خبر صيادو غزة يبحرون في مياه مصر هرباً من الحصار

الساعة 11:44 ص|26 ابريل 2013

غزة -قدس برس

يقطع جمال بصلة وأبناءه الستة على متن مركب صيد صغير حوالي 40 كيلو متر يومياً، انطلاقاً من مرفأ بلدة رفح الفلسطينية حتى أطراف مدينة العريش المصرية جنوبًا من أجل صيد الأسماك.

ورحلة هذا الصياد وأبنائه تبدأ في ساعات المساء وتنتهي في صباح اليوم التالي. حيث اضطر بصلة والعشرات من الصيادين الفلسطينيين على قطع تلك المسافة لمواجهة قرار الاحتلال تقليص مساحة الصيد البحري من ستة أميال إلى ثلاثة نهاية آذار (مارس) الماضي.

وكانت سلطات الاحتلال الإسرائيلي قد زادت مساحة الصيد البحري في خريف العام الماضي تنفيذا لاتفاق التهدئة، الذي رعته مصر بين الفصائل الفلسطينية وإسرائيل بعد الحرب الجوية التي استمرت ثمانية أيام خلال تشرين ثاني (نوفمبر) الماضي.

رحلة يومية

ويقفز بصلة المنهك من هذه الرحلة اليومية مع أبنائه وسبعة بحارة آخرين على متن خمسة قوارب صغيرة "حسكات" ويتخطى الحدود المائية بين قطاع غزة ومصر على مرأى بحرية الاحتلال الإسرائيلية التي تهاجم بعض المراكب في بعض الأحيان.

ومنذ مطلع هذا الشهر تتوجهت نحو 35 حسكة فلسطينية إلى منطقة "المحصين" على أطراف مدينة العريش، عاصمة شمال سيناء، من أجل الصيد بحرية بعيداً عن نيران الاحتلال الإسرائيلي.

وتسمحت سلطات البحرية الفلسطينية للصيادين بعبور الحدود المائية مع مصر لكنها تقوم بإجراءات رقابية عند عودتها ما ذكر صيادون.

ولا يزال واقع صيادي الأسماك في غزة مؤلم إذ تواصل السلطات الإسرائيلية التضييق الذي يصل في بعض الأحيان إلى الاعتداء والاعتقال والقتل.

وتخلت إسرائيل عن تفاهمات اتفاقية أوسلو في ما يتعلق بمساحة الصيد البالغة 20 ميلًا بحريًا (الميل البحري يساوي 1882متراً) وقلصته إلى ثلاثة أميال وأقل من ذلك عقب اندلاع انتفاضة الأقصى نهاية أيلول (سبتمبر) 2000.

ولا يجرؤ صيادو غزة تجاوز تلك المسافة، إذ قتل وأصيب العشرات من الصيادين في عرض البحر منذ اندلاع انتفاضة الأقصى وفق توثيق مؤسسات حقوقية فلسطينية.

موسم السردين

وبدت علامات الإعياء جليه على بصلة بعد أسبوعين من الصيد في هذا المكان لكن غزارة الصيد أسعفته بعض الشيء.

يقول الرجل بعد أن طلب من أبنائه إفراغ الشباك من السردين في مرفأ رفح "الآن عدنا لنأكل السمك من جديد".

يضيف وخيوط الشمس بدأت تغزو رمال المرفأ القديم "الآن انتهى دوري مع السردين فقد نصبنا الشباك له ليلاً وعدنا به إلى هنا دون أي مخاطر في هذا اليوم".

ومن الممكن أن تتعرض للتوقيف أو الاعتقال من قبل البحرية الإسرائيلية خلال اجتيازك الحدود المائية الفلسطينية المصرية سواء في الذهاب أو العودة وفق ما قال بصلة.

وهذا الوقت من كل عام يمثل ذروة العمل بالنسبة للصيادين الفلسطينيين لأنه يعني انطلاق موسم السردين الذي يعد من أفضل المواسم خلال العام.

ويأتي هذا الموسم على دفعتي الأولى في فصل الربيع ويمسى "عتمة خمسة" والثاني في الخريف ويستمر لأربعة أشهر.

