خبر برهان مبدأ: لماذا يكون التفوق مهما؟ ..اسرائيل اليوم

الساعة 08:30 ص|10 مايو 2013

بقلم: اهارون لبيدوت

        (المضمون: لم يُحجم سلاح الجو الاسرائيلي عن الهجوم على أكثر المناطق حماية في العالم وهي المنطقة حول دمشق في مكان يحجم فيه الامريكيون عن العمل وكان الانجاز ضخما بسبب الفجوة التقنية الضخمة بين ما عند اسرائيل من قدرات وما عند سوريا من قدرات - المصدر).

        حضر غداءً احتفاليا تم في واشنطن قبل عشرة ايام أعدته صحيفة "كريستيان ساينس مونيتور" حضره رئيس اركان جيش الولايات المتحدة، الجنرال مارتن دامبسي، ضيف شرف. وكما هي العادة في مناسبات من هذا النوع، خطب دامبسي الخطبة المركزية وبيّن فيها للحضور أنه ينبغي التصرف في حذر شديد في كل ما يتعلق بتدخل امريكي محتمل في سوريا. والى حقيقة انه لا ضمان لأن يفضي التدخل العسكري الى النتيجة المرغوب فيها – وهي نهاية العنف والمصالحة بين الفصائل المتقاتلة وإقرار وضع سوريا – قال دامبسي للحضور انه توجد تلك المشكلة الصغيرة ايضا التي تسمى منظومة الدفاع الجوي السورية.

        وفي رده على طلب السناتور جون مكين واعضاء آخرين من مجلس النواب تحديد منطقة حظر طيران تشبه تلك التي حُددت في العراق وفي 2011 زمن الحرب الأهلية في ليبيا، قال دامبسي: "في سوريا خمسة أضعاف ما عرفناه في ليبيا من منظومات الدفاع الجوي المضادة للطائرات. وإن بعض هذه المنظومات هي من الطراز الاول، بفضل الروس. وتُركز كل هذه المنظومات الى ذلك في الثلث الغربي من الدولة، فهي لذلك منظومة كثيفة مُحكمة هي بمثابة تحدٍ جدي". وأضاف دامبسي أن "الغرب يستطيع أن يخرق هذه المنظومة لكن ذلك سيحتاج الى وقت كثير وموارد كبيرة".

        لم يُضلل الجنرال دامبسي الحاضرين. فعلى حسب جميع التقديرات الرائجة فان منظومة الصواريخ التي تحمي دمشق هي الأكثر كثافة وإحكاما في العالم. لكن الحبر كان لم يجف بعد في التقرير عن الوجبة المتحدث عنها حينما هزت دمشق هجمتان على أهداف نوعية كما اعتي دان يُقال – بحسب مصادر اجنبية، على قوافل ومخازن احتوت على صواريخ ارض – ارض ايرانية كانت متجهة الى حزب الله. وبرغم المنظومة الكثيفة من وسائل الدفاع الجوي، نجح المهاجمون في اصابة الأهداف المذكورة آنفا اصابة دقيقة والابتعاد عن هناك بلا اصابة.

        ونقول بالمناسبة إن ذلك الجنرال نفسه دامبسي قال في آب الاخير إن اسرائيل غير قادرة على ان توقف البرنامج الذري الايراني اذا هاجمته وحدها. "إن هذا الهجوم سيؤخر البرنامج"، قال رئيس الاركان الامريكي، "لكنه لن يوقفه. وفي هذه الحال سيستقر رأي اسرائيل على ان تهاجم عن رأيها الخاص ولا أريد ان أكون شريكا". وأضاف دامبسي فقال انه يقيم تقديره على ما يعرفه من قدرات اسرائيل العسكرية.

        على حسب تلك المصادر الاجنبية كان سلاح الجو الاسرائيلي هو الذي نفذ الهجمات في سوريا. وتعالوا نُساير هذا الافتراض دون ان نفحص عن خفاياه ولنحاول ان نفهم ماذا يقول هذا الامكان عن سلاح الجو الاسرائيلي وعن مكانه في ميدان القتال في الشرق الاوسط.

