خبر على مذبح الديمقراطية.. هآرتس

الساعة 09:27 ص|19 ابريل 2013

بقلم: تسفي بارئيل

المضمون: نتائج الانتخابات للسلطات ستدل اذا كان المالكي ونظامه القمعي سيحظيان بفترة اخرى في قيادة الدولة بحيث  يتحول فيها العراق الى قوة عسكرية هامة في المنطقة ينسق سياسته مع ايران ويمكنه أن يؤثر أيضا في سوريا ما بعد الاسد ان لم يكن لحسم مصيرها – المصدر).

ليلة طويلة مرت في بداية الاسبوع على السجانين في بغداد. بين يوم الاثنين ويوم الثلاثاء اقتادوا الى عواميد الشنق 21 سجينا ادينوا بأعمال الارهاب، والحبل كان على الجرار. منذ بداية السنة شنق السجانون في بغداد 50 سجينا وفي الطابور ينتظر عدة عشرات آخرين تنفيذ حكم الموت. في ذات اليوم نفسه قتل أكثر من 40 شخصا وربما نحو 60 (عدد الضحايا منوط بمصدر التقرير)، في سلسلة انفجارات متوازية للسيارات في ست مدن في أرجاء العراق. وكان هؤلاء بعضا فقط من عشرات الضحايا لعمليات الارهاب منذ بداية السنة.

تصفح سطحي للصحافة العراقية يبين أنه بعد يومين من ذلك قتل ثلاثة أشخاص في جنوب بغداد، اصيب شرطي بنار أطلقها مجهولون عند مدخل مدينة قوت، وقتل خمسة من رجال القاعدة قرب مدينة سامراء، واكتشف مخزون من الاسلحة قرب الموصل واطلقت النار على شرطة الانبار ولكن لم تقع اصابات. حصاد عادي ليوم عمل اعتيادي. صحيح أنه لا مجال للمقارنة بين عدد القتلى في العمليات في السنتين الاخيرتين وعدد الضحايا في سنتي 2006 – 2007 حيث كانت الحرب الاهلية في ذروتها، وكان المئات يقتلون كل يوم، ولكن حتى واقع "الهدوء" هذا ليس بالضبط تجسيدا للحلم العراقي.

بين الاعدامات التي تنفذها الحكومة وبين قتل المواطنين على أيدي منظمات الارهاب، تجتهد حكومة نور المالكي على بث احساس بالاعمال كالمعتاد. فغدا، مثلا، ستعقد انتخابات للسلطة المحلية وللمجالس اللوائية في العراق. ورغم المطالبات بتأجيل الانتخابات خوفا من ان يمنع التوتر الامني الكثير من الناخبين من الخروج الى صناديق الاقتراع، ناهيك عن أنه في الاسابيع الاخيرة قتل ما لا يقل عن 11 مرشحا، تقرر اجراء التصويت في موعده.

القانون كتوصية

ولكن ليس كل المحافظات الـ 18 في العراق كانت مشاركة في احتفال الديمقراطية. ففي المحافظات الكردية الثلاثة ستجرى انتخابات محلية في ايلول فقط، وحتى هذا ليس مؤكدا وذلك لان الاقليم الكردي يتصرف وكأن القانون العراقي هو مجرد توصية فقط.

في محافظتين سنيتين اخريين، الانبار ونينوا، لم تكن انتخابات بسبب ما تصفه الحكومة بانه "اضطراب أمني". وهذه مجرد حجة تأتي لاخفاء خوف المالكي من نتائج التصويت في هاتين المحافظتين حيث توجد اغلبية لمواصلة ولايته. وفي ختام احصاء الاصوات قد يجد رئيس الوزراء بانه على رأس المحافظتين تصدر خصومه السياسيون.

ومع ذلك، فالسكان السنة في المحافظتين ليسوا من جبلة واحدة. بعض من القيادة يؤيد المالكي وبعض آخر يرى فيه عدوا. والخصومة بين هذين التيارين اثارت منذ الان اشتباكات عنيفة أسفرت عن مقتل مواطنين. وهذا ايضا هو جزء من الديمقراطية النسبية في العراق، الذي ليس فقط واحدا من الدول التي تحتفظ بالرقم القياسي في عدد الاعدامات، بل وأيضا احد الدول الاكثر فسادا في العالم – في مقياس الشفافية الدولية يأتي العراق في المرتبة الـ 169 من بين الـ 174 دولة.

من ناحية مواطني العراق لا تعد هذه معطيات احصائية جافة. فمحاكمات السجناء الذين يحكمون لعشرات السنين في السجن تستغرق 15 – 20 دقيقة بالمتوسط، دون حضور محامين. وتروي الحكومة لمواطنيها بان مليارات الدولارات تضيع هباء بسبب الفساد، ولكنها لا تركب عدادات الكترونية في مصاف النفط وتكتفي بفحص يدوي للكميات التي تحمل في الناقلات – وهكذا تسهل على تهريب النفط؛ ورغم الاستثمارات بحجم 27 مليار دولار في شبكة الكهرباء، فان ساعات توريد الكهرباء لا تزال غير منتظمة. كل مواطن يمكنه أن يستخلص الاستنتاجات بنفسه.

