خبر ملحمة للساذج... هآرتس

الساعة 11:02 ص|17 مايو 2013

بقلم: باراك رابيد

(المضمون: وزير الخارجية الامريكي جون كيري يحلم بجائزة نوبل للسلام ويوظف زمنا وجهدا جما لتحريك الاتصالات بين اسرائيل والفلسطينيين. غير أن تصريحات غريبة الى جانب استخفاف وجر أرجل من جانب نتنياهو وابو مازن تعيده الى أرض الواقع - المصدر).

يصل وزير الخارجية الامريكي جون كيري الاسبوع القادم في زيارة اخرى الى المنطقة، هي الرابعة منذ تسلم مهام منصبه. وشرع في حملة مكوكية هدفها استئناف المفاوضات بين اسرائيل والفلسطينيينز وسُئل أحد كبار مستشاري رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قبل بضعة ايام عن رأيه بمساعي وزير الخارجية الامريكي لاستئناف الاتصالات فعقب بابتسامة وغمزة. فقال: "الكثير من الطاقة توجد لدى هذا الشاب".

في كل ما يتعلق بجون كيري، عن شيء واحد لا جدال في القدس وفي رام الله: فهو مفعم بالنوايا الطيبة، مليء باحساس الرسالة ويريد احلال السلام في الشرق الاوسط. غير أن من هنا فلاحقا الامور تأخذ بالتعقد. رغم نواياه الطيبة يتخذ كيري حاليا صورة الدبلوماسي الساذج الذي يتصرف كفيل في حانوت الفخار للنزاع الاسرائيلي – الفلسطيني. أو على حد قول موشيه دايان: "شاب طيب بالمعنى السيء للكلمة".

في الشهرين الاخيرين نجح كيري في اغضاب الطرفين وفي زيادة الشكوك تجاهه بعد سلسلة من التصريحات والخطوات غير الناجحة. في بداية نيسان، في ختام زيارة في القدس ورام الله أعلن بانه في غضون بضعة اسابيع سيطلق خطة استراتيجية لانقاذ الاقتصاد الفلسطيني. وحسب مصدر اسرائيلين فان كيري المتحمس نسي شيئا صغيرا واحدا: تنسيق الاعلان مسبقا مع الطرفين.

تصريحان آخران لكيري أحدثا استهجانا في القدس. كان الاول المقارنة الغريبة التي عقدها في اثناء زيارة الى اسطنبول في 9 نيسان بين العملية الارهابية في بوسطون وبين السيطرة على الاسطول التركي الى غزة في 2010. بعد اسبوع من ذلك، في استماع في مجلس الشيوخ، صرح كيري بانه  في غضون سنة ونصف السنة حتى سنتين قد تغلق نافذة الفرص لحل الدولتين. وقد استقبلت اقواله بعدم راحة في القدس. وقال مسؤولون اسرائيليون كبار في حينه انه ليس واضحا لهم على ماذا استند. وعندما سُئل نتنياهو عن المسألة في حديث مغلق أجاب بتهكم فقال: "لست شريكا في تشاؤم كيري".

ولكن الغضب الذي اثارته تصريحات كيري في القدس لا يعتد بها مقارنة بسلوكه حول استقالة رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض في منتصف نيسان. إذ يروي مسؤولون فلسطينيون واسرائيليون كبار بان المكالمات الهاتفية من كيري لفياض ولرئيس السلطة محمود عباس (ابو مازن)، والضغط الشديد الذي مارسه لمنع الاستقالة، تسبب بضرر أكثر مما أعطت من النفع. وقد تسرب أمر المكالمات فعرض رئيس الوزراء الفلسطيني وكأنه "دمية امريكية". وتميز فياض غضبا وأوضح بانه مصمم على الاستقالة. وقال مسؤول فلسطيني "كان هذا الخطأ الاكبر لكيري. لو لم يتدخل ما كان فياض ليستقيل".

يواصل التصرف كسيناتور

رغم أنه يتبوأ أحد المناصب الاعلى في ادارة اوباما، فان كيري يتصرف في الموضوع الاسرائيلي – الفلسطيني وكأنه لا يزال سيناتورا من مساتشوستس. ويشير موظفون امريكيون الى أن كيري يعمل وحده ولا يكاد يستعين الا بمستشاره لشؤون الشرق الاوسط، فرانك لفنشتاين، الذي عمل معه في لجنة الخارجية في مجلس الشيوخ. اما القسم الاكبر من كبار رجالات وزارة الخارجية الامريكية فان كيري يستبعدهم ببساطة.

منذ تسلمه مهام منصبه وظف كيري ساعات عديدة في الموضوع الاسرائيلي – الفلسطيني، ربما أكثر من أي موضوع آخر. قسم كبير من هذه الساعات قضاها في لقاءاته الثنائية والمكالمات الهاتفية مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ومع الرئيس الفلسطيني محمود عباس. ويسمي كيري هذا "بالدبلوماسية الشخصية"، ويعتقد بان ميزته الاساس على كل واحد آخر في الموضوع الاسرائيلي – الفلسطيني هي معرفته عديدة السنين وعلاقات الثقة بينه وبين الزعيمين. وهو يؤمن بان هذا ما سيسمح له باحداث اختراق في المسيرة السلمية. ليس واضحا الى ماذا استند كيري في هذا الايمان. بعد شهرين من المحادثات لم يبدِ نتنياهو وعباس اي مرونة.