        ارض – جو

        قبل سنين كثيرة، وعلى أثر دروس حرب يوم الغفران، استقر رأي السوريين على قرار استراتيجي وهو توجيه معظم نفقتهم العسكرية الى الصواريخ لا الطائرات. في تلك الحرب وبرغم الخسائر الباهظة التي أصابت سلاح الجو الاسرائيلي في أيامها الاولى، نجح طيارو سلاح الجو الاسرائيلي في تنفيذ عملية وسمت الوعي السوري وسما عميقا.

        ففي اليوم الرابع من الحرب، ففي التاسع من تشرين الاول 1973، وقُبيل الظهر، خرجت تشكيلتان من طائرات الفانتوم كل واحدة فيها اربع طائرات من قاعدة تال نوف العسكرية وطارت غربا نحو البحر. وكان قائد الطلعة الجوية أرنون لبيدوت نائب قائد الوحدة الجوية "الخفاش" (119). وقبالة سواحل لبنان اتجهت الطائرات شرقا نحو الحدود السورية. واضطرت احدى الطائرات الى العودة بسبب عطل تقني وكان الجو غائما جدا. وبرغم ذلك استقر رأي قائد الطلعة الجوية على متابعة العملية (وكان قرارا نال عنه بعد ذلك وسام تقدير)، واتجهت الطائرات السبع الى دمشق.

        كان هدف الهجوم طموحا جدا وهو مقر القيادة السوري العام ومقر قيادة سلاح الجو السوري اللذان كانا يقعان متجاورين في قلب دمشق. ونجحت العملية فوق المتوقع وأصيب المبنيان اصابة شديدة. واضطر السوريون الى نقل مقري القيادة الى مكان آخر. ونقول بالمناسبة انه كان يوجد في قبو مقر قيادة سلاح الجو السوري وقت الهجوم خمسة طيارين اسرائيليين أسرى محتجزين، لكن القصف أصاب الطبقات العليا من المبنى فقط، وتحدث الأسرى بعد عودتهم الى البلاد عن ان السوريين كانوا على ثقة بأن اسرائيل تعرف بالضبط في أي طبقة كانوا محتجزين ولهذا لم تُصبها بأذى.

        كان للعملية آثار تكتيكية كثيرة على القتال بعد ذلك لكن أساس الرسالة كان استراتيجيا وهو ان سلاح الجو يستطيع الوصول الى كل مكان وان مواجهته – في الجو خاصة – لا أمل منها. وعادت هذه النظرية وثبتت في حرب لبنان الاولى في 1982 حينما خسر سلاح الجو السوري 87 طائرة ولم يخسر سلاح الجو الاسرائيلي طائرة واحدة.

        وتم تعزيز الرسالة الاستراتيجية بتصميم اسرائيل على امتلاك تفوق تقني على جاراتها. "تستعمل اسرائيل منذ ستينيات القرن الماضي أفضل طائرة حربية في العالم (وهذا صحيح في كل وقت)"، قال في المدة الاخيرة عنصر رفيع المستوى في سلاح الجو. هكذا كانت الحال مع طائرة الميراج والفانتوم والـ اف15 والـ اف 16، وهكذا ستكون مع طائرة سلاح الجو القادمة وهي الشبح اف 35 التي ستسمى عندنا "أدير" (عظيم).

        بازاء تسلح اسرائيل بطائرات يُترجم الوعي الاستراتيجي السوري الى قرار التسلح بصواريخ. واذا تجاوزنا الاستثمار في محاربي منظومة الدفاع الجوي – الذين يُختارون في سوريا من النخبة في كل دورة (كما نفعل نحن هنا بالضبط في دورات الطيران)، فقد أنفق نظام الاسد في السنين الاخيرة 2.3 مليارات دولار على شراء أفضل الانتاج الروسي من صواريخ ارض – جو. والحديث عن صواريخ "اس.إي17" التي هي متقدمة ودقيقة وبعيدة المدى ويفترض ان تحد من قدرة سلاح الجو الاسرائيلي على المداورة فوق سوريا وفوق لبنان ايضا اذا امتلكها حزب الله.

