خبر تصريحات المسؤولين الاسرائيليين الكبار المتعلقة بسوريا تكشف عن قلق ..هآرتس

الساعة 08:23 ص|24 مايو 2013

بقلم: عاموس هرئيل

        (المضمون: التصريحات الاسرائيلية من المستوى السياسي والعسكري فيما يتعلق بسوريا أظهرت خوف القيادة الحقيقي من ان يوجه سلاح الاسد قريبا على اسرائيل  - المصدر).

        اسرائيل قلقة. وهذا ما تُبينه بوضوح سلسلة التصريحات الأخيرة لمسؤولين اسرائيليين كبار في المستوى السياسي وفي جهاز الامن. إما بأسمائهم وإما تحت غطاء "مسؤول كبير"، عما يجري في سوريا من تطورات. في هذا الاسبوع فقط في الـ 48 ساعة التي تلت حادثة اطلاق النار الاخيرة على الحدود السورية في الجولان، أطلق وزير الدفاع ورئيس هيئة الاركان وقائد سلاح الجو على التوالي تقديرات وتهديدات تتعلق بما يتوقع هناك في الفترة القريبة. وتحدث كل واحد منهم على غفلة منه وتحدث الجميع معا أكثر من اللازم قليلا. اذا كان يوجد حقا خط واحد وسياسة حكيمة مشتركة توجه القيادة الاسرائيلية العليا فانه كان من الصعب ان نتبينها في هذه التصريحات.

        أثار كلام قائد سلاح الجو معظم الاهتمام. فقد تحدث اللواء أمير إيشل في مؤتمر تناول مرور 40 سنة بعد حرب يوم الغفران. وتطرق بطبيعة الامر الى احتمال مفاجأة استخبارية اخرى بعد صدمة 1973. لكن الكلام الذي قاله انشأ عناوين صحفية تقول إن الجيش الاسرائيلي يستعد لامكانية نشوب حرب مفاجئة، وقد اشترى الاسد منظومات سلاح متقدمة بمليارات الدولارات – ولا سيما صواريخ مضادة للطائرات. إن إيشل بعيد عن ان يكون ساذجا بالطبع. وكان عالما بوجود آلات التصوير في المؤتمر وبالصدى المتوقع لكلامه.

        غضب أحد أسلاف إيشل في سلاح الجو اللواء احتياط إيتان بن الياهو الذي سُئل في ذلك في صوت الجيش الاسرائيلي، من تخمين ان التصريح تم بالموافقة أو حتى بتوجيه من أعلى. وأكد بن الياهو استقلال قادة السلاح على اختلاف حقبهم وليس ذلك عجبا: لأنه يوجد لسلاح الجو منذ كان عيزر وايزمن وبني بيلد الى بن الياهو ودان حلوتس تراث طويل لقادة السلاح الذين يقولون بالضبط ما يشتهون.

        إن التباحث في الواقع الامني الذي نشأ منذ وقعت الهجمات الجوية الثلاث المنسوبة الى اسرائيل في سوريا يشبه قُبلة من خلال أستار كثيرة جدا. فاسرائيل لا تعترف الى اليوم مباشرة بالمسؤولية عن الهجمات بالرغم من ان مسؤولين اسرائيليين كبار يشيرون الى ذلك اشارات خفية ويرى المجتمع الدولي ذلك حقيقة خالصة. فيجب ان تعتمد استعادة اتخاذ القرارات لذلك على الاعلام الاجنبي في الأساس.

        أعلن مسؤولون اسرائيليون كبار خطوطا حمراء تتعلق بالجبهة الشمالية في سنة 2008 قبل ان يضربنا الربيع العربي بكثير. فقد أعلنوا آنذاك ان اسرائيل ستعمل في اعتراض نقل سلاح متقدم الى حزب الله. وكانت قائمة السلاح المحظور مفتوحة وذُكرت منظومات مضادة للطائرات متقدمة وصواريخ بعيدة المدى. وبعد ذلك ولا سيما منذ نشبت الحرب الأهلية السورية أُضيف الى القائمة السوداء السلاح الكيميائي ايضا. في أول هجوم في داخل سوريا في نهاية كانون الثاني من هذه السنة دُمرت قافلة كانت تنقل بطاريات صواريخ مضادة للطائرات من طراز إس.إي17 في حين كانت تنتظر متأهبة في الجانب السوري للحدود قبل دخولها لبنان.