مسؤول اسرائيلي كبير، التقى كيري عدة مرات، أشار الى أن وزير الخارجية الامريكي يعنى بالموضوع الفلسطيني بحماسة مسيحانية ويتصرف كمن ارسل لجلب الخلاص. وانضم دبلوماسي غربي ضالع في نشاط كيري الى هذا فقال انه "احيانا يوجد احساس بان كيري يعتقد بان السبب الوحيد الذي منع اسلافه في المنصب من تحقيق اتفاق سلام هو أنهم ليسوا جون كيري".

ثمن الفشل

واشار مصدر اسرائيلي عالم بالاتصالات التي يجريها كيري لاستئناف المفاوضات الى أن مشكلة كيري ليست نقص في المعرفة او في العلم بالنفوس الفاعلة. انه في هذا بالذات قوي. على حد قوله، فشل كيري في فهم التفاصيل ولا يفهم كما ينبغي المناخ السياسي في اسرائيل وفي السلطة الفلسطينية. سلوكه حتى الان يسمح لنتنياهو وأبو مازن بمجال مناورة كاف كي يستخفا به ويسوفا فيلقيا كل واحد منهما الذنب على الاخر.

يركز كيري جدا على استئناف المفاوضات بين الطرفين لدرجة أنه يبدو أنه لم يوظف ما يكفي من الفكر لليوم التالي. احدى الافكار التي يدرسها في هذه الايام هي الاعلان عن صيغة امريكية لاستئناف الاتصالات، وارسال دعوات للطرفين انطلاقا من الافتراض بان ايا منهما لن يرغب في اعطاء جواب سلبي. المشكلة الوحيدة في هذه الاستراتجية  هي أن الرئيس اوباما ووزيرة الخارجية السابقة هيلاري كلينتون سبق أن جرباها في الولاية الاولى. ففي بداية ايلول 2010 دعيا ابو مازن ونتنياهو الى طقس احتفالي في البيت الابيض لاطلاق استئناف محادثات السلام. جولة مفاوضات واحدة جرت في واشنطن، وبعد اسبوعين من ذلك جرت جولة محادثات في شرم الشيخ وجولة اخرى في القدس. الا انه حتى نهاية ايلول 2010 علقت المحادثات في طريق مسدود، دون أن يكون للادارة الامريكية اي خطة بديلة. الفشل في حينه أدى الى جمود من ثلاث سنوات. والفشل الان قد يؤدي الى انتفاضة ثالثة.

في رواق خارج مكتب وزير الخارجية الامريكي السابق جيمز بيكر في يوسطون في تكساس معلقة كاريكاتورات مؤطرة نشرت في عدة صحف في الولايات المتحدة وفي العالم في 1991. الكاريكاتورات التي عنيت بمحاولات بيكر لاستئناف المسيرة السلمية في الشرق الاوسط، كانت تتصبب سخرية بل وأكثر من ذلك شكا.

ومع ذلك، في نهاية تشرين الاول من ذات السنة نضجت مساعي وزير الخارجية الامريكي عندما وصلت اسرائيل، دول عربية وممثلون فلسطينيون الى مؤتمر للسلام الدولي في مدريد. قد لا يكون بيكر  نال جائزة نوبل، ولكنه اثبت في حينه لكل منتقديه بانه من خلال الدبلوماسية وغير قليل من الضغط السياسي على رئيس الوزراء الاسبق اسحق شمير، معلم وسيد بنيامين نتنياهو، كان ممكنا احداث اختراق في المسيرة السلمية في الشرق الاوسط.

كيري ليس مستعدا للاكتفاء فقط بمؤتمر سلام دولي. فبعد أكثر من عشرين سنة على مدريد يريد أن يكون هو الذي يحقق اتفاقا تاريخيا بين اسرائيل والفلسطينيين. وهو يروي لمقربيه بانه استعد لهذه اللحظة كل حياته وأن هذا سيكون إرثه كوزير للخارجية.

في 7 حزيران سيعرض كيري استنتاجاته من ثلاثة اشهر محادثات مع الاسرائيليين والفلسطينيين ويعلن اذا كانت توفرت الصيغة لاستئناف المسيرة السلمية. ولسوء حظه، في هذه المرحلة يبدو أن الطرفين لا يبديان حماسة زائدة ويتمترسان في مواقفهما. أما كيري، الذي يحلم بجائزة نوبل للسلام فانه لا يمكنه أن يحققها الا من خلال الصحوة، تأكيد الذات والاستعداد للمواجهة مع الطرفين. اذا واصل التصرف بسذاجة، من شأنه أن ينتهي مثل الكاريكاتورات في الرواق خارج مكتب جيمز بيكر.