خبر 24 ساعة، وثلاث جبهات ساخنة وعدو مجهول- هآرتس

الساعة 09:28 ص|01 مايو 2013

24 ساعة، وثلاث جبهات ساخنة وعدو مجهول- هآرتس

بقلم: عاموس هرئيل

        (المضمون: إن أحداث اليوم الاخير في الضفة وغزة والجبهة الشمالية تُبرز تحديات تصبح أكثر تعقيدا - المصدر).

        نابلس. يفضي قتل أفيتار بوروفسكي من سكان مستوطنة يتسهار جنوبي نابلس، الى نهاية أطول فترة من غير عمليات قاتلة موجهة على اسرائيليين في الضفة في الـ 13 سنة الأخيرة. إن بوروفسكي هو أول قتيل اسرائيلي في الضفة منذ سنة وسبعة أشهر. وتُبين التفصيلات الاولى من التحقيق في الحادثة أنها تميز أحداث الاشهر الاخيرة وهي ما يسميها "الشباك" "عملية شعبية" – يبدو أنها من تدبير شخص واحد من غير ان تقف وراءها بنية تحتية ارهابية منظمة ودونما حاجة الى اعداد أو تخطيط طويل قبل العمل.

        في الحادثة الحالية، على حسب مصادر فلسطينية، القاتل نشيط في فتح أراد ان يُطهر اسم عائلته بعد ان أُدين شقيقه في محكمة فلسطينية بالتعاون مع اسرائيل. وقد استغل المخرب الذي أطلقت عليه قوة من حرس الحدود موجودة بصورة ثابتة في مفترق تفوح وجُرح، فرصة عند محطة نقل فباغت بوروفسكي وطعنه بسكين في ظهره واختطف المسدس الذي في حوزته. وهذه عملية يصعب جدا تحديدها واحباطها مسبقا لأن عدد المطلعين على سرها والمشاركين فيها قليل. وحتى لو كان المخرب سافر في سيارة عارضة من بيته في قرية شويكة بقرب طولكرم (البعيدة نسبيا عن مكان العملية)، فانه يُشك أن يكون الناقل له علم بنيته.

        لكن لا يزال من الصعب ان نتجاهل السياق الذي هو أوسع: فمنذ بضعة أشهر أخذت تُسجل زيادة ملحوظة على العمليات "الشعبية" – رشق بالحجارة وزجاجات حارقة على الشوارع، ومظاهرات عنيفة وشجارات بين فلسطينيين ومستوطنين. ويُقدم قبر رحيل في بيت لحم مثلا مثالا جيدا على ذلك: ففي كل يوم تقريبا منذ اسابيع يُرمى هناك بشحنات ناسفة مرتجلة وزجاجات حارقة على قوات الجيش الاسرائيلي، في موقع كان قبل ذلك هادئا تماما.

        إن هذه النقطة الاخيرة مهمة بصورة مميزة: إن يتسهار هي واحدة من المستوطنات الأشد تطرفا في الضفة وعلاقاتها بالقرى الفلسطينية المجاورة أكثر ضعضعة حتى من المعدل المتوتر في السامرة. ولا يمكن ان يُفاجأ أحد بأن المستوطنين بعد القتل فورا أحرقوا حقولا ورشقوا بالحجارة سيارات للفلسطينيين. والى جانب جهد استيضاح هل كان للمخرب الفلسطيني شركاء، ستحاول أذرع الأمن تهدئة الميدان عن فرض أنه ستحدث عمليات ارهابية يهودية كهجمات "شارة الثمن" على مساجد في المنطقة.

        ربط رؤساء مجلس "يشع" بين قتل بوروفسكي و"جو التحريض في السلطة الفلسطينية، والتسامح مع ارهاب الحجارة والمباحثات في تفضلات بالافراج عن مخربين من السجون". وفي واقع الأمر يتمتع المستوطنون في الحكومة الحالية بقوة سياسية لم يسبق لها مثيل تقريبا. بل إن ممثلهم الكبير الوزير نفتالي بينيت من البيت اليهودي كان يعمل الى ما قبل سنتين مديرا عاما لمجلس "يشع". لكن برغم مسيرة الاحتجاج التي احتشدت في مفترق تفوح وبرغم دعوات رؤساء "يشع" الى خطوات موجهة على الفلسطينيين، يُشك في ان يحدث الآن تغيير حقيقي في علاقات اسرائيل بالسلطة الفلسطينية. والذي يستطيع وزير الدفاع بوغي يعلون ان يمنحه للمستوطنين هو في الأساس وعد بعلاج أكثر حزما لاعمال التعرض للمواصلات الاسرائيلية في الضفة ولا يتوقع تحول في السياسة ما لم يوجد اشتعال واسع للأحداث.

        غزة. بعد ساعات من عملية القتل في يتسهار اغتالت اسرائيل نشيط ارهاب فلسطينيا في قطاع غزة. لا توجد صلة حقيقية بين الحادثتين، فاسرائيل تعامل الضفة والقطاع منذ مدة طويلة على أنهما جبهتان منفصلتان. إن اغتيال هشام المسحال، ذو صلة بالعلاقة بين غزة وجبهة ثالثة هي سيناء. فقد كان المسحال كما يقول "الشباك" مشاركا في اطلاق القذائف الصاروخية الاخيرة على ايلات قبل اسبوعين.