        ثم جاء الهجومان في نيسان واحدا بعد آخر في غضون يومين. وكانت أهداف الهجوم بحسب الاعلام الاجنبي في الحالتين مخازن كان يُحفظ فيها سلاح من ايران فتم تدمير صواريخ فاتح 110 نُقلت الى دمشق وكانت ستُنقل بعد ذلك الى لبنان. وقُبيل الهجوم الاول بحسب تلك التقارير الاخبارية، عُقد في اسرائيل اجتماع خاص للمجلس الوزاري المصغر. ولم ترد تقارير عن اجتماع آخر قبل الهجوم الثاني. وقد يشهد سير الامور هذا على ان المجلس الوزاري المصغر وافق على الخطوة الاولى وفوّض الى حلقة ضيقة (قد تكون رئيس الوزراء ووزير الدفاع) أن توافق على هجوم آخر في حال الحاجة. ولماذا كان يُحتاج الى هجوم ثانٍ؟ إن التفسير المنطقي لذلك هو الفرق الاستخباري.

        لكن ربما كان ذلك هجوما زائدا لم تكن إليه حاجة. ومن جهة مبدئية – مع افتراض ان اسرائيل هي التي قصفت حقا – يقول التوجه الاسرائيلي التقليدي منذ سنين إنه لا ينبغي احراج رئيس سوريا بشار الاسد. فما يحدث في دمشق ينبغي ان يبقى في دمشق، لكنه شارك في القضية هنا طرف ثالث هو الولايات المتحدة. فبعد يوم من القصف الاول حينما كانت سوريا ما زالت تشيع اشارات خفية الى هجوم من قبل المتمردين، سرّبت مصادر في وزارة الدفاع الامريكية الى وسائل الاعلام الامريكية ان اسرائيل هي التي قصفت المواقع.

        وحينما جاء القصف الثاني كان الطاغية السوري قد أصبح مُعوقا: ففضلا عن قصف مخازن سلاح على مبعدة 3كم من قصره كان الامريكيون قد اختاروا أن يُخزوه على الملأ وهكذا نشأ اعتراف النظام السوري بأنه هوجم وجاء على أثر ذلك اتهام اسرائيل والتهديد بالانتقام.

        ليس واضحا تماما الى الآن ماذا كان الباعث على التسريب الامريكي. يزعمون في المعارضة السورية ان الولايات المتحدة العظيمة يريحها ان تختبيء وراء اسرائيل الصغيرة؛ وان تشير اشارة خفية للاسد أنه ينتظره معاملة مشابهة اخرى اذا أصر على رفضه التنحي عن الحكم. ويتعلق تساؤل آخر بسؤال لماذا تم قصف وسائل قتالية لم تكن مشمولة في ظاهر الامر في القائمة السوداء، فان فاتح 110 الايراني يشبه أصلا صاروخ إم600 السوري الموجود عند حزب الله. ويكمن تفسير ذلك في درجة دقة الصاروخ لأن الطراز الايراني أدق كثيرا. إن أحد التخمينات هو ان الايرانيين استطاعوا ان يركبوا اجهزة توجيه متصلة بالاقمار الصناعية (جي.بي.اس) على الصواريخ على نحو يرفع كثيرا درجة الدقة. واذا نشأت ايضا طريقة لاستعمال هذه الصواريخ في المستقبل لاطلاق سلاح كيميائي فهو سبب آخر للقلق ايضا.

        تغير التوجه السوري منذ وقع الهجوم الثالث. فقد هدد الاسد والامين العام لحزب الله حسن نصر الله بصراحة بالرد على قصف اسرائيلي آخر وتحدثا عن فتح جبهة مقاومة لاسرائيل في الجولان. وبعد ذلك بأيام قليلة أُطلقت راجمات صواريخ من الارض السورية قرب جبل الشيخ. وحدثت الواقعة الأهم هذا الاسبوع ولم يكن المقلق فيها وسائل القتال التي استُعملت فيها (رصاص أُطلق على جيب لكتيبة استطلاع الشباب الطلائعيين، ووقعت حوادث كهذه هذه السنة من قبل)، بل سياسة دمشق المعلنة.

        فقد أعلنت سوريا رسميا لأول مرة أنها وقفت من وراء اطلاق النار وزُعم في التصريح السوري ان سيارة الجيب الاسرائيلية دخلت الارض المنزوعة السلاح وهو زعم تنكره اسرائيل بشدة. ورد الجيش الاسرائيلي باطلاق صاروخي تموز اخطأ الاول ودمر الثاني موقع رشاشات للجيش السوري. إن صواريخ تموز باهظة الثمن لكن هذه طريقة للحفاظ على خبرة الوحدات.

