خبر سموم الوهم- معاريف

الساعة 08:06 ص|23 ابريل 2013

بقلم: زئيف الكين

        (المضمون: محاولة عرض الانسحاب احادي الجانب من المناطق كمصلحة اسرائيلية تصفي كل فرصة لتنازلات فلسطينية اليوم وفي المستقبل – رد على مقال بن – درور يميني - المصدر).

        في السبت الماضي "حظيت" بفرصة أن العب دور النجم كأحد الابطال الرئيسيين في العامود الدائم لبن- درور يميني. العامود، الذي يحمل عنوان "سموم التهدئة" يحاول اقناع القارىء بان الانسحاب الاسرائيلي من المناطق واقامة دولة فلسطينية هو عمليا مصلحة اسرائيلية بقدر لا يقل بل وربما أكثر منه مصلحة فلسطينية. وبالفعل، بصفتي معارضا لهذا الانسحاب، فاني أُعرض كمن يعمل خلافا للارادة الحقيقية للجمهور الاسرائيلي. "محظور السماح لـلالكينيين بالانتصار"، على حد تعبير أحد العناوين الفرعية في التقرير.

        وقد اضطر يميني  للاعتراف باني كنت محقا في القول انه لا يوجد اليوم شريك فلسطيني مستعد للتوصل الى اتفاق سلام مع اسرائيل، ولكن برأيي ليس في هذا ما يدعو الى التخلي عن التطلع المسيحاني من جانب اليسار للانسحاب بكل ثمن. وحسب نهجه، فان الرفض الفلسطيني وانعدام الشريك لا يجب ان يمنع انسحابا من المناطق واقامة دولة فلسطينية. فهذه مصلحة اسرائيلية و "لماذا يتعين علينا أن نعاقب أنفسنا بسبب الرفض الفلسطيني"، على حد قوله. وهكذا يعيد يميني الى الخطاب الجماهيري فكرة الانسحاب من جانب واحد، مثل الهروب من جنوب لبنان وفك الارتباط. هذا الطريق يمثل في نظره "سواء العقل" ورغبة الاغلبية في المجتمع الاسرائيلي.

        عندما قرأت المقال فركت عيني وسألت نفسي هل أنا والصحفي المحترم نعيش في دولتين مختلفتين؟! فدعوة "نحن علينا أن نقرر مصيرنا، مع شريك وبدون شريك" ليست جديدة في الخطاب الاسرائيلي. سمعناها لسنوات من مبادري الانسحاب من لبنان ومن مفكري خطة فك الارتباط. فالى أين أدت بنا هذه الطريق "سوية العقل"؟ هل الامن الشخصي لسكان الجنوب تحسن في أعقاب خطوة فك الارتباط؟ هل سكان اسدود وبئر السبع فكروا قبل عقد بانهم سيعيشون تحت تهديد الصواريخ من غزة؟ هل سكان الشمال كانوا آمنين اكثر في حرب لبنان الثانية مما كانوا قبل الهروب من لبنان؟ هل عشرات الاف الصواريخ الموجهة الينا من لبنان من قبل حزب الله تضيف لنا "سواء عقل"؟

        ناهيك عن أنه الاعمى وحده لم يرَ في حينه العلاقة المباشرة بين الهروب احادي الجانب من لبنان وبين اندلاع الانتفاضة الثانية في عهد باراك، الانتفاضة التي جبت من اسرائيل ثمنا باهظا. فمن الطبيعي من ناحية الفلسطينيين أن يستخلصوا الاستنتاج اللازم: الاسرائيليون ضعفوا وعن طريق الارهاب يمكن الحاق الهزيمة بهم وتهريبهم. فهل توسيع هذه التجربة "سوية العقل" على كل مواطني اسرائيل، هو اليوم ارادة أغلبية الجمهور؟ هل سكان الوسط يحلمون حقا بان يجعلوا انفسهم سديروت واحدة كبيرة؟

        يميني ليس فقط يبيع الجمهور مرة اخرى وبحماسة مسيحانية اوهاما عابثة عن الانسحاب احادي الجانب. فهو يصفي كل احتمال لان يرغب الفلسطينيون بشكل عام في التنازل في اثناء المفاوضات. فاذا كان الانسحاب واقامة الدولة الفلسطينية هما مصلحة اسرائيلية عليا، فلماذا يتعين على الفلسطينيين أن يدفعوا الثمن لقاء تحقيقهما؟ واذا كان الاسرائيليون يريدون هذا جدا، فليدفعوا هم للفلسطينيين الثمن على استعدادهم للانسحاب الاسرائيلي أو على مجرد الموافقة على المجيء الى طاولة المفاوضات.

        الرواية الخطيرة لـ "محبي الانسحاب بكل ثمن كمصلحة اسرائيلية" تمس أيضا بقدرتنا على حمل العالم على تأييد بعض على الاقل من مطالبنا من الفلسطينيين. في كل اسبوع، في اللقاءات مع وزراء الخارجية من العالم، اسمع منهم ذات الحجة: قد تكونوا محقين في طلبكم الاعتراف بدولة اسرائيل كدولة يهودية، ولكن لماذا ينبغي لكم أن تصروا على ذلك؟ فقد فهمنا من بعضم بان هذه مصلحة اسرائيلية عليا أن تقام دولة فلسطينية. ولهذا فتفضلوا بالمرونة وتنازلوا، إذ ان هذا في صالحكم!

        هكذا، وبالمفارقة، فان "المسيحانية" والقطيعة المطلقة عن الواقع ودروس الماضي القريب لدى يميني ورفاقه تمس بالاحتمال الاخير والهزيل لتطبيق ما يؤمنون به. ان مؤيدي الانسحاب احادي الجانب قد يكونوا هم الذين يدخلون المسمار الاخير في نعش فكرة الدولة الفلسطينية بأيديهم.