خبر هل تخبو قوة الولايات المتحدة حقا؟ ..اسرائيل اليوم

الساعة 08:30 ص|10 مايو 2013

بقلم: دوري غولد

        (المضمون: لا يجوز للادارة الاسرائيلية ان تُسلم أمنها الى غيرها كالولايات المتحدة مثلا التي أخذت تصبح أقل اهتماما بما يجري في الشرق الاوسط - المصدر).

        هناك سؤال يُثار في اماكن مختلفة في العالم يتعلق بمكانة الولايات المتحدة، بسبب امتناعها عن ان تعمل على مواجهة الفظاعة المستمرة في سوريا. ويزداد هذا السؤال قوة بازاء التقارير المحتشدة عن استعمال نظام الاسد لسلاح كيميائي على مدنيين أبرياء.

        لكن التساؤلات لا تُطلق في فضاء فارغ. في السنوات الخمس الاخيرة كان يجري في الغرب جدل عاصف في سؤال هل مكانة الولايات المتحدة باعتبارها القوة العظمى هي في خفوت. وتناول جزء من التحليل الجانب الاقتصادي. يزعم اكاديميون كثيرون في الولايات المتحدة ان عصر الهيمنة الغربية يبلغ نهايته مع تصاعد القوة الاقتصادية للصين والبرازيل والهند وروسيا.

        وفي نفس الوقت يوجد محللون يحصرون العناية في الجانب العسكري للقوة الامريكية ويأسون لانخفاض عدد السفن الحربية في سلاح البحرية الامريكي في الخمسين سنة الاخيرة من 1000 سفينة تقريبا الى 270 سفينة بل ربما الى أقل من ذلك. وفي متابعة لذلك، اعترف رئيس الهيئات المشتركة في نهاية نيسان 2013، الجنرال مارتن دامبسي بأنه ليس للاسطول الامريكي حاملات طائرات في البحر المتوسط.

        ينبع هذا التوجه المتشائم في النظر الى مكانة الولايات المتحدة في جزء منه من وثائق امريكية رسمية مثل "غلوبال ترينز 2030" أعدتها الاستخبارات الامريكية. بل افتتحت المجلة الامريكية الفخمة الشأن "فورين بوليسي" زاوية جديدة في ايلول 2011 سُميت "ديكلاين ووتش"، تريد ان تتابع الفرض الرائج الجديد الذي يقول إن الولايات المتحدة تتهاوى في حين تصعد الصين ودول اخرى بصفة قوى من القوى العظمى الجديدة.

        ويثير جانب مختلف من النقاش المتعلق بخفوت الولايات المتحدة سؤال هل أصبحت الولايات المتحدة أضعف من جهة موضوعية أم الحديث عن سياسة توحي بالضعف. إن واحدا من أهم الكتب التي نشرت هذه السنة في هذا الشأن حظي بعنوان "أمة زائدة (لا حاجة اليها: السياسة الخارجية الامريكية في تراجع)". وقد كتب الكتاب البروفيسور والي ناصر عميد معهد دراسات العلاقات الدولية المتقدمة في جامعة جونس هوبكنز الذي تولى عملا مدة سنتين في ادارة اوباما حيث اختص في الأساس بشأن افغانستان وباكستان لكنه اطلع ايضا على المباحثات الداخلية المتعلقة بايران والشرق الاوسط. ويصف كتاب ناصر امريكا التي تعبت وفقدت الباعث على ان تكون زعيمة عالمية. ولا يتناول ادعاء ناصر على ادارة اوباما حجم القوات المسلحة بل مبلغ الحكمة السياسية لقادتها.

        ويُبين كيف أيدت الادارة تعيين نوري المالكي رئيسا لوزراء العراق برغم كونه زعيما شيعيا تلقى تأييدا خطيا لترشحه من القائد الأعلى الايراني آية الله علي خامنئي في كانون الاول 2010. ولهذا لم يكن يجب ان نتفاجأ بمعارضة المالكي لاستمرار الوجود العسكري الامريكي.

        ويُعلم تحليل ناصر الكثير ايضا عن المسيرة السياسية. فهو يُبين كيف اخطأ اوباما في فهم العالم العربي في اثناء ولايته الاولى: "ضغط عليه زعماء عرب نحو الخارج في شأن فلسطين، لكن كل ما أرادوا الحديث عنه  وراء الأبواب المغلقة هو إضعاف ايران".

