خبر المصالحةُ والمسلسلاتُ التّركيّة.. هاني المصري

الساعة 04:42 م|30 ابريل 2013

سألتني غيفارا البديري عن تقديري لرأي الشارع الفلسطينيّ باحتمال نجاح تشكيل حكومة الوفاق الوطني التي أعلن الرئيس «أبو مازن» أنه شرع في المشاورات من أجل تشكيلها، فأجبت: إنّ الشارعَ متشائمٌ من إمكانيّة تحقيق الوحدة بعد أن أصبحت من كثرة الاتفاقات والاجتماعات والجداول الزمنيّة المستمرّة منذ سنوات شأنها شأن المسلسلات التركيّة، طويلة جدًا ومملة، وإذا انقطعتَ عن مشاهدتها لعشرات الحلقات تعود لتجدها لا تزال تعيد نفسها.

فجأةً، أعلن الرئيس ومن دون اجتماع بين «فتح» و«حماس» أو بينه وبين خالد مشعل، وحتى من دون اتصال هاتفي، ومن دون اجتماع لجنة تفعيل المنظمة، وبلا سابق إنذار، أنه شرع في المشاورات لتشكيل الحكومة. وجاءت ردة فعل «حماس» التي اتسمت بالارتباك بين اعتبار هذا الأمر انفراديًا، وبين من رحب بحذر مطالبًا بتطبيق جميع النقاط الواردة في اتفاق القاهرة رزمة واحدة بالتوازي، وليس الانتقاء منها، ليجعل الشارع الفلسطيني غير مصدق بأن الفرج الذي طال انتظاره بات قريبًا.

إن الرئيس بخطوته التي جاءت بعد مضي الفترة القانونيّة التي يجب أن يكلف فيها الرئيس من يقوم بتشكيل الحكومة وجه عدة رسائل: الأولى، إلى الساعين للحصول على منصب رئيس الحكومة الشاغر منذ استقالة سلام فياض وقبول استقالته، فهناك بازار من التنافس على المنصب بين أعضاء من «فتح» داخل اللجنة المركزيّة وخارجها، حتى لا يستفيد رئيس الحكومة من الموقع للقفز منه إلى منصب الرئاسة، وبين مستقلين ترددت أسماء منهم، مثل محمد مصطفى، ورامي الحمد الله، وزياد أبو عمرو، ونبيل قسيس، ومنيب المصري.. وغيرهم، فضلاً عن احتمال إعادة تكليف فياض مرة أخرى.

وبشروع الرئيس في المشاورات لتشكيل الحكومة، يقطع الطريق على احتمال رفض الإدارة الأميركيّة لرئيس الوزراء القادم، إذا لم يكن الرئيس نفسه، خصوصًا بعد أن تسربت أنباء حول ملاحظات على بعض الأسماء المتداولة، بحجة وجود ملاحظات على النزاهة أو الاعتراض على تولي شخصيّة فتحاويّة للمنصب خشية من عودة الفوضى الماليّة، إذ قال أوباما إنّ الإدارة الأميركيّة يمكن أن تتعامل مع رئيس وزراء جديد مناسب، لكن المشكلة تكمن في أنّ الكونغرس يثق بفيّاض، ومن المشكوك فيه أن يقبل التعامل مع رئيس حكومة آخر.

الرسالة الثانية التي أرسلها الرئيس، وجهها إلى الإدارة الأميركيّة ووزير خارجيّتها جون كيري؛ مفادها أنّ الرئيس سيمضي في تشكيل حكومة الوفاق الوطني بالرغم من الاعتراض الأميركي عليها في حال وصلت جهود كيري إلى طريق مسدود، كما يظهر من خلال عدم إحرازه أي تقدم في الملف السياسي (تجميد الاستيطان، التزام إسرائيل بإقامة دولة فلسطينيّة على حدود 1967، إطلاق سراح الأسرى، خصوصًا المعتقلين منذ قبل اتفاق أوسلو)، وتركيزه على المسار الاقتصادي، لإظهار أنه لم يفشل، وبحجة أنه يساعد على إطلاق المسار السياسي وليس بديلاً منه.

الرئيس يحاول أن يضغط على كيري حتى يضغط على إسرائيل، ولكن على من تقرأ مزاميرك يا داود، فليس هناك من يلبي النداء؟

الرسالة الثالثة التي أرسلها الرئيس كانت إلى «حماس»، لأن إعلانه الشروع في المشاورات لتشكيل الحكومة عبر الإعلام يضعها أمام أمر واقع، إذا رفضته ستبدو وكأنها لا تريد المصالحة من خلال رفض تطبيق ما اتفق عليه، وإذا قبلته، فإنها ستقبله من دون حسم نقاط الخلاف المتبقيّة، مثل موعد إجراء الانتخابات الرئاسيّة والتشريعيّة، حيث تريد «حماس» تأجيلها إلى أبعد وقت ممكن حتى تتوفر الظروف لإجراء انتخابات حرة ونزيهة بإطلاق سراح المعتقلين ووقف الاعتقال السياسي، وحتى تضمن قدرتها على الحكم إذا فازت بالانتخابات، لأن الاحتلال لن يمكنها من الحكم في الضفة قبل أن تلتزم بشروط اللجنة الرباعيّة الظالمة والمجحفة.

