خبر حانت ساعة النهاية- هآرتس

الساعة 09:13 ص|14 مايو 2013

حانت ساعة النهاية- هآرتس

بقلم: جاكي حوري

        (المضمون: غيّرت المذبحة في غربي سوريا، والهجوم الذي نُسب الى اسرائيل وزيارة وزير الخارجية الامريكي جون كيري لموسكو، قواعد اللعب في سوريا وأصبحت تواجه رئيس سوريا بشار الاسد الآن اربعة امكانات - المصدر).

        تحطمت جميع التنبؤات واحدة بعد اخرى. منذ نشبت المظاهرات في سوريا في آذار 2011، أُثير ما لا يحصى من السيناريوهات المتعلقة بمستقبل الرئيس السوري بشار الاسد. وتحطم أكثرها كما يمكن ان نقول بعد أكثر من سنتين. فالذين قدّروا ان حكم الاسد لن يبقى أكثر من بضعة اسابيع أو أشهرا معدودة في الأكثر – مثل زعماء سائر دول الربيع العربي – ظهر وهمهم. لم يتحقق النموذج التونسي ولا النموذج المصري، فلم يسقط الاسد في الميادين ولم يؤتَ به ليحاكم. وهذا ما حدث ايضا لمصير النموذج الليبي، مع عدم وجود معارضة متحدة وعدم رغبة غربية في التدخل العسكري.

        لكن بعد أكثر من سنتين من حرب استنزاف بين النظام والمعارضة فان ثلاثة أحداث حدثت بصورة متوازية تقريبا في الاسبوعين الاخيرين قد تضع شروطا جديدة في الميدان وهي: المذبحة التي وقعت في مدينة بانياس غرب الدولة، والهجوم المنسوب لاسرائيل في العمق السوري وزيارة وزير الخارجية الامريكي جون كيري لموسكو.

        فيما يتعلق ببانياس، اتهم وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو الاسد هذا الاسبوع بتطهير عرقي في غربي الدولة وذلك كما قال بغرض انشاء دولة لجوء لأبناء الطائفة العلوية. وبدأ جيش الاسد بحسب ما قال اوغلو في المنطقة بين مدينة حمص الى الشريط الساحلي، خطة التطهير بقتل وإجلاء أبناء الطائفة السنية وتأمين أكثرية علوية واضحة. وزعم وزير الخارجية التركي ان هذا هو حل الاسد الاخير بعد ان فشل في قمع الثورة بجميع الوسائل التي يملكها.

        ويوافق على هذا التقدير الدكتور إيلي كرمون، الباحث في معهد سياسة مكافحة الارهاب في المركز المتعدد المجالات في هرتسليا، فهو يقول إن الاسد سيسعى الى انشاء دولة علوية بين تركيا ولبنان حدودها ساحل البحر في الغرب ومدينتا حلب وحمص في الشرق – مع محاولة الابقاء على ممر الى العاصمة دمشق. ويذكر كرمون أن أكثر أبناء الطائفة العلوية مُركزون في منطقة الجبل ويضيف ان السلوك في السنتين الاخيرتين يشهد على تجميع أكبر للعلويين في ذلك المكان. ويقول إن المعارك التي تجري في منطقة الحدود الشمالية الشرقية مع لبنان تقوي هذا السيناريو ايضا لأنها تشير الى رغبة حزب الله والنظام السوري في الحفاظ على ممر الى لبنان ولا سيما في التجمعات السكنية الشيعية. وذكر مع ذلك ان امكانية ان تبقى دمشق تحت حكم الاسد في هذا السيناريو ضعيفة جدا.

        إن انشاء دولة كهذه قد ينقض عُرى سوريا ويجعلها دويلات، وسيريد الاكراد انشاء دولة في الطرف الشرقي الشمالي، والدروز في الجولان السوري، وبين ذلك ستقوم دولة سنية كبيرة. ومع ذلك فان الوضع الجغرافي السياسي في المنطقة، والطائفة المسيحية الكبيرة في الدولة التي لا يمكن تجاهلها ومعارضة المتمردين تجعل احتمال ان يكون هذا السيناريو حلا قائما، تجعله ضئيلا جدا.

        بحسب كلام الدكتور سمير عيطة – وهو محرر النسخة الالكترونية باللغة العربية من صحيفة "لاموند" الفرنسية، وهو معارض محسوب في مجموعة مثقفين سوريين مستقلين – فان معظم جهد الاسد اليوم هو جمع انجازات عسكرية على الارض قبل ان تفرض عليه القوى الكبرى حلا. "يدرك الاسد جيدا ان الساحة السورية أصبحت ساحة دولية"، قال عيطة في حديث مع صحيفة "هآرتس". "إن القوى الكبرى وفي مقدمتها الولايات المتحدة وروسيا غير معنية بأن تنتقل المواجهة الى دول المنطقة ولا سيما لبنان والعراق والاردن – وستعمل على منع ذلك". وقال إن الهجوم الذي نُسب الى اسرائيل في العمق السوري في نهاية الاسبوع الماضي، "كان اشارة خفية الى الطرفين أنهما اذا أرادا تدخلا خارجيا فان اسرائيل ستكون في هذه اللعبة ولهذا يُفضل ان يُظهر الطرفان مرونة".

