خبر المصائب تنسي المصائب .. وملح الجرح الاحتلال ..بقلم / عبدالسلام شهاب

الساعة 10:28 ص|18 ابريل 2013

مركز أطلس للدراسات الاسرائيلية

يوم فرح في حياة المغتصبين الصهاينة، يوم أسى وحزن في قلوب أصحاب الحق وأنصار الحرية، هذا الأسبوع كما في كل عام تحتفل دولة الكيان الصهيوني بالذكرى الخامسة والستين لاغتصاب فلسطين عام 48 وانتصارها على الدول العربية واعلان قيام الدولة "اليهودية" على أنقاض الشعب الفلسطيني ووطنه وأرضه وحقوقه، إنها الذكرى التي يسميها الاسرائيليون بـ "الاستقلال.

هذا "الاستقلال" الذي ما كان له أن يكون لولا عشرات المجازر التي نفذتها العصابات الصهيونية؛ شتيرن والارغون والهاجناة، في دير ياسين وكفر قاسم وقبية ونحالين والقدس وغيرها من قرى ومدن فلسطين، لترويع المواطنين الفلسطينيين وإجبارهم على الرحيل والهجرة من بيوتهم، وتدمير قراهم وطمسها عن الخريطة، لمحو ذاكرتهم الوطنية تمهيداً لإقامة "دولة اسرائيل" متاجرة بما عرف بـ "الهولوكوست"، ومستغلة إياها على أكمل وجه لكسب تعاطف العالم الغربي وصمته في تمرير مسلسل الأكاذيب الصهيونية في أبشع عمليات تزوير التاريخ وطمس الحقائق، وهي تصور أبشع جريمة ارتكبت في خمسينات القرن الماضي بـ "حرب التحرير" لتتحول الحركة الصهيونية المغتصبة الى حركة تحرر وطني من احتلال هو الاحتلال العربي لـ "أرض الميعاد".

ما قيل في هذه الذكرى هو ما يقال في كل ذكرى، فزعماء وقادة عصابات الاحتلال يفاخرون بالإنجازات التي حققوها عبر عقود من اغتصاب واستيطان وقوانين عنصرية بحق الفلسطينيين المتبقين في قراهم وبلداتهم، ومن فرض وقائع احتلالية جديدة على ما تبقى من أرض فلسطينية.

في كل عام؛ تجرى ذات الطقوس والمراسيم والاحتفالات، وتبث وسائل الاعلام أفلام وثائقية ومشاهد تتضمن روايات عن تاريخ النكبة والمشروع الصهيوني وقصص المحاربين "الغزاة"، وروايات المستوطنين الاحياء، طقوس رسمية وشعبية ضمن مواعيد رسمية تبدأ بالحداد على الغزاة من اللصوص الذين سقطوا "الضحايا"، ثم اطلاق الاحتفالات الرسمية والشعبية، انها طقوس صممت بعناية ومهنية عالية لصناعة شعب وتأسيس امة.

كل هذا في وقت يواجه المشروع الوطني الفلسطيني وحلم الفلسطينيين بالعودة والتحرير خطر الضياع والتصفية بفعل هذا المشهد العبثي الذي يعيشه الشعب الفلسطيني، وللأسف راح يفرض نفسه على الشعوب استمرار كارثة الانقسام، والصراع على سلطة وهمية على بقايا وطن، وضياع الرؤية الموحدة التي تجعل من القضية والشعب بوصلتها العليا وتركل للأبد المصالح الفئوية والحزبية.

إن الفرق بين الأسى والفرح، بين الحزن والسرور، بين النكبة والاستقلال هو الشعور بذلك، اذا سمعت بنكتة لأول مرة تضحك كثيراً، واذا تكررت تضحك أقل، واذا تكررت يتلاشى الضحك والمرح، ولكنّ النكبة والأسى كلما تكرر ذكرها على سمعك كلما ازداد حزنك عمقاً، واستحال التئام الجرح.

لكن عندما نجد العكس هو الذي يحدث؛ فاعلم أن هناك مشكلة في الشعور وخلل في المشاعر. عندما يتكرر ذكر الانتصار الاسرائيلي على أمتنا لأكثر من ستين مرة، بين الفرح والفرح عام كامل، ويزداد فرحهم بهذه الدولة كل مرة عن التي سبقتها، وذلك لأنه لا يوجد لديهم شيء يستحق الفرح أكثر من وجود هذه الدولة، ولأنهم في كل عام يدركون أكثر أنهم لم يفرحوا بما يكفي ويستحق لهذا العيد، فيزداد فرحهم في كل مرة أكثر من التي سبقتها.

أما نكبتنا؛ ففي كل عام تأتي لنحزن، فنجد حزناً آخر يغطي على هذا الحزن، حزناً أكبر من هذا الحزن، حتى عشنا حزن ونكبة وأسى الانقسام. فكلما أردنا أن نطوي صدرنا على حزننا ونبكي ألمنا نجد ما يشدنا للحزن الاخر، وهي مأساة الانقسام التي وصلنا إليها.

إن فكرة العلاج : هي جعل ألم الكي ينسيك الألم الأخر، وهكذا؛ يسوقنا ذلك الى المثل القائل "المصائب تنسي المصائب".

في ذكرى نكبتنا وفرحهم: الى كل قادة الشعب الفلسطيني، اذا لم تعيدوا لنا فلسطين، اذن عليكم ان تعيدونا  إلى النقطة التي أخذتمونا منها، إلى الزمن الذي بدأنا الرحلة معكم؛ أعيدونا إلى حزننا، النكبة. من فضلكم ضعوا الملح على الجرح الذي نحب أن نتألم منه ولا ننساه، الجرح الذي أصابنا به العدو. الجرح الذي يذكرنا به فرحهم واحتفالاتهم باستقلال دولتهم، الجرح الحقيقي الذي نريد أن تشعروا به . من فضلكم لقد أخذتم حصتكم من جروحنا ووقتنا وزمننا، فأغلقوها، ودعونا وجرحنا ونكبتنا. سنسامحكم اذا اعدتمونا الى جرحنا الاول.