خبر « محمية الشر » الأميركية ..علي عقلة عرسان

الساعة 11:36 ص|30 ابريل 2013

لا أثق بالسياسة الأميركية ولا بالساسة الأميركيين وأدعو إلى عدم الثقة بها وبهم، ولا يمكنني أن أنظر إلى الساسة الأميركيين بمعزل عما ارتكبته وترتكبه الولايات المتحدة الأميركية من جرائم ضد الدول والشعوب والحريات والحقوق عبر تاريخها، منذ إبادة الهنود الحمر وحتى تدمير العراق مروراً بالكثير الكثير من الحروب العدوانية والاستخدام الكارثي للأسلحة النووية والكيمياوية لا سيما في اليابان وفييتنام.. كما لا يمكنني أن أنظر إليها بعيداً عما تقوم به من ممارسة منهجية لممارسة إرهاب الدولة ودعم مستمر لدولة الإرهاب " إسرائيل"، ووضعها لذلك الكيان المسخ فوق القانون والمساءلة والشبهات.. فالإدارات الأميركية المتعاقبة جعلت من الكيان الصهيوني "محمية سياسية للشر" بكل المعاني والأبعاد والمقاييس، محمية للطبيعة الشريرة، لا تُسأل عما تمارسه من عدوان وإجرام، ولا عما تملكه وتطوره وتهدد به من أسلحة نووية وكيمياوية وترسانات عسكرية فتاكة أخرى، ولا عما تقوم به من ممارسات وتجاوزات على حقوق الإنسان والحريات والأخلاق والقيم، لا سيما فيما تقوم به ضد الفلسطينيين، صغاراً وكباراً نساء ورجالاً، في سجون ومعتقلات فاقت في ديمومتها وإجرامها وانتهاكها لكل حق بشري في الحياة والكرامة كل ما قام به النازيون بآلاف المرات، فمعسكرات النازي دامت سنتين إلى ثلاث سنوات ومعتقلات الصهاينة عمرها أكثر من ستين سنة ومات فيها أشخاص بعد أن قضوا أكثر من ثلاثين سنة في الزنازين تحت التعذيب.. وقد جعلت الولايات المتحدة الأميركية من "محمية الشر الطبيعية" تلك " إسرائيل" دولة لا يطالها العقاب ولا تحوم حولها الشكوك، ولا تجبر على الالتزام بالقانون الدولي وبالقرارات الدولية، ولا تسمح بأن يُطلب إليها أن تكف عن ممارسة طبيعتها العدوانية وعنصريتها الشريرة المتعفنة المتمثلة في الحركة الصهيونية وتاريخها ورموزها وأهدافها وتوجهاتها وقيمها.. ويشير كل رئيس أميركي إلى أن تحالف الإرهابيَّيْن العالميَّيْن الشريرين: " الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل" هو تحالف أبدي، ويؤكد أنه ملتزم بأمن دولة الاحتلال والعنصرية والإرهاب تلك وبتفوقها العسكري على كل العرب والمسلمين، وبنموها وازدهارها.. فازدهار زهرة الشر العالمية تلك واجب أميركي يتجلى فيه الإبداع ويترسخ الاتباع، ويعلن كل رئيس أميركي أنه تجمع بلاده ومحمية الشر تلك قيم وأهداف مشتركة..؟! ومن يقرأ تاريخ ذلك التحالف ويستقرئه بمنهجية علمية يجد أنه " تحالف الشر ضد الخير، والعدوان ضد الأمن والسلام والاستقرار، وتحالف المحتلين ضد المحتلَّة أرضهم، والكذَبة المفترين المزورين للتاريخ والوقائع  ضد العلم والموضوعية والحقيقة.. إلخ.

ونحن اليوم في سورية العربية، من شفرة الحدود السياسية إلى فضاء الحدود الطبيعية ومن أفق الحضارة الممتدة جذورها إلى عشرة آلاف سنة قبل الميلاد إلى مضائق الحصار وضيق بعض العقول.. نحن في سورية المدماة اليوم أمام فصل جديد من عدوان الولايات المتحدة الأميركية ومحمية الشر التي ترعاها، وها هو الإعداد والاستعداد لعدوان مدمر يستمر ويقوم به الإرهابيان الشريران المتحالفان أبدياً ضد الإنسان والخير والعدل والحقيقة: الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل" ومن معهما من متواطئين وعملاء وأدوات.. ويتم بذريعة "استعمال محدود "، غير محقق ولا متفق على إثبات حدوثه" لأسلحة كيمياوية وامتلاك مخزون منها.. فأية تهمة وأية عدالة وأي قضاة أولئك الذين يملكون ترسانات من الأسلحة النووية والكيمياوية تكفي لتدمير العالم كله عدة مرات، وقد استخدمت فأبادت مدناً بكاملها وأرهقت شعوباً بالمرض لعشرات السنوات، ويأتون بقواهم العادلة ليحاسبوا دولاً على الشك والظن والاحتمالات وما يمكن أن يكون مستقبلاً لديها من نوايا وإمكانيات لاقتناء قليل من تلك الأسلحة أو استخدام محدود لها؟!.. وفي حقيقة الأمر نحن أمام إعداد متصاعد لعدوان مدمر يستهدف بلدنا وشعبنا ودولتنا ووجودنا بذرائع شتى، وهو عدوان مبيت ونُستنزَف منذ زمن كجزء من خططه لكي نضعف ونضعف ونضعف.. حتى تحين لحظة الانقضاض علينا والقضاء على كل ما تبقى لنا ومنا.

