خبر «نموذج» إسرائيلي للتنبؤ بنتائج الانتفاضات العربية.. حلمي موسى

الساعة 04:37 م|15 ابريل 2013

أشغلت انتفاضات «الربيع العربي» العالم أجمع سواء لما أثارته من آمال أو أوقعته من إحباطات ينتظر أن تترك أثرها الواسع على الأحداث اللاحقة. ويمكن القول إن هذه الانتفاضات أشغلت إسرائيل أكثر من سواها لما تعتقده من أن المفاجأة التي نشبت بها تدخل في نطاق المفاجآت التي تحمل تغييراً استراتيجياً هائلاً. والواقع أن رد الفعل الإسرائيلي الأول على الانتفاضات العربية تراوح بين المفاجأة والاستخفاف. فعلى الصعيد الشعبي سرعان ما انطلقت في تل أبيب حركة احتجاج شعبية حاولت استلهام شعارات الانتفاضة العربية، خصوصاً المصرية. وعلى الصعيد الرسمي بذلت حكومة اليمين جهداً كبيراً لمطالبة العالم بعدم الانبهار بالانتفاضات العربية والتريث ولو قليلاً لملاحظة أنها ليست «ربيعاً عربياً» وإنما هي «شتاء إسلامي».

وأياً يكن الحال فإن الانتفاضات العربية وسقوط النظامين التونسي والمصري، على الأخص، ألهبت السجال داخل إسرائيل ليس فقط حول ما ينبغي فعله وإنما أصلاً حول كيفية التنبؤ بمستقبل هذه الحركات. ويبدو أن هذا السجال سرعان ما جرى نقله إلى العاصمة الأميركية عبر معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى؛ وهو معهد معبر بشكل كبير عن ميول أنصار إسرائيل في أميركا. وهكذا بدأ البحث عن نموذج التنبؤ بمآل التحركات الاحتجاجية في الدول العربية والذي يُخفي بين ثناياه محاولة لكشف كل مواضع قوة وضعف الأنظمة والقوى الاجتماعية والاقتصادية والأفكار السائدة في الدول العربية. ويبدو أن مركز دراسات الأمن القومي في جامعة تل أبيب أخذ على عاتقه هذه المهمة ذات الطابع الاستخباري/الأكاديمي لبلورة نموذج القياس للتنبؤ بمستقبل الحركات الاحتجاجية.

ولم يكن مفاجئاً أن يتولى هذا المركز هذه المهمة، فرئيسه، الجنرال عاموس يادلين، كان حتى وقت قريب رئيس شعبة الاستخبارات في هيئة الأركان العامة الإسرائيلية، كما أن المركز يخدم كـ«خزان تفكير» للمؤسسة الأمنية الإسرائيلية. ولكن قد يكون من المرات القليلة أن تعمد مؤسسة بحثية لبلورة نموذج كهذا بهذه السرعة من ناحية والإعلان عنه من ناحية أخرى. وفي كل حال من المهم جداً في قراءاتنا العربية للواقع القائم وجود نموذج كهذا، قد يجري التساجل حول معاييره والنسب الممنوحة فيه لهذه المعايير. فأغلب التحليلات والمواقف التي تعرض لاستشراف المستقبل القريب لا ترتكز إلى تحليل سليم لا لمعطيات الواقع ولا إلى نموذج قياس. وهكذا تتخبط التحليلات بين من يمنح تقريباً مئة بالمئة للدور الخارجي ومن يمنح، بالمقابل، مئة بالمئة للدور الداخلي.

عموماً يشرح المؤلفان في الكتيب الذي نشراه الشهر الفائت دوافع بلورة «النموذج» بالقول إن «أهمية التغييرات في أنظمة العالم العربي وصعوبة التكهن بها تشير إلى الحاجة إلى نموذج شامل ومنهجي، يحاول تحسين قدرتنا على تقدير احتمالات استقرار النظام وتحليل إمكانيات التغيير. والنموذج المقترح يجابه التحدي ويحاول تشخيص العوامل المركزية المشجّعة أو المعرقلة على التغيير السلطوي، والدينامية بينهما».

ويسعى النموذج الذي يأخذ بالحسبان موازين العوامل الجوهرية الثلاث: الداخلية والدولية والاقتصادية ووالعوامل المعرقلة أو المشجعة إلى منح قيم وعلامات تسهل استخلاص نسبة عامة تظهر أرجحية أو عدم أرجحية استقرار النظام وبالتالي انتصار أو هزيمة الانتفاضة أو الحركة الاحتجاجية. ويشير معدّو النموذج إلى أن الخلاصة العددية تشكل «أساساً أفضل للمقارنة على مدى الزمن وبين الدول، لكن النموذج يشكل أساساً تحليلاً نوعياً للعوامل المركزية الواجب فحصها بإمعان وبعين انتقادية من جانب من يريد فحص قرص التغيير السلطوي في الدول المختلفة في المنطقة».

وبعد أن يعرض الكاتبان النموذج يحاولان تجسيد معاييره وقيمه على كل من مصر ما قبل الثورة وسوريا والسعودية وإيران راهناً. ويكشف النموذج افتقار النظام المصري للاستقرار قبل الثورة حيث نال 58 علامة والتي تعتبر ما بين متدنية إلى متوسطة. ويظهر النموذج أيضاً أين أخفق الأكاديميون ورجال الاستخبارات في تقدير مدى استقرار النظام المصري السابق. ولكن بين أبرز ما أظهره النموذج تشديده على العوامل التي شكلت خطراً محتملاً على استقرار النظام وفي مقدمتها قلة عزم الجيش على قمع الاحتجاجات.

وبحسب النموذج المنشور فإن الصراع في سوريا يبدو وكأنه في نقطة «تعادل» حيث تقترب العلامة أيضاً من 58 وهي نقطة تحول، لأن النظام موجود، ولكنه عاجز عن استعادة الاستقرار. ويعتبر النموذج أن الوضع في سوريا يحتاج إلى تغيير داخلي (مثلاً في ولاء الجيش) أو خارجي (تدخل دولي) لزعزعة قاعدة استقرار النظام. ومن دون هذا التغيير قد تطول وقد تتعمق الحرب الأهلية في سوريا.

وتشير القراءة اللاحقة لتجسيدات النموذج على الوضع في كل من السعودية وإيران إلى امتلاك النظامين علامة 80 للأولى و77 للثانية في ما يوحي بضآلة احتمالات حدوث تغيير جوهري. وحسب التحليل فإن السبب الأساس هو الافتقار إلى معارضة جوهرية يمكنها تجيير عدم رضا السكان وإلى وجود نخبة دينية هامة موالية للحكم. ولذلك فإن التقرير يعتبر أن النظامين في هاتين الدولتين هو العدو الأكبر لنفسه. ويرى أنه إذا أفلح النظامان السعودي والإيراني في الحفاظ على وحدتهما الداخلية فإن بوسعهما مواجهة التحديات المحتملة في المستقبل القريب. وإذا لم يفلحا في ذلك فقد ينتجان انتعاشاً ثورياً، يغير الظروف في الدولة الأمر الذي يستدعي حينها تغيير تقدير استقرار النظام. ويرى التقدير أن الأزمة الاقتصادية والضغوط الدولية أشد وقعاً على إيران من السعودية.

عموماً يحاول النموذج أن يشكل أداة توجيه منهجية للمحلل والمراقب الإسرائيلي لما يراه من خطر لهذه الأحداث على الأمن القومي الإسرائيلي وعلى السياسة الإسرائيلية عموماً.