خبر اعلام معادٍ.. معاريف

الساعة 09:30 ص|19 ابريل 2013

بقلم: نداف هعتسني

(المضمون: نجح القادة الفلسطينيون في السيطرة على الصحفيين الفلسطينيين، في توجيههم فقط ضد اسرائيل وجعل الكثير من الصحفيين الاسرائيليين كلاب مدجنة طائعة. ومن يدفع الثمن هما الحقيقة والجمهور الاسرائيلي  - المصدر).

مؤامرة صمت خطيرة تلف اليوم قسما من الصحافة الاسرائيلية، ولا سيما تلك التي تغطي أنباء السلطة الفلسطينية. الصحفيون الاسرائيليون الذين يختصون في شؤون السلطة تجدهم خائفون من الطغيان الفاسد لمحمود عباس ويكاد كل من يعرف عن ذلك يصمت. وهكذا نتلقى نحن أساسا بلاغات الناطق بلسان مكتب الرئيس ومنظومة الدعاية الفلسطينية، بدلا من أن نحصل على العمل الصحفي.

قبل بضعة اسابيع طرد مراسل لشبكة اسرائيلية من مؤتمر صحفي رسمي في رام الله. صحفية فلسطينية تدعى نائلة خليل نهضت وأعلنت بانها غير مستعدة لان يكون مراسل اسرائيلي حاضرا في المؤتمر الصحفي ولهذا فقد طرد الرجل وفريقه مكللا بالعار. مراسل شبكة تلفزيونية اخرى تعرض للاعتداء في ميدان المنارة في وسط رام الله وانقذ بصعوبة. مراسل تلفزيوني آخر تعرض للاعتداء في المقاطعة في رام الله، والتي كانت ذات مرة مبنى الحكم الاسرائيلي. والقي بميكروفونه الى الارض، اهين واضطر الى الانصراف من المكان.

والى جانب ذلك نشرت عريضة لقرابة 200 صحفي فلسطيني يطالبون بمنع دخول الصحفيين الاسرائيليين الى المناطق، انضم اليهم اتحاد الصحفيين الفلسطينيين. وعلى الفور لحقت بهم وزارة الاعلام الفلسطينية، التي نشرت تعليمات جديدة تحظر على الصحفيين الاسرائيليين العمل في مناطق السلطة. وحذر ممثلو المملكة السابعة من اسرائيل من أن كل صحفي يمسك به في المناطق سيعتقل وينقل الى مكتب التنسيق والارتباط. وحسب التعليمات التي يبدو أنها كتبت في كوريا الشمالية ونقلت الى رام الله، محظور على الاسرائيليين الدخول في مهام صحفية الى مناطق السلطة الفلسطينية دون إذن مسبق من وزارة الاعلام الفلسطينية.

حتى هنا كل شيء على ما يرام – السلطة الفلسطينية المتنورة تحاول السيطرة على التقارير الصادرة عن مناطقها كي تبث فقط ما هو مريح لها وتمنع الحرج. ولكن الغريب، إن لم نقل المدهش، هو رد فعل الصحافة الاسرائيلية. او الأدق عدم ردها. فباستثناء التقرير في "جيروزاليم بوست" وقول جاء بالمناسبة لمراسل تعرض للاعتداء في برنامج تلفزيوني، لم يسمع الجمهور الاسرائيلي ولم يبلغ بالظاهرة. ويقف مراسلو المناطق الاسرائيليون في قلنديا – على طرف القدس – ويبلغون بانهم في الحبل السري لرام الله. مراسلون آخرون يقدمون للقارىء الاسرائيلي أفضل الدعاية الفلسطينية دون أن يرمش لهم جفن. وبدلا من التقارير الحقيقية يقدمون مقابلات مع جبريل الرجوب، قدورة فارس وجملة أخرى من الكذابين الرسميين في السلطة.

* * *

المراسلون، المحررون والمذيعون الاسرائيليون، الابطال جدا حيال حكومة اسرائيل، لا يطلقون همسة احتجاج وعمليا يتعاونون مع النمط الايراني الذي نشأ هنا، عندما يخفون عن الجمهور مجرد الفضيحة. صحفي قديم سُئل عن ذلك مؤخرا قال حتى انه "يجب ان نتعلم كيف نتدبر امرنا مع هذا من خلال الحوار خلف الكواليس".

ولا تنطبق الحدود بالطبع على صحفيين اسرائيليين – وخمنوا من: عميرة هاس وجدعون ليفي. فهما حتى يسكنان في رام الله. وليفي هو ضيف شرف في كل المواقع المستحبة التي تحظر أداء الصحافة الحرة الاسرائيلية. هكذا يجري للدعائي رقم واحد للامة الفلسطينية النبيلة. هذه هي الطريقة التي ينجح فيها الحكم الفلسطيني في التأثير الشديد على تصميم الرأي العام الاسرائيلي، السيطرة على التقارير التي تصل اليه وزرع الرسائل التي صيغت في رام الله فيه.

وبالمناسبة، فان الحكم المتنور لابو مازن، والذي يصمد فقط بقوة الحراب الاسرائيلية والمال الامريكي، يلاحق ليس فقط الصحافة الاسرائيلية. فهو يحاول أن يصمم، على افضل تقاليد الانظمة على شاكلته، كل ما يخرج من مناطق السلطة. وهكذا مثلا اعتقل عدد من المدونين الفلسطينيين الذين تجرأوا على ارسال رسائل غير عاطفة على السلطة، في الفيسبوك والانترنت. وزج بمدون الى السجن بسبب صورة غير لطيفة لابو مازن تجرأ على نشرها على الشبكة. وحبس آخر لسنة لانه نشر صورة ممنتجة لابو مازن ببزة ريال مدريد. محاضرة في الاعلام من نابلس اعتقلت لـ 14 يوما لانها تجرأت على الادعاء بانه في فترة حكم السلطة في غزة كانت في المدينة بارات، سكارى وأعمال فساد. وبالمناسبة، سلام فياض، أمير الديمقراطية الامريكية، ليس فقط لم يمنع الظاهرة، بل حتى احتجاج لم يصدر عنه.

* * *

لسنوات طويلة كتبت في شؤون المناطق، ضمن مصادر أخرى في صحيفة "حداشوت" الراحلة و"معاريف" اطال الله عمرها. وفي تلك الايام التي كنت فيها صحفيا نشطا، بنيت تعاونات بعيدة الاثر مع صحفيين فلسطينيين مختلفين في الضفة وفي غزة. ما لم يتجرأوا على نشره، كانوا ينقلوه اليَّ، كي تخرج الحقيقة الى النور. وبطبيعة الاحوال كانت هذه أنباء غير عاطفة على الاطلاق من ناحية القيادة الفلسطينية والاكثر أهمية من ناحيتنا. والان، بروح الشرق الاوسط الجديد، نجح القادة الفلسطينيون في السيطرة على الصحفيين الفلسطينيين، في توجيههم فقط ضد اسرائيل وجعل الكثير من الصحفيين الاسرائيليين كلاب مدجنة طائعة. ومن يدفع الثمن هما الحقيقة والجمهور الاسرائيلي.