وحسب الاحصاء الرسمي، يوجد في العراق نحو 16.2 مليون صاحب حق اقتراع سيحسمون من بين 8.302 مرشحا (بينهم 2.205 امرأة) سيديرون المحافظات المدينية. وهذه انتخابات رمزية وهامة. وتكمن الرمزية في أنها الانتخابات الاولى في العراق منذ انسحاب القوات الامريكية في العام 2011؛ اما الاهمية فتنبع من أنه في السنة القريبة القادمة سيتمكن المنتخبون من التأثير ايضا على الخريطة السياسية القطرية، اي تصميم صورة البرلمان التي سينتخب في العام 2014. ويمكن للميزانيات التي ستكون في ايديهم ان تستخدم لمنح امتيازات مباشرة للمواطنين ولشراء الاصوات. وهكذا سيشكل رؤساء البلديات ومدراء المحافظات قوة طليعية ستحسم بقدر كبير من بين الحركات السياسية ستمسك بلجام الحكم في الدولة برمتها ومن سيكون رئيس الوزراء القادم.

من هذا بالضبط يخاف المالكي. منذ انتخب في العام 2006 وهو ينجح، بمساعدة أمريكية مكثفة في العمل بشكل مكثف في القضاء على الارهاب. وفي نفس الوقت انتهج نظاما فردا يصفه خصومه بالدكتاتورية التي تتخفى في زي ديمقراطية. وفي لحظة انفعال – ولعل هذه كانت تلاعبا – أعلن المالكي في 5 شباط 2011، قبل اسبوع من سقوط مبارك في مصر بانه "تقديرا للديمقراطية" فانه لن يتنافس لفترة ولاية ثالثة ولن يتنافس في انتخابات 2014. ومنذئذ لم يكرر هذا التعهد.

الرجل القوي

المالكي، رغم الترشيح المتشدد لوكالة الاستخبارات الامريكية، التي فضلته في 2006 على أربعة مرشحين آخرين لرئاسة الوزراء، ورغم التسويغ من السفير الامريكي في العراق الذي قال انه "غير مرتبط بايران"، فقد أدخل ايران الى العراق من الباب الرئيس. فهو يساعد في تمويل نظام بشار الاسد في سوريا. ويتورط مع الاقلية السنية ومع الاكراد في مسألة انتاج النفط وبيعه – ولكنه الرجل القوي للعراق. المكانة التي بناها لنفسه جعلته، على الاقل في نظر الادارة الامريكية، زعيما عديم البديل رغم عيوبه الكثيرة يحتفظ بقدرة على الابقاء على العراق موحدا – الى هذا الحد أو ذاك.

وهذا ايضا هو السبب لموافقة الادارة الامريكية على بيع العراق منظومات سلاح متطورة. ففي ايلول ستصل الى العراق ارسالية اولى من  18 طائرة اف 16. ولم تكن صفقة السلاح هذه أمرا مسلما به، ولكن عندما توجه المالكي الى روسيا ووقع معها على اتفاق لبيع منظومات رادار متطورة ومنظومات مضادة للطائرات، وكذا على اقامة مشروع لترميم الدبابات، لم يتبقَ مفر امام الولايات المتحدة. وفي هذه الاثناء جمدت صفقة السلاح مع روسيا بعد أن نشأ اشتباه شديد بأنها مصابة بالفساد. ولكن الصفقة لا تزال معلقة كالسيف فوق رأس الولايات المتحدة وتمنعها من التراجع عن موافقتها لبيع العراق السلاح الموعود.

سلاح متطور ومنظومات رادار تكون بيد العراق هي ايضا بوليصة تأمين لايران. من يرغب في الخروج الى هجوم جوي في ايران ويمر فوق العراق قد يصطدم بطائرات امريكية يقودها طيارون عراقيون وبمنظومات رادار تنقل المعطيات للجيش الايراني. هذه هي طبيعة السخافة التي خلقتها الحرب ضد العراق، حيث أنه قبل اسبوع فقط تم احياء الذكرى السنوية العاشرة لاسقاط التمثال الكبير لصدام حسين في أعقابها.

نتائج الانتخابات للسلطات ستدل اذا كان المالكي ونظامه القمعي سيحظيان بفترة اخرى في قيادة الدولة. وقد تكون هذه فترة ولاية يتحول فيها العراق الى قوة عسكرية هامة في المنطقة ينسق سياسته مع ايران ويمكنه أن يؤثر أيضا في سوريا ما بعد الاسد ان لم يكن لحسم مصيرها.

اذا كان هذا سيكون وجه الامور في المستقبل المنظور، فان عمليات الارهاب الكثيرة ستكون القلق الثانوي لدى الغرب الذي لم يظهر حتى الان انفعالا استثنائيا من تدهور الوضع الامني الداخلي في العراق.