعترف اوباما بذلك ولكنه على الفور تحفظ وقال انه رغم انه واضح انه تم استخدام للسلاح الكيميائي، فليس معروفا متى واين استخدم مثل هذا السلاح او من قبل من. هذا الرد الاجمالي قد يكون جديرا بمحلل صغير في معهد بحث من الدرجة الثالثة ولكن ليس برئيس الولايات المتحدة.

لقد أخطأ اوباما مرتين: أولا عندما قيد نفسه بمفهوم "الخط الاحمر" (كل غر سياسي يعرف انه محظور رسم خطوط كهذه)، وثانيا في رده الواهن والمتردد بعد ذلك. كل هذا بث عدم مصداقية وضعف وشجع ليس الاسد وحده بل وأيضا – وهذا بات واضحا – موسكو التي باتت تقول بوضوح انها تتدخل مباشرة في الدفاع عن نظام الاسد ومستعدة لان تردع كل تدخل اجنبي يدعم الثوار. اما اوباما بالمقابل، فيتردد بين الاعراب عن الصدمة من وحشية نظام الاسد وبين الرغبة في توفير السلاح للثوار، حيث أن الواضح ان جزءاً من الثوار هم حلفاء القاعدة وليسوا بالضبط فرسان الديمقراطية والحرية. كما أن الاعتماد على الامم المتحدة كجهة توسطية ليس بديلا عن السياسة.

لقد انتصر اوباما مرتين في الانتخابات بسبب شخصيته، ومجرد انتخابه هو دليل قاطع على انتصار المجتمع الامريكي على اسس العنصرية، المنغرسة عميقا ليس فقط في ماضيها، بل وايضا في الخطاب السياسي الراهن لديها. ولكن رئاسته تدل على أن الشكوك التي رافقت انتخابه كانت محقة للغاية.

اوباما هو بلا ريب خطابي لامع، ذو قدرة هائلة على الاتصال بالجمهور – على ما يبدو ليس صدفة أنه تأثر بحديث يئير لبيد. ولكن الزعامة السياسية لا تختبر فقط بالقدرة البيانية (سيدنا موسى كان ثقيل الفم واللسان). ولكن بالقدرة العملية. هنا يتبين أن انعدام التجربة التنفيذية هو أمر عميق لدى اوباما، الذي وصل الى البيت الابيض دون أي سجل من الفعل.

في ولايته الاولى تمكن اوباما من التعويض عن عدم تجربته في مجال العلاقات الخارجية من خلال تعيين شخصيات غنية بالتجربة: لوزارة الدفاع عين بداية روبرت غيتس، الجمهوري الذي خدم في ذات المنصب في ادارة بوش وقبل ذلك كان رئيس السي.اي.ايه؛ وبعد ذلك عين في المنصب ليئون بانيتا، السياسي المحنك الذي خدم كرئيس فريق البيت الابيض في ادارة كلينتون وبعد ذلك كان رئيس السي.اي.ايه. وكان تعيين هيلاري كلينتون وزيرة للخارجية خطوة لامعة ليس فقط من ناحية سياسية داخلية، فلا ريب أن السنوات الثمانية التي قضتها في البيت الابيض كانت غنية للغاية. وحتى لو كان من الصعب الاشارة الى انجازات هامة في مجال العلاقات الخارجية في ولاية اوباما الاولى، فانه لم تكن اخفاقات مخجلة في هذا المجال.

لقد اقنعه فوزه في انتخابات 2012 على ما يبدو بانه لم يعد بحاجة الى دعم من محيطه. وهكذا عين جون كيري وزيرا للخارجية وتشاك هيغل وزيرا للدفاع – وكليهما شخصان من حيث فكرهما أقرب الى اوباما من الوزيرين اللذين خدما في المنصبين في ولايته الاولى.

المشكلة هي أنه رغم أن هذين الشخصين هما جديران بلا شك، فان تجربتهما السياسية تتلخص كلها في ولاية في لجنة الخارجية في مجلس الشيوخ وليس لهما اي خلفية تنفيذية أو تجربة في اتخاذ القرارات. لجنة الخارجية في لجنة الشيوخ قادرة على اعاقة قرارات رئاسية ويحظى اعضاؤها بالكشف الاعلامي الواسع (ولا سيما عندما يختلفون مع الرئيس)، ولكن ايا منهم لم يختبر في الحاجة الى اتخاذ قرار في الزمن الحقيقي تكون له معانٍ محملة بالمصير أو تتعلق بمسائل الحياة والموت. وعليه فان قوتهم هي بالاساس في الحديث، في التصريحات، في التحليل وفي الانتقاد. عشرات السنين من التجارب من هذا النوع تخلق نمط السلوك الذي يجد تعبيره في نشاط كيري وهيغل. بل ان هيغل يبدو في لحظات ظهوره مترددا وغير واثق من نفسه ويقرأ تصريحاته خطيا، وكأنه ناطق بلسان وزارة الدفاع وليس وزير الدفاع للقوة العظمى الاقوى في العالم.

        قبل نحو ثلاث سنوات عندما كان كيري رئيسا للجنة الخارجية في مجلس الشيوخ زار الشرق الاوسط ووصل الى القدس بعد أن زار دمشق والتقى الاسد. بعض الاسرائيليين الذين تحدثوا معه في حينه في لقاء مغلق سمعوا منه بانه تأثر باستقرار نظام الاسد، برغبته في تطوير علاقات مع الولايات المتحدة ومع الغرب وباستعداده الصادق لاقامة سلام مع اسرائيل. وعندما سُئل ما هو اساس هذه التقديرات، اجاب كيري بان هذا ما قاله له الاسد. وعندما عاد وسُئل اذا كان فضلا عن استعداد الاسد المعلن للوصول الى سلام سمع منه شيئا ملموسا اكثر عن شروط السلام وعناصره – اجاب كيري ان هذا موضوع للمفاوضات التي برأيه يتعين على اسرائيل الدخول اليها في اقرب وقت ممكن في ضوء استعداد الاسد ورغبته في التقرب من الغرب. بعض من الاسرائيليين الذين حضروا هذا اللقاء تذكروه، وليس ايجابا، عندما عين كيري وزيرا للخارجية. فما برز من اللقاء لم يكن فقط السذاجة بل وايضا عدم فهم الواقع الجغرافي السياسي المركب الذي توجد فيه سواء سوريا أم اسرائيل.

        هذا الضعف من ادارة اوباما في مواجهة المسألة السورية لا بد انه لا يضيف مصداقية لمحاولات كيري تحريك دواليب المفاوضات بين اسرائيل والفلسطينيين. ومع ذلك ينبغي الامل بان في نهاية الامر ستنشأ في واشنطن صورة الرئيس كراشد مسؤول يعرف كيف يدمج الحذر والذكاء مع القدرة على اتخاذ القرارات الواعية وبوضوح ولا يكتفي بالخطابية، مهما كانت لامعة.