        ولهذا كما يقول يمكن الاسد ان يتوجه الى تسوية سياسية بحسب الخطة التي عُرضت في مؤتمر جنيف في الثلاثين من حزيران 2012 والتي قد تكون صياغتها الغامضة فرصة ذهبية للرئيس السوري، فهو نفسه لن يُنحى فورا وفي مقابل ذلك ستنشأ حكومة وطنية يقبلها الطرفان تُنقل اليها صلاحيات الجيش النظامي وأجهزة الأمن. ويقول عيطة إن الموافقة على تسوية سياسية كهذه يمكن ان تكون حاسمة لحل الازمة. "سيكون رئيسا بالفعل لكن دون سيطرة على الجيش والحكومة، وستضطر المعارضة الى التخلي عن طلب تنحيه باعتباره شرطا لكل تسوية في المستقبل مقابل حكومة تحكم بالفعل"، ذكر. "وهذا سيتضح في المؤتمر الدولي الذي تم الاتفاق عليه بين كيري ونظيره الروسي سيرجيه لافروف في موسكو". ومع ذلك لا يبدو في الأفق الى الآن عقد هذا المؤتمر بسبب الاختلاف في هوية المشاركين فيه.

        عارضوا في المعارضة الى الآن أن يبقى الاسد في منصبه، لكن في هذه الايام مع ادراكهم أنه لا يتوقع ان يتدخل الامريكيون كما يبدو عسكريا فيما يجري في الدولة، أصبحوا يتباحثون في هذه الخطة السياسية. ويوجد امكان آخر يحاول الاسد بحسبه البقاء في منصبه الى الانتخابات الرئاسية على الأقل التي حُددت في آذار 2014 لكن هذا يبدو ضعيفا لسببين وهما: الزمن الذي سيمر حتى ذلك الحين، والصعوبة الكبيرة في اجراء انتخابات في سوريا في وضعها الحالي، وقد فُقدت السيطرة في مناطق واسعة منها.

        ومهما يكن الامر فان المسؤول الكبير في المعارضة السورية الذي اعتبر واحدا من رموز المعارضة حتى في فترة حكم حافظ الاسد، يرفض السيناريوهين معا. "إن دولة علوية هي انتحار للاسد – لأنها لن تبقى في الوضع القائم – وأما الحل السياسي الذي يشتمل على تخلي عن السلطات ولا سيما السيطرة على الجيش فهو انتحار لن يساعد النظامُ عليه".

        وقال إن الاسد يرى سيناريو واضحا واحدا فقط، هو الرهان على الصندوق كله، وسيفعل ذلك باستعمال قوة أكبر على السكان المدنيين والمتمردين من جهة، وبابراز اخفاقات المعارضة من جهة ثانية ولا سيما سيطرة المنظمات السلفية والقاعدة على الدولة.

        وذكر أن الاسد معني بسوء الوضع هذا وانتقال المعارك الى الدول المجاورة كي يضطر دول العالم الى التدخل لمساعدته. "يحاول الاسد ان ينشيء جبهة داخلية في مواجهة المعارضة، وهذا يعني المس بالثورة من الداخل"، يقول، "وذلك بتقسيم الموارد والحصول على تأييد حلقات دينية وسياسية، وبعرض اصلاحات ومحادثات، وباستعمال قوة أكبر ونيران المدافع والطائرات والصواريخ على من يعارضون، في المقابل".

        "ويؤسفني أن المعارضة تساعده على ذلك بانقسامها ولأنها لا تنجح في تجنيد المجتمع الدولي. وكذلك ايضا قوة المنظمات السلفية وفي مقدمتها أذرع القاعدة"، ذكر ايضا المسؤول الكبير في المعارضة وأضاف ان الرد السوري الرسمي على الهجوم الذي نُسب الى اسرائيل في عمق الدولة كان ايضا جزءً من محاولته هذه، بأن عرض اسرائيل والمنظمات المتطرفة بأنها في الجانب نفسه. وقال في تقديره إن هذا الوضع قد يستمر شهورا طويلة اذا لم يحدث تدخل عسكري من الغرب يُخضع الاسد.

        إن هذا التدخل قد يعيد الى الأذهان امكانا آخر عُرض في عدة فرص في السنتين الاخيرتين وهو فرار الاسد من الدولة. تعلمون ان الاسد لم يستقر رأيه بعد على خطوة كهذه، لكن حسما عسكريا للمتمردين – سواء أكانوا وحدهم أم بمساعدة الغرب – قد يغير هذا الوضع. وقد غادرت في الصيف الماضي أم الاسد أنيسة الى دبي بحسب أنباء منشورة مختلفة بعد التفجير الذي وقع في مقر الأمن القومي في دمشق – وقُتل فيه صهره الجنرال آصف شوكت الذي كان يسمى آنذاك أقوى رجل في سوريا، ووزير الدفاع داود راجحة – وذلك بعد ان بيّن التفجير الذي وقع مبلغ عمق التغلغل الى الحلقة المقربة منه. وتم الحديث في تلك الفترة عن أن الامارة الغنية ستكون هي التي ستستقبل الاسد وعائلته مع سقوط نظامه، وذُكرت فنزويلا وروسيا وايران باعتبارها خيارات فرار. لكن هذا السيناريو تبخر كغيره مع الوقت.