خبر مكاسب الإغراء الإسرائيلي بالتدخل عسكرياً في سوريا

الساعة 04:56 م|13 مايو 2013

حلمي موسى

يربط كثيرون في إسرائيل بين ما يسمونه المعارك الداخلية والخارجية للجيش الإسرائيلي. وإذا كانت المعارك الخارجيـة واضحـة وموجهة عموما ضـد أعـداء إسرائيـل فـإن المعـارك الداخليـة غالبا ما تكـون ضـد وزارة الماليـة. وقد شهدت إسرائيل على مر السنين أنواعا مختلفة من التصعيد العسكري في الخارج، فعليا أو إعلاميا، ترافق مع تصاعد حدة النقاش حول ميزانية الدفاع.

ومن الجائز أن التصعيد العسكري الإسرائيلي ضد سوريا في الأسبوع الأخير ترافق، أكثر من أي مرة أخرى، مع تزايد السجال حول ميزانية الدفاع، حيث تطالب وزارة المالية بتقليص يزيد على مليار دولار في حين يصر الجيش على تزايد الأعباء والمخاطر. وقد اعتاد الجيش الإسرائيلي في السنوات الأخيرة التركيز على كل من إيران على المدى البعيد وقطاع غزة على المدى القصير لإظهار التحديات ولتسخين الجبهات. وكان بقدر ما يتجنب الجبهتين اللبنانية والسورية بسبب ما تنطويان عليه من تحديات. وعندما بدأت الحرب الأهلية السورية وجد أن فرصته تتمثل في تجنب الظهور على أمل أن تقود التطورات إلى سقوط مركز محور المقاومة الإقليمي في دمشق فيضعف شأن كل من إيران وحزب الله بشكل كبير. وما ان طالت هذه الحرب وبدأت تتبين أبعاد جديدة لها حتى صار أميل إلى المشاركة في مساعي تفجير مواضع قوة سوريا الاستراتيجية منطلقا من أن هذا هو الوقت الأنسب لحرمان طرفي الصراع من هذه القوة الآن وفي المستقبل.

وكان من الجلي أن ما حدث في الأسبوع الأخير ليس سوى طرف جبل الجليد لما تقوم به إسرائيل في سوريا منذ وقت طويل من دون إعلان في الغالب. إذ تختلط مسؤولية ما يحدث بين المعارضة وإسرائيل وربما جهات أخرى باتت في موقع العداء للنظام السوري الأمر الذي يجعل رد الفعل الرسمي السوري على ذلك مشوشا. وهذا ما خلق لدى الإسرائيليين تقديرا أساسيا مفاده أن النظام السوري ليس بحاجة للتورط مع عدو قادر كالجيش الإسرائيلي بينما يخوض أصلا معركة بقاء ضد المعارضة. وبكلمات أخرى فإن كل فعل إسرائيلي مهما كبر قد يمر من دون رد فعل مناسب إذا حافظت إسرائيل على نوع من الغموض تجاه هذا الفعل. أي لم تعلن رسميا تحملها مسؤولية تنفيذه ضد سوريا. وفي هذا السياق لا يغير من الأمر شيئا مسارعة سوريا لاتهام إسرائيل بالعدوان لأن هذا اتهام قائم أبدا ولا ينطوي على دلالات جديدة في واقع يزداد توترا.

ومع ذلك ظلت إسرائيل حتى آخر لحظة شديدة القلق خشية رد فعل سوري على الغارات التي هزت أركان العاصمة السورية بحجة استهداف شحنة صواريخ إيرانية لحزب الله. فالتقدير أن سوريا لن ترد هو مجرد تكهن في لعبة حسابات معقدة يؤخذ فيها بالحسبان، ولو باحتمالات ضئيلة، أن يقرر النظام السوري الرد ولو بشكل مدروس ومحدود. ومن المؤكد أن سوريا فقدت الكثير من قدراتها بفعل الحرب الأهلية الدائرة لكن ذلك لا يعني فقدانها كل هذه القدرات خصوصا تلك المنظومة الاستراتيجية من الصواريخ أرض - أرض المتوسطة والبعيدة المدى. وكثيرا ما قضت المنظومة الصاروخية السورية مضاجع القادة الإسرائيليين لإدراكهم أنها كانت ركيزة سياسة «التوازن الاستراتيجي» التي اعتمدها النظام السوري بعد اتفاقيات كامب ديفيد.

وهذا ما حذر منه رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية الأسبق، أوري ساغي عندما أشار إلى الخطوط الحمر التي لا ينبغي لإسرائيل تجاوزها مع النظام السوري حتى لا يضطر للرد «بصواريخ مثلا على تل أبيب». والحقيقة أن العدوان الإسرائيلي على سوريا يعبر عن توجه يحتمل وجهين أحدهما أشارت له «هآرتس» باعتباره استمرارا لسياسة قائمة والثاني أشارت له «يديعوت» باعتباره استعدادا لحرب استنزاف جديدة.

وكتبت «هآرتس» أن السياسة الاسرائيلية تقوم على مستوى عملي لتلبية حاجة أمنية ومستوى يحاول عدم جذب انتباه أكبر مما ينبغي. وقالت «إذا كانت عقيدة القتال الاميركية في العقد الماضي وصفت بانها «اضرب وأخف»، فان النهج الاسرائيلي هو «اضرب واسكت». وأوضحت أن البعد الثاني في السياسة العملياتية الإسرائيلية هو التنسيق مع واشنطن.

أما المعلق العسكري لـ«يديعوت» أليكس فيشمان فلاحظ أن الغارات نقلت المنطقة إلى وضع أمني استراتيجي جديد. فالغارات لم تكن فعلا عسكريا محدودا وإنما كانت «خطوة ظاهرة صارخة موجهة ضد مصالح الايرانيين وحلفائهم في المنطقة». وأشار إلى أن «رجال أمن مختلفين كانوا يفكرون منذ بضعة أشهر بأن الفوضى في سوريا أحدثت فرصة لمرة واحدة للتخلص من ترسانة سلاحها الاشكالية من غير ان يدفعوا ثمن ذلك حربا شاملة». وخلص إلى أن هناك في إسرائيل من قدر أن المجازفة مجزية وأن ما ستدفعه إسرائيل هو «حرب استنزاف صغيرة جدا» ربما «باطلاق مدافع في الجولان أو بعملية ارهابية كبيرة، أو ربما ببضعة صواريخ تسقط في مركز البلاد. لكن سيكون في مقابل ذلك هنا هدوء نفسي بضع سنوات طيبة. وليس هذا تصورا مقبولا لكن من المؤكد انه يمكن تنقيته وان تستخرج منه بين الحين والآخر فصول ما للتطبيق».