في حديث إضرابه عن الطعام

خبر « بلال ذياب » الرجل الذي قهر إسرائيل يخص « فلسطين اليوم » بتفاصيل يسردها لأول مرة

الساعة 10:53 ص|17 ابريل 2013

رام الله (تقرير خاص)

في 28 فبراير/شباط الفائت أجتمع الأسيران بلال ذياب وثائر حلاحله في غرفة رقم 3، قسم 7 في سجن النقب وأقسموا على المصحف أمام الأسرى على خوض إضرابا عن الطعام وعدم التراجع عنه حتى الأفراج عنهم بتحديد موعد نهائي لاعتقالهم الإداري المتجدد لعام لكل منهما.

ورغم إصرارهم والذي توجوه بعهد امام الله والأسرى، لم يظنا ان هذا الإضراب سيكون الانتصار الأهم، بعد انتصار مفجر معركة الإضراب عن الطعام خضر عدنان، وأن صمودهما سيسطر بتاريخ السجون ومقاومة السجان درسا لمن بعدهم في الإضراب.

بلال، من بلدة عرابة القريبة من جنين، كان على قناعة تامة حينما أتخذ قراره انه لا مفر من الإضراب نصره لنفسه ومن ظلم ألم به بالاعتقال الإداري على قضية دفع ثمنها في صغره 7 سنوات ونصف، حيث أعتقل وعمره 18 عاما، ما لبث أن اعيد اعتقاله من جديد بعد الإفراج عنه ليعود إلى اقبيه التحقيق، ويفرج عنه ويعاد اعتقاله إداريا.

البداية من النقب...

يقول:" وجودنا في السجن هي معناه حقيقة سواء في التحقيق أو الزنازين أو الغرف العادية، وكنت قد اعتقلت ثمانية سنوات على تهمة محددة، وإعيد اعتقالي وخضعت للتحقيق وثم أفرج عني لاعتقل من جديد إداريا على نفس التهمة، كل ذلك زادني قناعة بالدفاع عن نفسي وأن الحرية حق لي يجب انتزاعه".

وفي روايته ل"فلسطين اليوم" عن رحلة إضرابه التي طالت 78 يوما قال بلال:" حسمت و رفيقي ثائر أمرنا بالإضراب عن الطعام بعد أسبوع كامل من النقاش حول أهميه الإضراب و ما الذي يمكن أن نصل إليه و إبعاده وتبعاته، ووضعنا سقف للإضراب وتوقعت بحسب وضعي الصحي انني أستطيع الصمود حتى 50 يوما، ومن ناحية معنوية أجزمت بيني وبين نفسي أنني لن أتراجع".

وفي نفس اليوم، سلم بلال وثائر كتابا خطيا لإدارة السجن برفض وجبات الطعام وإعلان الإضراب عن الطعام والمطالبة بالإفراج عنهم، وهو ما قابلته إدارة السجن بردة فعل قاسية حيث بدأت بإجراءاتها القمعية على كل القسم من حيث منع الزيارات وتوزيع كوادر الجهاد الإسلامي على الأقسام، ومنع "الكانتينا" وفصلهم عن بعضهما.

بقي بلال في نفس القسم وأصر على الإضراب وفي اليوم الثامن شعر بإن إدارة السجون تضيق الخناق على الأسرى بسبب إضرابه فامتنع عن شرب الماء لأربع أيام دون أن يعلم أحد من الأسرى أو الإدارة، حتى ساء وضعه الصحي فعلمت الإدارة السجون والتي دخلت في مفاوضات معه للعودة إلى شرب الماء مقابل وقف إجراءاتهم العقابية.

في الرملة معاناة أخرى

بقي بلال في سجن النقب حتى اليوم 12 في الإضراب، بينما كان ثائر قد نقل إلى مستشفى الرملة بسبب تدهور وضعه الصحي قبل أيام، وكان يعاني دوخان دائم وإغماء متقطع وأوجاع في مختلف أنحاء جسده، فقامت الإدارة بنقله إلى الرملة، لتبدأ مرحلة جديدة من إضرابه.

يقول بلال:" في الرملة ألقيت بثائر حيث كان وضعه الصحي قد تدهور كثيرا ونقل إلى المستشفى قبلي، أتذكر حيث رأيته أنني نسيت كل الألأم التي شعرت وبدأت في الرملة مرحلة جديدة من الإضراب، حيث التقينا هناك بالأخت هناء الشلبي والتي وصلت إلى مستشفى الرملة بوضع صحي صعب للغاية".

وبحسب ذياب فإنه دخل بمراحل عديدة من الإضراب أولها حينما اتخذ القرار وحسم أمره بالإضراب، وثم مرحلة الجوع بعد أسبوعين من الإضراب، وبعدها يتحول إلى أوجاع وصداع وإغماء وتعب معنوي، وبعد 20 يوما يصبح ما هو أهم من الجوع والأوجاع وهو التحدي للسجان والمسؤولية والثبات على القرار.