        هذه أول عملية اغتيال في قطاع غزة منذ انتهت عملية "عمود السحاب" في نهاية تشرين الثاني الاخير. وتنسب اسرائيل للمسحال وهو عضو في المنظمة الجهادية المتطرفة "مجلس الشورى"، صلة بتطوير وسائل قتالية واطلاق قذائف صاروخية من القطاع نفسه على النقب. وقد قال رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو بعقب العملية إن اسرائيل لن تضبط نفسها بازاء "تقطير اطلاق صواريخ من قطاع غزة أو سيناء".

        لنتنياهو مشكلة مضاعفة. ففي القطاع أخذ يُسحق بالتدريج الهدوء الذي تم احرازه بعد العملية. وبرغم حرصه على الرد مباشرة على كل اطلاق صواريخ يستمر التقطير. ولا يوجد لاسرائيل في سيناء عنوان حقيقي توجه العمل عليه لأن المعلومات الاستخبارية أولا عن الفصائل الجهادية هناك محدودة نسبيا. وثانيا وهو أهم – أن اسرائيل تريد الامتناع عن مواجهة عسكرية مع المصريين الذين يقلقها سيطرتهم الضعيفة على سيناء لكن استمرار التنسيق الامني معهم أهم عندها بكثير.

        إن "مجلس الشورى" هو هدف تسهل اصابته – وهذا عقاب لغزة وسيناء وضرب عصفورين بحجر واحد. لكن ليست المشكلة الحقيقية في غزة هي الفصائل المتطرفة بل حماس. في الاشهر الثلاثة الاولى بعد "عمود السحاب" افتخروا في الحكومة وفي الجيش الاسرائيلي بالردع الكامل، فقد منعت حماس تماما كل اطلاق صواريخ على اسرائيل. وتلتزم حماس في الشهرين الاخيرين بسياسة إغماض العين – أو يصعب عليها ببساطة ان تضبط الفصائل بحسب التفسير الاسرائيلي الرسمي. والمشكلة هي أنه منذ اللحظة التي تعلن فيها بأن حماس قادرة على فرض سلطتها يصعب الآن ان تعرض دعوى بديلة – وحشرت اسرائيل نفسها في زاوية تضطر فيها الى ايقاع ضربات دورية موزونة آملة ان تكون كافية لتغليب هدوء نسبي لوقت ما على الأقل.

        الشمال. لكن ليست الضفة أو القطاع الآن هما الجبهة الأسخن بالنسبة لنتنياهو بل الحدود الشمالية. كانت التقارير الاخبارية في الصحف العربية عن هجوم اسرائيلي في سوريا في الايام الاخيرة مخطئة لكن لا يعني هذا أن هجوما كهذا غير ممكن قريبا. وتزداد العصبية الاسرائيلية لأنه كلما تعقدت الحرب الأهلية في سوريا أصبح أصعب اجراء تعقب متصل لمخزونات النظام من السلاح الكيميائي. وكما أعلن نتنياهو ويعلون أكثر من مرة، اذا استقر رأي الاسد على نقل هذه المخزونات الى حزب الله فستعمل اسرائيل على إفشال ذلك.

        إن الخط الاحمر الامريكي كما تعلمون مختلف: فقد أعلنت ادارة اوباما بأنها ستعمل اذا استعمل الاسد سلاحا كيميائيا على معارضيه. والآن وقد كُشفت الحقيقة بمساعدة كبيرة من الاستخبارات الاسرائيلية، أصبحت الادارة الامريكية تتلوى. وليست اسرائيل نفسها متحمسة لهجوم امريكي في هذا الوقت وهي لا تريد أكثر من كل ذلك ان تكون متهمة بأنها ورطت الولايات المتحدة بحرب اخرى (ما تزال المزاعم الداحضة أن اجتياح العراق في 2003 كان نتيجة تدبير اسرائيلي تُذكر جيدا في واشنطن وفي القدس).

        على خلفية هذا الجو المشحون أُجري في القيادة الشمالية تدريب تجنيد كبير أُعد قبل ذلك بوقت طويل. يجب على الجيش الاسرائيلي ان يُعد نفسه لامكانية اشتعال للوضع في لبنان أو في سوريا، ونقل آلاف رجال الاحتياط بتحذير فوري هو جزء مهم من الاستعداد. والمشكلة هي ان الجو في هذه الحال ايضا وعلى خلفية الأنباء من سوريا، متوتر في الشمال وكل جزء ضئيل من معلومة يُكبّر فورا ليصبح تقديرات مخطئة عن عملية عسكرية قد انطلقت في طريقها. وقد أحسن الجيش الصنع حينما بيّن رأيه في الظهر في حديث مع صحفيين سُلمت فيه تفصيلات عن التدريب العسكري. ومن المؤسف ان هذا لم يحدث قبل ذلك بمساء حينما راجت في البلاد اشاعات مخطئة عن تجنيد جماعي بسبب تصعيد في الشمال، ولأنهم لم يستصوبوا قبل ذلك إبلاغ وزير الدفاع.