        اذا اكتفى الاسد بصورة العمل هذه فيما يأتي فتستطيع اسرائيل الاكتفاء باطلاق نار محدود. لكن السؤال الحقيقي هو كيف سيرد على قصف اسرائيلي آخر. يوحي رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو الذي يقلل من الحديث في هذا الشأن بالتصميم على العمل مرة اخرى وقت الحاجة لاعتراض تهريب سلاح متقدم. والطرفان في واقع الامر يواجهان مجال مداورة أخذ يضيق: فاسرائيل يعوقها التزامها ان تمنع التهريب لكنها تخشى من ان يضطر قصف آخر الاسد الى الرد باطلاق نار أقوى، ولا تريد سوريا مواجهة عسكرية مع اسرائيل لكنه سيصعب عليها ان تضبط نفسها بازاء ما قد يُرى إذلالا آخر. وأُضيف الى هذه العقدة قضية منظومات الدفاع الجوي من طراز إس300 التي ولد الوعد الروسي المعلن بنقلها الى سوريا على أثر الهجمات الاسرائيلية كما يبدو. وقد كانت عبثا جهود نتنياهو لاقناع رئيس روسيا فلادمير بوتين بمنع تنفيذ هذه الصفقة. اذا وصل إس300 الى سوريا فسيصعب على الجيش الاسرائيلي ان يهاجم المنظومات لأن روسيا سترى ذلك تحديا مباشرا.

        إنهم في القيادة الاسرائيلية على علم بالفرق بين خطر الوضع بالفعل في الجبهة السورية في وقت قد تفضي فيه سلسلة حسابات مخطئة وعدم تفاهم الى تصعيد عام، وبين عدم الاكتراث النسبي للجمهور في البلاد الى الآن. سيحاول اسبوع الطوارىء الوطني الذي سيكون في الاسبوع القادم عقد جسر على هذا الفرق. والمشكلة كالعادة هي ان الرسائل الدفاعية التي تُرسل الى الجمهور الاسرائيلي قد تُفسر بأنها تهديدات بالهجوم لا داعي لها عند الطرف الثاني.

        وفي خضم ذلك يجري في وسائل الاعلام جدل في سؤال أيهما أفضل لاسرائيل: أنظام ضعيف للاسد مع استمرار الوضع الراهن وانتقاض سوريا الى محابس متعادية أم اسقاط النظام الحالي من غير ان يمكن ان نعلم مسبقا من يحل محله. ولا ترى اسرائيل اسبابا للتفاؤل وقد سبق ذلك ما حدث في مصر حينما حل محل حلم الشباب في ميدان التحرير بالحرية والأخوة سريعا سلطة اسلامية تُظهر عداءا واضحا لاسرائيل حتى حينما تحافظ على تنسيق أمني خفي معها. وكان نتنياهو الذي أظهر شكا واضحا في الشأن المصري من البداية، حذرا من تحديد موقف من سؤال هل الاسد جيد لليهود. لا يعني ذلك انه يتوقع ان يحل محله توماس جيفرسون محلي في سوريا.

        إن الوحيد بين المسؤولين الاسرائيليين الكبار الذي يعبر عن موقف صريح هو قائد منطقة الشمال يئير غولان الذي يقول في المباحثات الداخلية إن سقوط نظام الاسد أفضل كثيرا لاسرائيل. وقد أفادت صحيفة "نيويورك تايمز" ان اسرائيل تقيم علاقات بسكان القرى الدرزية في الجانب السوري من الحدود في الجولان في محاولة لانشاء قنوات تأثير فيما يجري قرب الحدود. لكن الاسد على الأقل يؤمن بأن الاشاعات عن انهياره كانت سابقة لأوانها. وقد انتصر هذا الاسبوع انتصارا محليا مهما حينما احتلت قواته بلدة القصير قرب الحدود اللبنانية. إن قواته في هذه المرحلة هي من حزب الله باديء ذي بدء. وقد قُتل أكثر من 30 مقاتلا من المنظمة في المعارك هناك. إن الحرب الأهلية في سوريا ليست لم تُحسم بعد بل هي تتسرب على الدوام الى داخل لبنان فقد وقعت في هذا الاسبوع ايضا حوادث اطلاق نار شديدة في مدينة طرابلس شمالي الدولة بسبب القتال في سوريا.