خبر التشريعات في غزة وغياب المشاركة المجتمعية.. د.عدنان الحجار

الساعة 11:49 ص|11 مايو 2013

د.عدنان الحجار

مختص في السياسات التشريعية

إن السياسة عموماً وبالمعنى الإجرائي، هي عملية اتخاذ القرارات التي تتضمن المفاضلة بين البدائل المتاحة والممكنة على ضوء أولويات الجماعة ومصالح المجتمع.

والسياسة التشريعية هي الفلسفة التي تحكم عملية التشريع بداية من اتخاذ قرار التصدي لموضوع أو قضية عن طريق التشريع أصلاً، ومروراً بتحليل الموضوع وتحديد أولويات المجتمع بشأنها وقدراتها ومصالحه إزائها، ثم ترجمة مبادئ السياسة إلى نصوص قانونية وإصدارها بالطرق المقررة.

إن السياسة التشريعية تتأثر بالمعطيات السياسية القائمة فيكون هناك منهج تشريعي يختلف من نظام لآخر ويتأثر بدرجة كونه نظاماً سلطوياً أو نظاماً ديمقراطياً، فالسياسة التشريعية في النظام السلطوي لا تتيح دوراً كبيراً للمجالس النيابية وإنما يكون الدور الأكبر للسلطة التنفيذية، وفي بعض الحالات تكون السلطة التنفيذية الحاكمة هي سلطة الحزب الواحد أو الوحيد، وبالتالي يكون لدينا برلماناً تابعاً لتلك السلطة، وهو ما يمثل الوضع في قطاع غزة بعد الانقسام، حيث واصلت الحكومة المقالة في غزة أعمالها كسلطة تنفيذية، مع إجراء تعديلات عليها تضمن وجود كافة الوزراء من حركة حماس أو مؤيديها، وقامت كتلة التغيير والإصلاح في المجلس التشريعي التابعة لحركة حماس بإقرار تشريعات عديدة وإصدارها ونشرها في الجريدة الرسمية في قطاع غزة، وفي مثل هذا الوضع يكون دور هذا البرلمان ( كتلة التغيير والإصلاح ) مجرد عملية تشريع لتصرفات السلطة التنفيذية، أي إدخال ما تراه مناسباً في إطار قانوني. أما في ظل الأنظمة الديمقراطية ووجود تعددية سياسية وأحزاب سياسية مستقلة ومنظمات مدنية مستقرة وفاعلة فإن السياسة التشريعية تكون محصلة لتفاعل هذه الأطراف الاجتماعية والقوى السياسية على نحو ما، قد تزداد فيه كفة طرف معين على أخرى ولكنها جميعاً تبقى في دائرة التأثير.

إن صدور العديد القوانين عن كتلة التغيير والإصلاح في ظل الانقسام الموجود أصلا في المجلس التشريعي الفلسطيني نفسه، وعجزه عن حل مشاكله الداخلية، يثير حالة من الاستغراب والتساؤلات حول الدوافع وراء ذلك، خاصة أن هذه التشريعات تصدر دون إشراك فئات المجتمع المعنية ودون إشراك مؤسسات المجتمع المدني المختلفة، وهي تشريعات تمس صلب المجتمع ومقوماته وهنا الحديث مثلا عن القانون المدني، قانون الإيجارات، وقانون الشباب الفلسطيني، وتعديل قانون الإجراءات الجزائية، وقانون الشركات، وقانون التعليم، وأخيرا وليس بآخر قانون العقوبات.

