خبر إسرائيل وما بعد « العدو الأمثل » في دمشق ..صالح النعامي

الساعة 10:03 ص|14 مايو 2013

جاءت عمليات القصف التي قامت بها إسرائيل ضد أهداف في سوريا مؤخراً كجزء من إستراتيجية شاملة تعكف دوائر صنع القرار في الكيان الصهيوني على إتباعها في التعاطي مع تداعيات الثورة السورية، وتهدف بشكل أساسي إلى درء المخاطر التي يمكن أن تنجم عن تطورات الشأن السوري على الأمن "القومي" الصهيوني، وفي الوقت ذاته استغلال الفرص التي يمكن أن تولّدها هذه التطورات وتحسن البيئة الإستراتيجية لإسرائيل.

ولقد كان من الواضح أن إسرائيل لم تهدف بالمطلق من خلال الهجمات التي قامت بها في سوريا للتأثير على موازين القوى بين النظام والثوار، فهذه العمليات لم ترم إلى إضعاف النظام السوري أو المس بالثوار، بل جاءت بناء على حسابات إستراتيجية تأخذ بعين الاعتبار المصالح الإسرائيلية العليا فقط.

وبالإمكان القول إن الإستراتيجية الإسرائيلية تجاه الأوضاع في سوريا تقوم على ركيزتين أساسيتين، هما: العمل على تصفية مقومات القوة في الدولة السورية، والسعي لإقامة حزام أمني داخل هضبة الجولان لمنع تحولها لساحة لانطلاق العمليات ضدها.

تصفية القوة العسكرية لسوريا

تنطلق دوائر صنع القرار في تل أبيب من افتراض مفاده أن الثورة السورية ستنتهي إما بسقوط النظام القائم، وإما بتفكك الدولة السورية إلى دولتين أو أكثر تكون إحداها دويلة علوية على الساحل السوري.

وهذا يعني أن أربعة عقود من نمط العلاقات الرتيبة بين إسرائيل وسوريا قد انتهى، وهذا النمط ضمن أن تكون الحدود مع سوريا هي الحدود الأكثر هدوءاً لإسرائيل من بين حدودها مع دول محيطها العربي.

وعلى الرغم من حرص النظام السوري منذ مطلع سبعينيات القرن الماضي على مراكمة أسباب القوة العسكرية، فإن تفوق إسرائيل العسكري منح تل أبيب القدرة على مراكمة قوة ردع واضحة المعالم إزاء نظام عائلة الأسد، جعلته يتجنب أية مواجهة مع الكيان الصهيوني، حتى عندما يتم إحراجه بهجمات في قلب القطر السوري.

وقد أدرك صناع القرار في تل أبيب أنه سواء سقط النظام بشكل كامل أو تفككت الدولة السورية، فإن إسرائيل ستخسر ورقة رابحة جداً تتمثل بغياب العنوان السلطوي الجامع الذي تمكنت إسرائيل من مراكمة قوة الردع إزاءه، والذي حرص على مواءمة سياساته الداخلية والإقليمية بشكل لا يسمح بفتح مواجهة مباشرة مع الكيان الصهيوني.

وعلى الرغم من تفوق إسرائيل الكاسح في موازين القوى العسكرية على سوريا، فإن سقوط نظام عائلة الأسد سيقلص من دور هذا التفوق في الحفاظ على قوة الردع القائمة حالياً، إذ إن إسرائيل تفترض أنه ستتعدد العناوين السلطوية داخل القطر السوري بعد سقوط النظام لفترة طويلة، بشكل يجعل من المستحيل ممارسة الردع تجاهها، وهذا يعني أن السبب الذي منع تحول سوريا إلى ساحة انطلاق لتنفيذ عمليات ضد إسرائيل لم يعد قائماً.

ونظراً لامتلاك سوريا حاليا مخزونا كبيرا من السلاح التقليدي وغير التقليدي، لاسيما الصواريخ البعيدة المدى التي بإمكانها أن تغطي كل فلسطين المحتلة، فإن وقوع هذه الكميات من السلاح في أيدي الجماعات العصية على الردع يؤذن بتغيير بيئة الأمن "القومي" الصهيوني بشكل جذري.

