خبر لا توافق في القيادة العليا ... يديعوت

الساعة 08:57 ص|03 مايو 2013

لا توافق في القيادة العليا ... يديعوت

بقلم: اليكس فيشمان

(المضمون: إن الحيرة الامريكية بازاء ما تفعله امريكا حيال استعمال الجيش السوري للسلاح الكيميائي على المتمردين تثير جدلا قويا بين متخذي القرارات في اسرائيل. إن المستوى السياسي الاسرائيلي يفضل أن تشغل الولايات المتحدة نفسها بايران لا بسوريا - المصدر).

أراد العميد إيتي بارون في الحاصل العام ان يُقدم محاضرة تثير الاهتمام مع أمثلة ملونة وأن يعود الى بيته بسلام. وتهرب المستوى السياسي – لم يشأ رئيس الوزراء ووزير الدفاع أن يحضرا ذلك المؤتمر لمعهد بحوث الامن القومي – وأجاز للمستوى المختص، ولرئيس هيئة الاركان ورئيس قسم البحث في "أمان" أن يحضرا بدلا منه كي يُحدثا من جاؤوا الى المؤتمر عن سياسة الأمن القومي. صفع رئيس هيئة الاركان اذا الروس علنا لأنهم يساعدون نظام الاسد لسبب ما. ويعرف غانتس بالضبط لماذا يفعلون ذلك لكن لم يُفوض اليه "السلامة السياسية"، فما الذي يهمه في ان يعيب تقدير الرئيس الروسي للامور. وأما بارون فورط نفسه بوصف فظاعات السلاح الكيميائي في سوريا. ولم يقصد ذلك لكنه في اللحظة التي مس بها بقعة عفنة، انتشر العفن كله الى الخارج. وهكذا عرفنا أنه توجد عدة مشكلات كيمياء (توافق) لا في سوريا فقط. أولا وقبل كل شيء لا يوجد توافق في داخل أجهزة الحكم في كل ما يتعلق بالقضية السورية. فالحديث عن تصورات عامة مختلفة  تشمل كل المكاتب الحكومية وكل المختصين ذوي الصلة في الجهاز العسكري وفي الجهاز المدني ايضا. وتكون نتيجة ذلك سياسة مبلبلة وخطيرة على نفسها والاسوأ أنها تثرثر. ولما لم توجد الى الآن شخصية أمنية مهيمنة واحدة – تتفق مع رئيس الوزراء على المواقف – فان كل واحد يتظاهر بأنه وزير الدفاع ويوجه ويُصرح بما يحلو له.

يقوم وراء كل الكلام تصوران عامان أساسيان يناقض بعضهما بعضا، في مسألة كيف تجب معاملة النظام السوري بسبب استعمال السلاح الكيميائي في الحرب الأهلية. وليست نقطة الانطلاق لهذا الجدل هي عذابات النظام السوري بل ولا عذاب المواطن السوري، بل كيف سيؤثر تدخل خارجي في سوريا في علاج القضية الذرية الايرانية. وقد أثار بارون غضب اولئك – وبخاصة في ديوان رئيس الوزراء لكن وفي وزارة الدفاع ايضا – الذين يزعمون أنه اذا دخل الامريكيون سوريا لوقف استعمال السلاح الكيميائي فان اسرائيل تستطيع ان تنسى تدخلا امريكيا في ايران في المستقبل. لأن الادارة الامريكية لن تعالج دولتين مسلمتين على التوازي. ويقولون إن سوريا هي بئر لا قعر لها. واذا جُذب الامريكيون الى الصراع فيها فلن تبقى لهم أيدٍ فارغة لايران. قد لا يكون لذيذا ألا يحرص الرئيس الامريكي على "الخطوط الحمراء" في سوريا، لكن هذا غير حاسم بالنسبة لدولة اسرائيل لأن القضية الايرانية أهم عندنا.

والى ذلك حينما أبرز بارون بحذلقته اللغوية حقيقة ان الرئيس الامريكي لم يفِ بالتزامات، خرق – دون ان يعلم ذلك – تفاهمات صامتة كانت بين ديوان رئيس الوزراء ومكتب الرئيس اوباما على عدم الاشتغال بهذا الموضوع علنا. وتبين أن رئيس الولايات المتحدة جُر ببساطة حين أعلن في اثناء زيارته لاسرائيل بأن استعمال السلاح الكيميائي في سوريا سيغير قواعد اللعب. فقد اعتقد ان هذا ما يريد الاسرائيليون سماعه، وتبين بعد ذلك ان اوباما اخطأ حينما رسم خطا احمر في سوريا، ومساعدوه يفهمون هذا. ولما كان هذا الخط الاحمر يناقض المصلحة الاسرائيلية فقد حدث تفاهم بين الدولتين على عدم اثارة الامر وهذا بالمناسبة هو السبب الذي يجعل اوباما حذرا جدا في رسم خط احمر للايرانيين.