        ويضيف ناصر ويتحدث عن أول لقاء لاوباما وعبد الله ملك العربية السعودية في حزيران 2009 بشأن التهديد الايراني: "أراد الملك ان تحل الولايات المتحدة المشكلة الايرانية لا الفلسطينية..."، وعارض الملك عبد الله الى ذلك عقد صلة دبلوماسية بين الموضوع الايراني والمسألة الفلسطينية: "كان الملك ونتنياهو متفقين على هذه النقطة". ليس ناصر صقرا في كل ما يتعلق بايران. فقد أمل ان يساعد الحوار الامريكي مع طهران، واشنطن على مشكلة افغانستان التي فُوضت اليه. ويستطيع لأنه اطلع على الشأن الايراني ان يُشرك قراءه في جزء من مجرى التفكير في داخل ادارة اوباما، ويُبين أنه حينما بلغ النقاش الى ايران فضل اوباما "كل وسائل الضغط الممكنة ما عدا اعلان حرب".

        وعلى حسب ما يقول ناصر افترض اوباما "أنه يمكن مواجهة المشكلة الايرانية بغير استعمال عملية عسكرية". لكنه يُحذر من ان صورة تفكير اوباما بشأن ايران كانت مختلة: فطهران قد تتجاوز السقف الذري وتُعرض الولايات المتحدة لاختيار بين الخروج للحرب أو احتواء ايران الذرية، وهذه نتيجة مُذلة للولايات المتحدة.

        وفي اثناء ذلك كما يُبين تصبح ايران أكثر خطرا. قضى خط الرئيس بوش الاحمر بمنع ايران من تخصيب اليورانيوم من أي نوع. وغير اوباما الخط الاحمر الامريكي ليصبح منع انتاج السلاح الذري. ويُحذر ناصر من ان هذا الخط الاحمر الجديد ايضا يوشك أن يُتجاوز.

        لكن ما هو الاستنتاج الذي يستنتجه البروفيسور ناصر من هذه الوقائع في النقاش الذي يجري بين جدران الاكاديميا في مسألة خفوت قوة الولايات المتحدة؟ يقول انه ينبغي صوغ هذا السؤال من جديد ليكون: لماذا أخذ تأثير الولايات المتحدة يقل برغم قوتها العظيمة وقدرتها الكامنة الكبيرة؟ وهو ينسب هذا التغيير الى اختيار واشنطن ان تكون أقل مشاركة في الساحة الدولية بالنكوص عن كثير من الصراعات القائمة في العالم ولا سيما في الشرق الاوسط.

        وبعبارة اخرى، وفي الواقع الذي تعمل فيه الولايات المتحدة اليوم، لا توجد قوى من القوى العظمى أو اساطيل بحرية يمكنها ان تكون منافسة حقيقية لقوة الولايات المتحدة العسكرية. وليس التأثير الامريكي الآخذ في التضاؤل هو نتاج انخفاض للقوة الامريكية. لكن الفكرة التي تقول ان الولايات المتحدة في خفوت قد تصبح نبوءة تحقق نفسها في تصور قادتها اذا بدأوا يقتنعون بأن الامر كذلك حقا. أي ان الولايات المتحدة ستصبح أضعف فقط اذا استقر رأيها على أنها خسرت القدرة على التأثير التي كانت لها في الماضي.

        تستطيع اسرائيل ان تستخلص درسا مهما من النقاش العام الامريكي الداخلي في شأن انخفاض قوة الولايات المتحدة وهو انه لا يجوز لمتخذي القرارات ان يهادنوا في التصور الامني التقليدي الذي يقضي بأنه يجب عليها ان تكون قادرة على حماية نفسها بقواها الذاتية.

        في وقت نسمع فيه بين فينة واخرى بوسطاء دوليين يعرضون على اسرائيل نشر قوات دولية في مناطق حيوية لأمنها كغور الاردن مثلا، لا يجوز لاسرائيل ان تغريها هذه العروض. إن صورة وقوف العالم وفيه الولايات المتحدة متنحيا في حين يُذبح الشعب السوري هي مصباح تحذير مما قد يحدث حينما تتكل أمة على المجتمع الدولي ليحافظ على أمنها ولا سيما في فترة تحولات كثيرة جدا.