لا يمكننا الركون إلى جذور الرئيس باراك أوباما الإفريقية الطيبة، فهو رئيس محكوم بالمؤسسات الأميركية ذات التاريخ العدواني المؤثل، ولا نرى أنه يمكن لجذوره التي تغذت ونمت ونضجت في تربة أميركية سمادها دم الأبرياء وعرق المستعبدين، أن تواجه البيئة التي تحكمها وتصمد في تلك المواجهة.. وهي بيئة سياسية محكومة بالمؤسسات التي تصنع القرار وبالإعلام وبمنظمة" إيباك" الصهيونية التي ترفع أصواتاً منها ذرا في الشر مثل السيناتور جون ماكين وغيره من أمثاله، تلك التي تفيض بروح الكراهية والعدوان والشر وتتطامن لها الرؤوس والنفوس الطيبة، إن وجدت في ساحة صنع القرار، فتنفذ مطالب إسرائيل بوصفها مصالح أميركية، وتلبسها لبوس العدالة والحرية وحقوق الإنسان.. إلخ.

الأميركي ـ الصهيوني ومعه حلفاؤه وعملاؤه يستعدون للعدوان علينا ويعدّون لذلك العدوان، وفي تصريحات مطلعين على ما يتم في البنتاغون في هذا الصدد ما يفيد بـ: ".. أن الخطط المرسومة تتضمن مشاركة الآلاف من القوات الأمريكية.. وإطلاق صواريخ كروز من البحر وتدمير الترسانة الكيماوية أو المقرات العسكرية المسؤولة عن البرنامج الكيماوي" السوري" بواسطة طائرات مقاتلة.".. أما التدخل البري فيرتبون لتقوم به إسرائيل بالدرجة الأولى، مع قوات أخرى من الأردن التي نُقلت إليها طلائع قوات برية أميركية من الوحدة المدرعة الأولى.. وتقدَّر الحاجة إلى 75000 خمسة وسبعين ألفاً من القوات التي تتدخل براً، إضافة إلى من يعملون على تدمير سورية من الداخل ويقومون بما يطلبونه من مسانديهم الأميركيين والصهاينة والأوربيين والعرب وبما يطلبه ألولئك منهم لكي تتحقق الأهداف.!! 