من الواضح لاسرائيل كالشمس ان الرئيس الامريكي لا يريد ان يهاجم – ولن يهاجم ايضا – سوريا. وكل محاولة لدفعه الى هناك ستستدعي الحقد على اسرائيل فقط. وحينها جاء العميد بارون وفجر بمحاضرة غير مهمة هذه التفاهمات الصامتة. فحينما أشار بارون الى اجتياز الخط الاحمر في سوريا لم يعمل في مصلحة المتمردين في سوريا الذين يريدون تدخلا امريكيا أعمق لاسقاط الاسد فقط بل قدّم سلاحا للجمهوريين في الولايات المتحدة للهجوم على الرئيس. وقد صبت اسرائيل أطنانا من العرق والكلام كي تحاول إقناع حاشية اوباما بأن لا أحد في المستوى السياسي في اسرائيل أرسل بارون متعمدا كي يورط الرئيس.

في مقابل هذا التصور العام الذي يعرضه الساسة في الأساس، يوجد تصور آخر لمسؤولين كبار في جهاز الامن يقول إن نظر العالم كله يتطلع الى رئيس الولايات المتحدة. وفي اللحظة التي يحدد فيها خطا احمر في سوريا ولا يلتزم به سندفع جميعا الثمن لأنه لا أحد سينظر آنئذ للتهديدات الامريكية بجدية. والدليل أمام أعيننا: فمنذ التزم اوباما بألا يدع ايران تتوصل الى السلاح الذري، زاد الايرانيون فقط الايقاع فهم ببساطة لا يحسبون له حسابا.

عرض العميد إيتي بارون باعتباره مختصا كان على يقين بأنه يعرض حقائق معروفة غير سرية، عرض في ذلك المؤتمر المعلن شهادات سافرة على استعمال السوريين لسلاح كيميائي على المدنيين. وكان على يقين من ان الحديث عن أمر فني متفق عليه وكان على حق. ان جهات استخبارية تشتغل بمتابعة ما يجري في سوريا – البريطانية والفرنسية والامريكية والاسرائيلية ايضا كما يبدو – على يقين تام مطلق من أن السوريين استعملوا غاز الاعصاب السارين في واقعتين على الأقل. ولم تحظ هاتان الواقعتان بصدى دولي شامل لأنه لم تشاهد هناك صور تشبه المذبحة التي نفذها قريب صدام حسين علي الكيماوي في مطلع ثمانينيات القرن الماضي حينما سمم بغاز الخردل بلدة حلبجة الكردية. فلم تُصور في سوريا مئات الجثث المنتفخة لاولاد ونساء مسممين. وجاءت من هناك صور لناس أصيبوا بمادة كيميائية ما سببت في الأساس تشويشات رؤية وانصباب لعاب زائدا وصعوبات تنفس. وكان أحد تفسيرات ذلك أن القنابل الكيميائية التي أطلقت في الواقعتين لم تُطلق كما يبدو على سكان مدنيين بل على موقع قتال ما وهكذا كانت الاصابات في الهامش. فلو أن المسؤولين عن الاسلحة الكيميائية في الجيش السوري الذين يملكون قذائف كيميائية أطلقوها على مناطق مأهولة لكانت الصورة فظيعة.

من أصدر الأمر؟

إن الشهادات هي شهادات، حتى إن رئيس الولايات المتحدة ووزير دفاعه لا يستطيعان إنكار قول رجال الاستخبارات حينما يعرضون أدلة على استعمال سلاح كيميائي في سوريا. لكنهما يستطيعان ايضا أن يوزعا درجات صِدق. فحينما ينقل أطباء متصلون بالمتمردين في سوريا الى عملاء بريطانيين عينات دم أُخذت من مواطنين سوريين أُصيبوا بسلاح كيميائي، يمكن الزعم دائما أن هذا الدم مزور. وحينما يؤتى بعينات من التراب وفيها بقايا السارين، يمكن التساؤل هل جاءت البقايا الى هناك باطلاق قذائف أم بسبب نشاط آخر في تلك المنطقة. ويجوز للساسة ان يشكوا في حقائق وألا يُصدقوا أنه نُفذ اطلاق قذائف حتى لو أسمعوهم بث أوامر هذا الاطلاق.