إن سن هكذا تشريعات يتطلب إشراك الجميع في نقاشاتها وبحث أهميتها وضرورتها هذا على الرغم من أن كتلة التغيير والإصلاح في المجلس التشريعي تعتبر أكبر كتلة برلمانية فيه، وبإمكانها أن تمرر القوانين دون حاجة إلى أصوات أعضاء الكتل البرلمانية الأخرى، لكن فلسفة العمل التشريعي وفكرة تداول السلطة ووجود الرقابة الشعبية من خلال اللجوء إلى صناديق الانتخابات تجبر السلطة التشريعية على اللجوء إلى المواطن ومؤسساته المدنية لإشراكه في صنع التشريع، لاسيما أن الدول الناضجة والأحزاب السياسية الواعية، وذات المعرفة السياسية تصر على إشراك المهتمين والخبراء ومؤسسات المجتمع المدني في اتخاذ القرار بشأن تلك التشريعات، استجابة لمبدأ استقرار التشريع وحسن تطبيقه، إذ أنه على التشريع أن يتسم بإمكان التنبؤ به والاستقرار عند تطبيقه، وعدم وجود الاحتمال أن ينتج عنه عواقب غير متوقعة أو غير مرغوبة.

فالتشريع الجيد هو الذي ينظم ظاهرة اجتماعية مستمرة، فالتشريع أداة لتنظيم الظواهر الاجتماعية الدائمة وحكمها وليس لمعالجة الظواهر الطارئة خاصة إذا كانت هناك وسائل أخرى اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية أو تربوية أو إعلامية متاحة لمعالجة الظاهرة.

إن الشعور بالتخوف تجاه عملية سن التشريعات- سواء في قطاع غزة عبر كتلة التغيير والإصلاح أو في الضفة الغربية عبر قرارات بقانون في غير حالة الضرورة تصدر عن الرئيس- منتشر بصورة واسعة داخل المجتمع الفلسطيني وهو في كثير من الأحيان مبرر.

إن التشريع الناجح يجب أن يكون عملياً من الناحية التطبيقية، ويتسم بالفاعلية اللازمة لإدارته وتنفيذه باقتدار، لذلك لابد أن ينسجم مع أرض الواقع الذي يعيش فيه، وبحيث يتسم بالواقعية، وهنا من المفيد الإشارة هنا إلى أن بعض التشريعات التي صدرت لم يتم تفعيلها والاستناد إليها، وبقيت بحاجة إما إلى لوائح وأنظمة -لن تصدر لصعوبة تطبيقها-، وإما إلى واقع مهيأ تطبق فيه وهو غير موجود أصلا.

أما الفاعلية التشريعية فهي تفترض اقتناع أفراد المجتمع بأن تطبيق التشريع شرط لازم لحسن سير حياتهم الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، وضبط علاقاتهم، وهذا لا يتحقق للتشريع إلا إذا ضمن عنصر المشاركة وحكم القانون، وبعبارة أخرى فإن البرلمانات المنوطة بها أساساً سلطة التشريع ستصبح مؤسسات هشة وبدون وزن اجتماعي إذا كان الغرض من تشريعاتها تحقيق الوجود التشريعي، فقط لأن هذا سيعبر عن ثمة انفصال بين البرلمان كمؤسسة والمجتمع الذي يمثله البرلمان، في حين أن البرلمانات إذا حققت من تشريعاتها غرض الفعالية التشريعية فيمكن وصفها بأنها برلمانات صالحة ذات تشريعات جيدة لأن هناك اتصال بين البرلمان والمجتمع.

والأمر الأكثر إلحاحا هو أن يكون التشريع سليماً من الناحية القانونية، ومتوافقا مع القانون الأساسي الذي يمثل الدستور، والقوانين المنظمة للتشريع، وهذا يعني أن يكون التشريع متبعاً للإجراءات الخاصة بسن القانون وفقاً لما يتضمنه النظام الخاص بذلك، وأن يتم الالتزام بالضوابط الشكلية للعملية التشريعية، وكذلك الضوابط الموضوعية المتمثلة بالمحددات المتوقعة بالمضمون الذي يجب أن تسير فيه العملية التشريعية، حيث تتمثل هذه الضوابط في احترام المبادئ الواردة في الدستور

نظراً لسموه وعلو مكانته في الهرم القانوني للدولة، وهو ما لا يتم احترامه في القوانين الصادرة في كل من غزة والضفة.

 

ـ