        نفقة مجدية

        في كانون الثاني من هذا العام هاجم رئيس الوزراء السابق السيد اهود اولمرت نفقات الأمن، وقد سبق ذلك النقاش العام العاصف حول امكانية ان تهاجم اسرائيل ايران. وقال إن الدولة أنفقت في السنوات الاخيرة أكثر من 11 مليار شيكل بطلب من جهاز الأمن. وعرّف اولمرت هذا المبلغ الذي لا يُستهان به بأنه نفقة من اجل "هذيانات مغامرة لم تنفذ ولن تنفذ كما اؤمن" مشيرا اشارة خفية كما يبدو الى أن الهجوم على ايران لن يُنفذ.

        لنفترض ان المبلغ دقيق. ولنفترض ان الهجوم على ايران لن يُنفذ. لكنه يتضح الى الآن في ضوء عمليات سلاح الجو والجيش الاسرائيلي في الفترة الاخيرة ان وزارة الدفاع كما يبدو اشترت بمبلغ 11 مليار شيكل بالضبط ما تحتاج اليه اسرائيل لأمنها القومي. ويغطي هذا المبلغ زيادة الجيش الاسرائيلي قوته بالقدرات وبمنظومات من الطراز الاول، وفي جبهة التكنولوجيا ولا سيما في مجالات البحر والجو والحماية من الصواريخ. وقد حصلنا على أدلة واضحة على جدوى منظومة القبة الحديدية في عملية "عمود السحاب" فهذه المنظومة تمنح متخذي القرارات مجال تنفس ليزنوا الاجراءات التالية بتقدير جيد للامور وكي لا ينجروا الى قرارات عاجلة، هذا الى حماية الجبهة الداخلية الاسرائيلية المباشرة.

        ينبغي ان نأمل ان يكون المبلغ المتحدث عنه وهو 11 مليارا قد شمل امكانية تعجيل تطوير منظومة "الصولجان السحري" و"حيتس 3" اللتين ستمنحان الجبهة الداخلية أفضل حماية. ويشتمل هذا المبلغ، الى هاتين المنظومتين الدفاعيتين على تطوير منظومات هجومية واستخبارية مختلفة مثل طائرات شبح متقدمة من طراز اف 35 ومنظومات سلاح دقيقة وبعيدة المدى من أنواع مختلفة و"وسائل خاصة" يحسن السكوت عنها.

        والى ذلك سيتم تطوير منظومات استخبارية ومنظومات سيطرة ورقابة في مستوى استراتيجي منها طائرات بلا طيارين وطائرات صغيرة بلا طيارين ووسائل طيران بلا طيارين يُبذل في تطويرها جهد ضخم يجعل اسرائيل الرائدة في العالم في هذا المجال. "ستكون الطائرات بلا طيارين في المستقبل ثلثي قوتنا الجوية"، كما يُقدر عنصر عملياتي في سلاح الجو. وتوجد على الطاولة ايضا حرب السايبر الحديثة واستعمال الاقمار الصناعية. وبُشرنا قبل وقت قصير ايضا بأن غواصة سادسة من طراز دولفين تم شراؤها من المانيا مقابل نصف مليار يورو.

        ونقول بالمناسبة ان اولمرت دعا شراء هذه الغواصات "إسرافا قبيحا ليست له أية صلة بأمن اسرائيل". وهذا عجيب شيئا ما لأنه قبل سنين قليلة فقط في 2006 حينما كان رئيسا للوزراء، أجاز اولمرت شراء غواصتين من هذا الطراز بالضبط بكلفة مشابهة: وهي مليار يورو عن الاثنتين.

        عند الامريكيين مقولة هي: "ضع مالك حيث يوجد فمك" أي قِف من وراء كلامك وأثبت الجدية. إن انفاق 11 مليار شيكل على منظومات استراتيجية هو برهان على جدية قاطعة وهي مقنعة جدا لحليفات اسرائيل لتزيد جهود اقناع ايران كي تكف عن برنامجها الذري وهي في مقابل ذلك تضيف ردعا ضخما لايران نفسها ولأعداء آخرين في المنطقة مثل حزب الله وحماس وسوريا.

        فجوة تقنية ضخمة

        والخلاصة هي ان اسرائيل فتحت فجوة تقنية ضخمة بحسب كل مقياس اذا قيست بجاراتها. إن النفقة الضخمة من المال والقدرة التقنية المبرهن عليها في الهاي تيك والصناعة الامنية المتقدمة جدا التي نشأت هنا جعلت اسرائيل تنطلق الى الأمام، ومن جهة اقتصادية ايضا بالمناسبة: فالعالم يشتري من اسرائيل منظومات أمنية بمليارات كثيرة، وإن جهات مثل الصناعة الجوية وألبت ورفائيل هي مصادر موثوقة مرغوب فيها جدا للشراء منها.