حينما قال رئيس الموساد السابق، مئير دغان، هذا الاسبوع في مؤتمر في الولايات المتحدة إن الاسد ربما لم يعلم بهذا الاطلاق كان يقصد أن يقول كما يبدو أنه وُجد قادة في الجيش السوري تجاوزوا الأوامر التي تلقوها والتي تتعلق باستعمال السلاح الكيميائي، ومن هنا جاءت اصابة المدنيين. إن أمر الاستعداد للاطلاق نزل من مكتب الرئاسة السوري الى الجيش قبل نحو من عشرة أشهر وتم الاستعداد قُرب عدد من المطارات حيث جرى تجميع القنابل الكيميائية. وفي تموز الأخير توجه الامريكيون الى الروس كي ينقل هؤلاء الى الاسد تحذيرا شديدا يقول: نحن نعلم أنه أصدر أمر اعداد القذائف الكيميائية – التي تمزج بين عدة مواد كيميائية – كي تُستعمل.

إن لحكومة اسرائيل خاصة سياسة واضحة في مسألة ماذا يفعلون حينما يقتل سوريون سوريين مع سلاح كيميائي أو بغيره. ويوجد هنا بين اسرائيل والولايات المتحدة اتفاق تام على أن هذا جد غير لذيذ ومؤلم للقلب وغير انساني لكن معاناة الشعب السوري غير ذات صلة بمصالح الدولتين الاستراتيجية. وعلى العموم فان الأكثرية في جهاز الامن تعتقد ان سوريا المنتقضة العُرى أفضل لأن هذا يضر بالايرانيين. ومن جهة ثانية لا ترى اسرائيل الرسمية أي مكان لأن تشجع في المرحلة الحالية المعارضة غير الواضحة في سوريا لأنها قد تكون بديلا اسوأ من الأسد.

ومع ذلك يوجد تيار ما في المستوى السياسي يزعم أن حقيقة ان اسرائيل تتقبل في صمت استعمال السلاح الكيميائي على مدنيين سوريين يمكن ان تكون سابقة لتوسيع استعمال هذا السلاح على الجيران ومنهم اسرائيل ايضا.

تعتقد اسرائيل على العموم أن كل إنفاق طاقة على اطلاق القذائف الكيميائية الذي يتم في داخل سوريا على أهداف سورية، فيه صرف لموارد – سياسية واستخبارية – عن القضية المركزية التي تعني اسرائيل في هذا المجال وهي تسرب السلاح الكيميائي من سوريا الى جهات معادية كحزب الله والقاعدة. والسياسة الاسرائيلية هنا ايضا واضحة: إن اسرائيل لن تنتظر في مرحلة التسرب موافقة امريكية وستعمل. وستهاجم حينما تصل صواريخ "يحونط" أو صواريخ مضادة للطائرات متقدمة الى لبنان، وستهاجم حينما يبدأ السلاح الكيميائي التسرب الى هناك. فاذا لم يكن الجيش السوري الكيميائي "عدوا لدودا" فان حزب الله الذي يملك سلاحا كيميائيا هو عدو لدود لأنه قد يستعمله.

إن القصة الكيميائية التي خرجت من ذلك المؤتمر سخّنت الجبهات. ويزعم الجيش ووزير الدفاع ايضا اليوم أنه لم يحدث في الحقيقة أي شيء جديد في المنطقة يوجب التأثر. لكن الأحاديث الاسرائيلية جعلت الامريكيين يتوترون وجعلت الصحافة الامريكية تتكهن، وجعلت السوريين والايرانيين وحزب الله يشعرون بالضغط. وفي اثناء ذلك أُرسلت طائرة بلا طيار من لبنان نحو اسرائيل. ورفعت الثرثرة درجة الحرارة لا في المكاتب فقط، وحينها أصدر الجيش أمرا عسكريا كان مخططا له سلفا باستعمال تدريب عسكري مفاجيء لفرقة في الشمال فيه تخيل هجوم على لبنان. وتجول وزير الدفاع في اليوم نفسه مع رئيس هيئة الاركان في قاعدة سلاح الجو في حتسور، واهتمت وسائل الاعلام ساعات طويلة بالتجنيد المفاجيء – وهو ما يوجب على الجيش ان يتطرق الى الاسئلة لأنه يوجد خوف من ان شيئا ما غير عادي يحدث – ولم يعرف وزير الدفاع أنه يوجد تدريب عسكري. وحينما صدر تصريح من الجيش بوجود تدريب عسكري خاص يجري بازاء التطورات في الشمال، سمعه وزير الدفاع مع كل شعب اسرائيل. وزعم يعلون بعد ذلك أنه حينما كان رئيسا للاركان لم يكن يُجهد نفسه بابلاغ وزراء الدفاع عن وجود تدريبات تجنيد للفرق العسكرية. إن تجنيد 2000 شخص تدخل كتيبة واحدة منهم فقط في تدريب حقيقي لا يُسوغ عنده الحصول على موافقة من وزير الدفاع. إن الذي يقلقه خاصة هو التصريحات التي صدرت عن الجيش وأحدثت انطباع أنه كأنه يحدث هنا حادث غير عادي خاص مع رسائل للطرف الثاني.