يقول الصياد محمد بردويل وهو يستعد للمغادرة في رحلة جديدة مع أبنائه الثلاثة: "جميع الصيادين كانوا ينتظرون الموسم على أحر من الجمر .. كانوا يريدون أن يجلب السمك من بحر فلسطين لكن ممارسات الاحتلال دمرت أحلامهم".

ويضيف غاضباً : "الصيادون يدفعون ثمناً مضاعفاً من أجل الصيد لأنهم يقطعون مسافة كبيرة حتى يصلوا إلى السواحل المصرية من أجل الصيد بعيداً عن بطش الاحتلال".

وخلال موسم السردين يصطاد أيضاً من سواحل البحر الأبيض المتوسط أسماك مثل "الدنيس والفروس والجرع والفريدي" وجميع تل الأنواع تمثل صيداً ثمينًا بالنسبة للصياد بردويل.

استيراد الأسماك

وفي كل الأحوال؛ فإن ما يجلبه الصيادون الفلسطينيون لا يغطي احتياجات القطاع البالغ عدد سكانه حوالي 1.7 مليون نسمة. ويعمل في قطاع الصيد حوالي 3500 صياد ويعينون نحو أربعين ألف فلسطيني.

ويستورد الفلسطينيون في حاويات أسفنجية كثير من أنواع الأسماك عبر الأنفاق مع مصر لتعويض النقص ويتم تسويقها في ساعات الليل بميدان "العودة" وسط مدينة رفح.

وفي ساعات الصباح تفوح رائح نتنة من هذا الميدان نظراً لأنه غير مخصص لبيع الأسماك وفق ما يقول الكثير من المارة.

والتضييق الإسرائيلي في عرض البحر يزيد من معاناة الصيادين بشكل مباشر ويزيد معاناة السكان بشكل غير مباشر لأنهم سيطرون لدفع مزيد من الأموال لشراء الأسماك دون معرفة مصدرها في بعض الأحيان.

وتشير تقديرات هيئة الثروة السمكية في وزارة الزراعة إلى أن قطاع الصيد كان ينتج خلال الموسم الواحد قبل اندلاع انتفاضة الأقصى حوالي ألفين وخمسمائة طن من أسماك السردين.

بيد أن مدير هيئة الثروة السمكية في وزارة الزراعة عادل عطا الله قال لـ"قدس برس" إن أنه في ظل الحصار البحري وحصر الحدود في ثلاثة أميال فإن الإنتاج هذا العام لن يتجاوز 1000 طن فقط.

وبين عطا الله أن هذا الحصار انعكس بشكل واضح على استهلاك المواطنين للأسماك في قطاع غزة، حيث يعتبر القطاع من أقل المناطق استهلاكاً للسمك في العالم ويترافع استهلاك الفرد له من 3-4 كيلو في السنة في حين أنه يجب على الفرد استهلاك 13 كيلوغرام من السمك سنوياً حسب منظمة "الفاو".

التحسن مرتبط بالتغيير

وأشار إلى أنه خلال عام 1994 كان الإنتاج في الثروة السمكية يصل إلى 1500 طن ومن عام 95-2000، ووصل الإنتاج إلى أربعة آلاف طن، إلا أنه تراجع خلال سنوات الانتفاضة وحتى 2007 ليصل إلى الفي طن، وليستمر التراجع من 2008-2010 إلى 1600 طن فقط.

وأوضح عطالله أن الحصار البحري وفرض مساحة الثلاث أميال على الصيادين للصيد فيها كان بمثابة دمار شامل لهذا القطاع، منوهاً إلى أن عمليات الصيد قبل ثمانية أميال في البحر غير مجدية وذلك لعدم تواجد الأسماك في تلك المناطق بكثرة.

وذكر أن الحصار الإسرائيلي وعدم القدرة على توفير احتياجات المواطنين دفع الوزارة إلى استيراد ما يقرب من 10 آلفا طن من الأسماك، مشدداً على أن قطاع الصيد من أكثر القطاعات التي تحتاج إلى تمويل كبير وذلك لتغطية التكاليف العالية التي يحتاجها في ظل التدمير الممنهج من قبل الاحتلال له.

وأكد عطا الله أنه في حال تحسن الظروف السياسية خلال العام الحالي فإن وضع الثروة السمكية سيتحسن، أما إذا لم يتحقق ذلك فإن قطاع الصيد سيعود وضعه إلى ما كان عليه قبل ست سنوات.