وربما كانت الضابية التي يُحاط بها موقف الرئيس الأميركي أوباما، لجهة إصدار الأمر بالتدخل العسكري، وتظاهره بالرغبة في توفر معطيات أكثر وأدق عن استعمال الأسلحة الكيمياوية في سورية، ربما كان ذلك جزءاً من الخداع والتمويه، أو هو في أحسن الأحوال لاستكمال قرائن ومعلومات واستعدادات، ولما ينبغي اتخاذه وتهيئته من إجراءات وظروف، لا سيما على الصعيد الدولي سياسياً وديبلوماسياً. لقد بادر بالاتصال يوم الاثنين 29 نيسان، أبريل الجاري بالكرملين، واتفق مع الرئيس بوتين وأبديا " استعددادهما لاتخاذ كافة الإجراءات الضرورية لتسوية المشكلة السورية"، وكلفا الوزيرين كيري ولافروف بإجراء الاتصالات مكثفة للوصول إلى اتفاق!! وقد يكون مبعث ذلك قلق إيجابي أو رغبة من الأميركي في التعمية والتخدير.. ويرجح هذا الشك ما قد جرى سابقاً، فقد تم اتصال مشابه لهذا وبمبادرة أميركية أيضاً قبل أسابيع، وصدر تصريحان رئاسيان، وتم تكليف للوزيرين لافروف وكيري بعمل مقارب لهذا، وتم تأكيد على مرجعية جنيف، وأإعلن عن تفاؤل على لسان لافروف بما أنجز من تقارب في الآراء حول مشاركة جميع الأطراف السورية بالحل السياسي على أرضية بيان جنيف.. ولكن شيئاً ايجابياً على الأرض لم يحصل، بل العكس هو الذي حصل، إذ بدأ تحريك موضوع الأسلحة الكيمياوية بقوة وعلى مستويات عدة إعلامية وسياسية وديبلوماسية وأممية، وتحرك وزير الدفاع الأميركي هاغل في المنطقة بصفقات سلاح هي انذارات ورسائل قوة كما قال، ومن ثم جرت لقاءات ومقابلات مكثفة في البيت الأبيض مع لاعبين ومعنيين بالأزمة من  العرب على الخصوص، ورأينا تدفقاً للحماسة ملازماً " للقلق " يجري في عروق " إسرائيل" انتشرت عدواه إلى بلدان كثيرة ذات مواقف معروف من سورية في أزمتها الخانقة التي تمر بها.. وترافق ذلك مع حشد طائرات حربية إسرائيلية في مطارات تركية وإردنية استعداداً لمهاجمة سورية، وإرسال طلائع قوات برية أميركية إلى الأردن للهدف ذاته، وعمل على نصب بطاريتي باتريوت أميركيتين أو أكثر قرب الحدود السورية الأردنية، وتكثيف حشود عسكرية إسرائيلية مع تدريبات نوعية في الجولان السوري المحتل، وتبشير بريطاني بنمطقة آمنة أو بحظر جوي حذَّر رئيس الأركان البريطاني من أنه سيجر بريطانيا إلى حرب شاملة بسبب قوة الدفاع الجوي السوري.. وتم في الإطار ذاته، داخلياً في سورية، تركيزٌ على مهاجمة قواعد جوية ورادات ومطارات، لا سيما في جنوب سورية وشمالها، واستهداف لرئيس مجلس الوزراء السوري بسيارة مفخخة في حي المزة يوم الاثنين 29 نيسان/ابريل 2013  نجا منه، وتفجير آخر لسيارة مفخخة أمام وزارة الداخلية قرب ساحة المرجة المكتظة بالمارة، في وسط دمشق، ظهر يوم اليوم التالي/ أي في يوم الثلاثاء 30/4/2013 الأمر الذي يترابط بقوة مع ما يخطط له، أو أنه على الأقل يفرض التفكير بالترابط مع المخطط العدواني الذي تتسرب بعض ملامحه للعلن.

  نتمنى أن تنتصر الحكمة وتسود النوايا الطيبة فتحكم النزعات الشريرة في الأنفس وفي السياسات على الخصوص، ونتمنى أن ينجح " التوازن الدولي بين القوى العظمى" في فرض توجه سياسي سلمي حقيقي أخلاقي مسؤول لحل الأزمة السورية على أساس مرجعية جنيف.. فذاك أمر ممكن، وهو في صالح سورية وشعبها وفي صالح المنطقة كلها دولاً وشعوباً، عقائد وثقافة وحضارة، وهو يؤسس لاجتثاث الإرهاب والقضاء على بذور الفتنة الطائفية والمذهبية التي تعمل على إشعالها جهات غير مسؤولة وتغذيها " محمية الشر الأميركية إسرائيل".. فالتوافق على نبذ العدوان ومنطق القوة وعلى حقن الدم وأنهاء العنف واللجوء إلى الحوار، بعقلانية وحرية ومسؤولية أخلاقية وإنسانية.. كل ذلك الذي يؤسس لإنهاء الكارثة الإنسانية التي يتعرض لها الشعب في سورية، لا سيما من هُجر ونزح من أبنائه خارج البلاد وداخلها، وهو ما نعلق عليه أهمية قصوى ونعدّه واجباً إنسانياً رفيع المستوى، ونرى أنه ممكن التحقق، ومشرِّف بعمق وشمول، ويستحق أولوية قصوى من المعنيين والقادرين على التأثير، ويرفع مكانة ومستوى من يعمل من أجله بصدق وجدية ومزاهة.. كما نرى أنه قادر على الحد من التوجه العدواني ولو بصورة محدودة، وعلى لجم التطرف والتعصب والنزوع الدموي السائد، وجعل الأطراف التي تغذي العنف وتحرض عليه وتخوض غماره في سورية وخارجها.ز جعلها تتوقف عن ذاك الفعل الذميم المدمر للحياة والحضارة والبلدان والشعوب والعلاقات والقيم.

فهل ترانا نحلم بالمستحيل حين نتطلع إلى شيء من ذلك وإلى تحويل محمية الشر الأميركية إلى حالة بشرية طبيعية سليمة.؟!

   دمشق في 30/4/2013