من هنا فإن إسرائيل معنية بشكل أساسي بتصفية مقومات القوة العسكرية السورية قبل أن تسقط في أيدي هذه الجماعات، وهذا هو السبب الحقيقي الذي دفع تل أبيب لشن غاراتها الأخيرة على سوريا، وليس كما تصوّر الدعاية الصهيونية بأن عمليات القصف استهدفت مخازن سلاح كان معداً للإرسال لحزب الله.

ومن الأهمية بمكان هنا أن نشير إلى ما كتبه الرئيس الأسبق لشعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلي الجنرال شلومو غازيت في صحيفة هآرتس بتاريخ 3/2/2013، حيث نصح صناع القرار في تل أبيب بغض الطرف عن نقل السلاح السوري لحزب الله، بشرط عدم السماح بتركه يسقط في أيدي الجماعات الإسلامية التي يفترض أن تتولى زمام الأمور في سوريا، على اعتبار أن قوة الردع الإسرائيلية إزاء حزب الله في ذروتها، لاسيما بعدما أصبح الحزب جزءاً من منظومة الحكم في الدولة اللبنانية.

ويفترض غازيت أن حزب الله يدرك أن إسرائيل لن تكتف بالرد على مؤسساته فقط، بل ستضرب جميع مرافق الدولة اللبنانية التي أصبح جزءاً منها، وهو ما سيتجنبه لأنه يخشى حدوث مزيد من التآكل لشعبيته في لبنان.

حزام أمني في الجولان

إن المركب الثاني في الإستراتيجية الإسرائيلية تجاه ما يجري في سوريا هو تدشين حزام أمني في قلب الجزء من الجولان الذي يخضع للسيطرة السورية، وذلك لمنع تحول هذه المنطقة لساحة لانطلاق العمليات ضد إسرائيل.

وتفترض إسرائيل أنه في أعقاب سقوط نظام عائلة الأسد أو تفكك الدولة السورية، فإن الجولان في ظل غياب سلطة مركزية قوية ستصبح منطقة تجذب الجماعات الإسلامية المسلحة المعنية بمقاومة إسرائيل انطلاقاً من هذه المنطقة.

لكن آخر ما تفكر به النخبة السياسية والقيادة العسكرية في تل أبيب هو أن يجتاح الجيش الإسرائيلي الجولان لإقامة الحزام الأمني، إذ إن نتائج تجربة الحزام الأمني الذي أقامته إسرائيل في جنوب لبنان مطلع ثمانينيات القرن في الماضي بالغة القسوة بالنسبة لإسرائيل، حيث إن هذه التجربة دمرت قوة الردع الإسرائيلية وفاقمت الاستقطاب داخل المجتمع الإسرائيلي.

من هنا، فإن الخيار الأمثل بالنسبة لإسرائيل هو أن تتولى جماعات محلية سورية مهمة تدشين حزام أمني في قلب الجولان. وقد كشف رئيس تحرير صحيفة هآرتس، ألوف بن، في مقال نشره بتاريخ 15/4/2013 النقاب عن أن إسرائيل تجري مباحثات مع الأردن والولايات المتحدة من أجل إيجاد قوة سورية محلية تتولى مهمة الحؤول دون وصول الجماعات المسلحة إلى منطقة الحدود مع الجولان المحتلة والانطلاق في عمليات ضد إسرائيل.

ومن الواضح أن الطرف الذي تقع عليه مهمة تشكيل هذه القوة سيكون الأردن، الذي لديه قدرة كبيرة على الاحتكاك مع الكثير من اللاجئين السوريين، الذين فروا من بطش النظام. ولقد كان من اللافت أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد قام بأربع زيارات للأردن خلال شهري ديسمبر/ كانون الأول ويناير/ كانون الثاني الماضيين، التقى خلالها بالملك عبد الله الثاني، إذ كان من اللافت أنه قد تم الكشف عن أمر هذه اللقاءات في إسرائيل، بينما التزمت عمان الصمت.