        "إن اضطرار الجيش الاسرائيلي ولا سيما سلاح الجو الى التسلح بمنظومات متقدمة"، قال عنصر في الصناعة الامنية، "جعلنا ننتج هنا في اسرائيل تقنية لن يبيعنا إياها حتى أفضل اصدقائنا". وتقنع هذه القدرة الولايات المتحدة مثلا بأن تعرض علينا منظومات سلاح متقدمة لا تُعرض على أية دولة اخرى في العالم مهما تكن صديقة مثل المروحية – الطائرة "في22".

        "إن لاسرائيل اليوم قدرة على ان تضرب آلاف الأهداف كل يوم"، قال عنصر رفيع المستوى في سلاح الجو. "والتأليف بين المعلومات الاستخبارية وقوة النيران يمنحنا قدرة لا تكاد تتصور". إن ما فعلته في الماضي 120 طائرة تستطيع ان تفعله اليوم 10 – 20 طائرة فقط. وقد حصلنا على مُبشرات بقدرة اسرائيل التقنية المطورة قبل سنين حينما طارت طائرات سلاح الجو الاسرائيلي في 2006 فوق قصر بشار الاسد كما نشر من قبل، وفي أيلول 2007 حينما تم تدمير المنشأة الذرية السورية – الكورية الشمالية في دير الزور.

        أثبتت الأحداث الاخيرة ان هذا التفوق التقني ليس نظريا وأن له وجها عمليا جدا ايضا. وسنحتاج مرة اخرى الى مصادر اجنبية كي نُذكر بالهجوم على مصنع انتاج وسائل القتال في الخرطوم وعلى قافلة السلاح في السودان في ايلول – تشرين الاول من السنة الماضية؛ وبالهجوم على قافلة السلاح (الذي اعترفت به اسرائيل بغمزة) في جمراية قرب دمشق في الـ 31 من كانون الثاني من هذا العام. وكانت في هذه القافلة بحسب التقارير صواريخ ارض – جو متقدمة من طراز إس.إي17. وينبغي ان نُذكر بالطبع بالهجمتين في الاسبوع الاخير في الثالث والخامس من أيار. كانت هاتان الهجمتان ترميان بحسب تقارير من مصادر اجنبية الى وقف شحنات مرسلة من صواريخ ارض – ارض من طراز فاتح 110 الى حزب الله والى اصابة مخازن سلاح وذخيرة يملكها الحرس الثوري الايراني على الارض السورية.

        نُفذ الهجوم الاخير على حسب التقديرات بتقنية تُعرف باسم "صوِّب" وبالانجليزية – ستاند أوف، أي الهجوم من بعيد. إن صورة الهجوم هذه تُمكّن من القاء ذخيرة ذكية مثل صاروخ بوباي من انتاج رفائيل في حين لا تكون الطائرة تطير فوق الهدف بل تطلقه من بعيد ويقطع طريقه الى الهدف بصورة مستقلة. وهكذا يمكن طائرات سلاح الجو ان تخترق "أفضل دفاع جوي في العالم" حول حوض دمشق وتعود الى قواعدها بسلام.

        وقعت ثلاث هجمات في سوريا في ثلاثة اشهر اثنتان منها في يومين وليس هذا أمرا يُستهان به. وهي هجمات ناجحة ودقيقة وبلا مصابين منا (مع فرض ان المصادر الاجنبية صادقة وان سلاح الجو الاسرائيلي هو الذي نفذ الهجمات). وفي القِدر التي تغلي، أعني الشرق الاوسط، حيث ترتجف الارض حولنا في كل دولة، فان حقيقة ان سلاح الجو يوجد في المكان الذي يوجد فيه هي انجاز غير سيء.

        تتحدث التقديرات في جهاز الامن في الحقيقة عن ان الجبهة الداخلية ستتلقى النيران في حال حرب – مع دولة أو مع منظمة ارهابية. لكن الاستعمال المرن لسلاح الجو وقوة النيران الضخمة سيحسمان المعركة وفي وقت قصير.