وبحسب ذياب، فإن هذا التحدي كان يدعمه ويعززه كل معاملات السجن والسجان الممرضين الذين استخدموا كل الوسائل للضغط علينا لفك إضرابنا، كانوا يستخدمون عوامل كثيرة للضغط علينا مثل التفتيش الليلي والأكل أمامنا والتشويش علينا بحيث لم نكن نستطيع النوم ليلا، كانوا يوميا يحاولون أقناعنا بعبثية الإضراب وضرورة فكه لعدم جديه وأن ما جرى مع الشيخ خضر عدنان لن يتكرر مرة أخرى

ويقول بلال انه حتى 50 يوما كان ضباط السجن يتحدثون بلهجة التهديد والاستهزاء من إضرابهم، وبأنهم بلن يحققوا مطالب وأن إضرابهم جوع فقط، وبعد ذلك بدأ حديثهم يحمل الكثير من الأهمية والخوف والقلق، ويوفدون الأطباء واللجان الصحية والنفسية لفحص جديتهم في المضي قدما:" وحينها كنا نشعر أنهم ضعفوا أمامنا وانهم في موضع ضعف".

ويتابع بلال:" لم أكن أجادلهم بشيء، كنت قد اتخذت قرار بجانب الإضراب عن الطعام عن عدم الحديث معهم بأي شيء يتعلق بحلول وسط أما سقف الشيخ خضر عدنان بالإفراج الفوري بعد انتهاء المدة او الشهادة.

ومن أكثر ما كان يؤثر على بلال حسبما يقول، هو تعب ثائر الشديد وإغمائه المتكرر والذي كان تأثير الإضراب أكبر عليه نتيجة لمشاكل صحية كان يعاني منها في السابق: "كنا نتقاسم المعاناة والألم، حينما كان يغمى عليه أحاول قدر الأماكن التخفيف عنه بتقديم شيء معنوي بقراءة القرآن أو الدعاء له وتصبيره، لم يكن بيدي أي شيء أخر".

ويستذكر بلال في أخر أيام الإضراب حيث تعرض ثائر لإغماء شديد ولم يفلح بمساعدته ونقل إلى المستشفى:" ظننت انه استشهد، عشت دقائق من الرعب والخوف لن تتكرر في حياتي، فكرت أن كتب لي الحياة بعده كيف سأخرج حيا دون ثائر، وماذا سأقول لأبيه وزوجته وأبنته، كانت أوقاتا صعبه للغاية لم أجد فيها سوى الدعاء لله الذي منحني قوة فوق طاقتي لأتحمل المزيد".

ثمانية أيام أخيرة...

وأصعب ثمانية أيام في إضراب الأسير بلال كانت الأخيرة والتي قضاها في مستشفى أساف هاروفيه، حيث تدهورت صحته بشكل كبير وكان طوال الوقت مكبل اليدين والرجلين على السرير، وكانت إدارة السجون خصصت أربعة ضباط اقاموا بشكل كامل بالقرب منه، كانوا يفعلوا كل ما يستطيعون لمضايقتي حيث يأكلون كل أصناف الطعام، ويشوشون علي طوال الوقت، 8 أيام لم أنم فيها ليله واحدة ولم يكونوا يفكوا قيدي حتى للصلاة".

ورغم تعبه الشديد، إلا أن ذلك لم يمنعه من الاحتجاج على هذا الوضع فأعلن إضرابه عن الماء ليوم واحد وذلك في اليوم 77، حيث أجبر إدارة السجن بعدها على نقله إلى سجن الرملة، والذي رفض استقباله إلا على مسؤولية الشاباك في حاله استشهاده، يقول: في ذلك اليوم تدهور وضعي الصحي للغاية، بدأت استفرغ مادة صفراء، و لم أعد أقدر على الرؤية جيدا، وأصبحت أرى خيال وصور لأموات و قبور، وظننت أنني اموت، سمعت الطبيب يقول لي انه بناء على التقارير الطبية لم يبق لي سوى أربع ساعات و افقد حياتي في أيه لحظة، شعرت حينها بخوف شديد، وطلب مني أن أتلقى حقنة من المقويات لإنقاذ حياتي".

ويتابع:" لم أكن قادرا على التركيز ولكن عقلي كان يقول لي لا تقبل، وبعد إلحاح الطبيب، طلبت منهم رؤية أهلي لأخذ الأبرة، ولكن الأمر كان صعبا وخاصة أنه لم يكن هناك وقت كافي، فطلبت أن أتكلم معهم هاتفيا وبعد دقيقتين كانت الموافقة وبالفعل تحدثت معهم".

اليوم الأخير... الأصعب

بعد هذا اليوم كان يوم الاتفاق حيث اجتمع الأسرى المضربين عن الطعام "الخمسة الإداريين" بلال، ثائر حلاحل، حسن الصفدي وجعفر عز الدين، مع ممثلي الأسرى والمحامي وطاقم المفاوضات من الصهاينة، وحينما طلب من بلال الحديث طلب خروج الضباط وأصر على التحفظ على رأيه وعدم الكلام حتى خروجهم، وبالفعل خرجوا.

في بداية الاجتماع رفض ذياب قبول الاتفاقية وخاصة لعدم وجود توقيع خطي، إلى أن قبل بذلك وخاصة بعد إعلان حلاحلة عدم فك إضرابه إلا معه، والذي لم يبق له على اعتقاله سوى أيام، واستمرار اعتقاله كان يهدد حياته.

وعن لحظة فك إضرابه يقول:" رفضت أن أفك إضرابي بعد الحديث مع أهلي، وحينها شعرت بفرحه لن تتكرر، لحظة حديثي مع والدتي من قلب العيادة المستشفى وسمعت زغرودة امي وهي تقول لي ألف مبروك يا بلال، كل ذلك أمام ضباط يمثلون أجهزة الأمن جميعها في دولة الاحتلال ...شعرت فعلا اننا انتصرنا على "إسرائيل".