أشير هنا إلى بعض السيناريوهات المحتملة بعد بدء التشاور حول تشكيل الحكومة:

السيناريو الأول، استمرار المشاورات لتشكيل الحكومة لفترة طويلة أطول من الفترة القانونيّة لحكومة تسيير الأعمال، وذلك انتظارًا لمعرفة مصير جهود كيري، ونتائج ما يجري في المنطقة، خصوصًا في سوريا ومصر، وعلى صعيد الملف الإيراني.

السيناريو الثاني، فشل المشاورات لأي سبب كان، سواء بالخلاف حول الوزراء، بالرغم من أن هذه مسألة سهلة، لكن من يريد عدم الاتفاق يستطيع أن يتذرع بأي ذريعة، أو الخلاف حول موعد إجراء الانتخابات، بعد ثلاثة أشهر أو بعد عام على الأقل، أو الخلاف حول تزامن انتخابات المجلس الوطني مع انتخابات المجلس التشريعي. وهذا الاحتمال محتمل جدًا إذا حدث تقدم في جهود كيري لاستئناف المفاوضات ومستبعد في حالة استمرار فشله في حدوث أي اختراق على المسار السياسي.

وفي حال تحقق هذا السيناريو سيعود البازار التنافسي حول رئيس الحكومة، فتحاوي، أو مستقل، أو إعادة تكليف فياض. وقد يشكل الرئيس حكومة تسمى وفاقيّة من دون موافقة «حماس»، ويحدد موعدًا لإجراء الانتخابات، ويدعوها إلى المشاركة فيها، وهي لن تشارك، ما يؤدي إلى تكريس الانقسام أو تشكيل حكومة جديدة لتحكم الضفة برئاسة الرئيس أو شخصيّة مستقلة أو فتحاويّة.

السيناريو الثالث، نجاح الرئيس في تشكيل الحكومة، وإعلانه أنها حكومته وبرنامجها برنامجه ليسوقها أميركيًا وإسرائيليًا ودوليًا، وتمرر «حماس» ذلك على أساس أن الحكومة انتقاليّة، بما لا يمنع صدور تصريحات عن قادة في «حماس» مثل محمود الزهار بالاعتراض على ذلك، بالقول إن الحكومة بلا برنامج أو أن برنامجها وثيقة الوفاق الوطني. وإذا صمدت الحكومة بعد ذلك ستصطدم بعدة ملفات أبرزها:

أولاً. كيفيّة توحيد الوزارات والمؤسسات والأجهزة المدنيّة والأمنيّة وتوفير الأعباء الماليّة المترتبة عن ضم عشرات الآلاف من الموظفين الذين وظفتهم حكومة «حماس»، وعن عودة الموظفين المفصولين، وهذه عقدة كبرى يمكن أن تنهار الحكومة على خلفيّة العجز عن حلها أو تتحول إلى حكومة طربوش إذا قررت تأجيلها، بحيث يبقى الوضع على حاله.

ثانيًا، كيفيّة التعامل مع الملف السياسي، خصوصًا المفاوضات واستكمال أو عدم استكمال التوجه للأمم المتحدة، ومع المقاومة في ظل التحذيرات والاعتداءات الإسرائيليّة واحتمال قيام إسرائيل بعدوان عسكري جديد على غزة قد يكون أكبر من سابقَيه كما صرح رئيس أركان الحرب الإسرائيلي.

هذا الموضوع يوضح خطورة تشكيل حكومة وفاق قبل الاتفاق على البرنامج السياسي الذي يجسد القواسم المشتركة، لأنها ستكون معرضة للانهيار أمام أي خلاف جدي حول القضايا العالقة أو حول كيفيّة التعامل مع مستجد جديد يتعلق بالمفاوضات أو بالمقاومة أو غيرهما.

ما سبق يوضح مرة أخرى، أنه من دون مراجعة عميقة للتجارب السابقة والاستعداد لشق مسار جديد مختلف عن المسارات السابقة، واستعداد كل الأطراف لإجراء تغيير جوهري على برامجها وأدائها لصالح تغليب المصلحة العامة والبرنامج المشترك، لا يمكن أن تكون وحدة، وإذا جاءت ستكون هشة ومعرضة للانهيار في أي لحظة.