سيتم اصلاح الخللين اللغويين مع المعاني السياسية وسيتلقى الجيش توجيها الى خفض الاهتمام الاعلامي وقتا ما. ولا ينوي يعلون نفسه ان يُجري جدله مع الجيش علنا، يوجد هناك ناس صالحون ونواياهم صالحة، وسيستعمل القيادة بحسب ايقاعه وطُرقه. ولم يحن الوقت بعد لاظهار الغضب نحو الخارج.

ترسانة كليشيهات

بيد أنه يوجد كلام يكون بمنزلة خلل عميق في جهاز ثقيل جدا كالجيش الاسرائيلي. في اللحظة التي تنطلق فيها خطة عمل ما يصعب وقفها – إلا اذا كنت خبيرا مسبقا بأدق التفاصيل أو كان يوجد تنسيق وثقة جيدة بين مكاتب الوزير ورئيس هيئة الاركان والمحيطين بهما. ويبدو في هذه الاثناء ان هذا لم يحدث بعد. قد تكون هذه أمراض طفولة. فالجيش يعمل بحسب الكتاب ويجعل وزير الدفاع والحكومة يقفان مواقف محرجة – لا نحو الخارج فقط بل نحو الداخل ايضا. فعلى سبيل المثال سيجلس وزير الدفاع بعد ايام معدودة قبالة وزير المالية ورئيس الوزراء للاتفاق على ميزانية الدفاع. وتبين أن وزير المالية ينوي أن يُقدم كتاب الميزانية في منتصف شهر أيار وألا ينتظر الى حزيران كما يُمكّنه القانون. ومعنى هذا بالنسبة لجهاز الامن انه لا يوجد وقت كاف للتخطيط لتغييرات جوهرية في خطة العمل السنوية التي بقيت من 2013 ولـ 2014. والآن ايضا توجد فروق بين اربعة مليارات شيكل وستة مليارات بين الطرفين. وسيضطر جهاز الامن في نهاية الامر الى اقتطاع ما بين 2 مليار شيكل الى 4 مليارات كي يردم البئر الحكومية. ويجب على الجيش أن يأتي بمال الآن لا بخطط تنظيم بعيدة الأمد للجيش البري. والمال الآن موجود في مكان واحد فقط وهو تقسيط دفعات أطول للصناعات وخفض مستوى الاستعداد والجاهزية بأن تكون تدريبات أقل لأطر كبيرة وساعات تحرك أقل، ووقف دفع المال النقد لشراء احتياطي ووقود وتجنيد قوات الاحتياط. ومعنى ذلك ان الجيش سيضطر الى خفض النشاط الذي لا يتصل اتصالا مباشرة بنشاط الأمن الجاري. ويعرف رئيس الاركان هذه الصورة لكنه لا يُشرك وزير الدفاع بسؤال هل يجب ان ينطلق التدريب العسكري المخطط له – الذي أُجيز بحسب نفقات ايام الوفرة.

وهكذا وعشية استكمال الحوار بين وزير الدفاع ورئيس الوزراء ووزير المالية، سيسألون يعلون بابتسامة ساخرة: هل تعرف ما الذي يجري عندك أصلا؟ أنفق الجيش في المدة الاخيرة فقط مئات الملايين على استدعاء 70 ألفا من رجال الخدمة الاحتياطية جاؤوا الى عمود السحاب وتدربوا كما يجب. فما الذي كان مُلحا جدا لانفاق كل هذا المال والقيام بهذا العرض أمام الحدود اللبنانية؟.

لا يبدو الامر فقط وكأن الجيش غير متصل الى الآن بوزير الدفاع الجديد. بل يوجد في داخل وزارة الدفاع ايضا "منافسون" ليعلون في إقرار السياسة. منذ جاء الى الوزارة نائب وزير الدفاع الجديد داني دنون، لم توجد مناسبة أمنية صغيرة أو كبيرة لم يكن عند دنون ما يقوله فيها. فقد جاء مزودا بحقيبة كليشيهات يرد بها على صواريخ غراد من مصر، وعلى الطائرة بلا طيار من لبنان، وعلى القذائف الصاروخية من غزة بقوله: لن تضعف اسرائيل، وسترد اسرائيل، ولن تدع اسرائيل. وهو لا يفهم ايضا أن للكليشيهات معنى سياسيا، في موقعه الجديد. فالعدو والجمهور الاسرائيلي لا يفهمان بالضبط ان وزير الدفاع لا يُشركه في المباحثات والقرارات السرية. إن لنائب الوزير سياسة خاصة به وإن وزير الدفاع لا يسيطر عليه ببساطة. جاء دنون ليُنشيء لنفسه سمعة، ولن يُفسد عليه أي وزير دفاع ذلك. ويرى يعلون ان هذا خلل لم يُحدث الى الآن أي حرج سياسي لكن ذلك سيحين وقته.