ولم يحدث أن قام رئيس وزراء في إسرائيل بهذا العدد من الزيارات لدولة واحدة في زمن قصير على هذا النحو. ويمكن الافتراض أن المباحثات التي أجراها نتنياهو مع الملك عبد الله قد تناولت بشكل أساسي تشكيل مثل هذا الحزام.

ومن الأهمية بمكان هنا الإشارة إلى أن دوائر صنع القرار في إسرائيل تؤمن بأنه في أعقاب ثورات الربيع العربي وزوال نظام الرئيس مبارك، فإن النظام الأردني بات أوثق حلفائهم في المنطقة، حيث لا يتردد في مساعدة الكيان الصهيوني على مواجهة تبعات التحولات في العالم العربي. وما جاء في مقابلة الملك عبد الله في مجلة "أتلانتك" الأميركية مؤخراً يدلل على أن الملك أيضاً يرى أن التعاون مع إسرائيل أحد أهم مقومات الحفاظ على استقرار نظامه.

رسائل متعددة

مما لا شك فيه أن إسرائيل توظف الهجمات الأخيرة على سوريا في إرسال رسائل إلى عدد من الأطراف. وقد كان وزير الحرب الصهيوني موشيه يعلون واضحاً عندما أكد أن ما تقوم به إسرائيل في سوريا يمثل رسالة واضحة لحكام طهران بأن تل أبيب جادة في تهديدها باستخدام الخيار العسكري من أجل إجهاض المشروع النووي الإيراني.

وتحمل الهجمات رسالة لحزب الله، الذي تعتبره إسرائيل في قمة ضعفه السياسي في أعقاب تفجر الثورة السورية، ونتيجة تعقيد المشهد السياسي الداخلي في لبنان. وعلى الرغم من أن إسرائيل ترى أنها قد تمكنت من مراكمة الردع إزاء حزب الله، فإن صناع القرار في تل أبيب يعتقدون أن حزب الله لن يلتزم الصمت إذا قامت إسرائيل بمهاجمة إيران، وسيرد على إسرائيل بإطلاق آلاف الصواريخ التي بإمكانها أن تلحق أذىً شديداً بالعمق الإسرائيلي.

ليس هذا فحسب، بل إن إسرائيل ترى أن إيران تعتمد بشكل أساسي على حزب الله في تأمين الرد على أي هجوم إسرائيلي يستهدف منشآتها النووية. علاوة على ذلك، فإن هناك رسالة موجهة لإدارة الرئيس أوباما، ومفادها أن إسرائيل بإمكانها العمل بشكل منفرد ضد إيران إذا لم تتحرك الولايات المتحدة بشكل عسكري من أجل القضاء على البرنامج النووي الإيراني.

وتعي تل أبيب أن واشنطن تعارض تحركا إسرائيليا منفردا ضد إيران لأنه سيؤثر سلباً على المصالح الأميركية في المنطقة. وتأمل إسرائيل أن تساهم الهجمات ضد سوريا في مراكمة الردع إزاء العالم العربي والمقاومة الفلسطينية.

العدو الأمثل

لقد كان نظام عائلة الأسد بمثابة "العدو الأمثل" بالنسبة لإسرائيل، فهو قد كان ضعيفاً إزاء الكيان الصهيوني لدرجة أنه استبعد فكرة فتح مواجهة معه، حتى عندما كان يستفزه ويحرجه، لكنه في الوقت ذاته كان قوياً لدرجة تكفي لمنع جهات داخلية سورية وعربية من استهداف إسرائيل انطلاقاً من الأراضي السورية.

لقد أدرك الصهاينة مدى تأثير غريزة الرغبة في البقاء على سياسات النظام السوري واستغلتها أوسع استغلال، لذا سارعت إسرائيل وبكل استخفاف إلى نقل رسائل عبر الروس إلى الأسد لطمأنته أن الهجمات لم تستهدف نظامه، بل استهدفت بشكل خاص أهدافا لحزب الله وإيران.

هذه مقومات إستراتيجية إسرائيل لضمان استقرار بيئتها الإستراتيجية بعد سقوط "العدو الأمثل".