خبر والقلب في القدس- يديعوت

الساعة 08:55 ص|14 ابريل 2013

بقلم: سمدار بيري

        طلبت إلي كارمن فينشتاين، رئيسة الطائفة اليهودية في القاهرة ذات مرة أن أعلمها كيف ندعو الله من اجل سلامة دولة اسرائيل. "ماذا ستفعلون بهذا؟" قلت محققة بلغة توبيخ، "فالمخابرات تنصت وتعلم في كل لحظة أين توجدين. ولا تستطيعين ان تبيحي لنفسك على ارض مصر ان تباركي دولة اسرائيل".

        "سأدعو الله في صمت"، وعدت، وعادت فورا الى الصحوة. "ينبغي ألا يكون مكان للخطأ فأنا أولا مواطنة مصرية "حتى النخاع" وأنا يهودية في المكان الثاني فقط، لكن يجوز ان ندعو الله لسلامة الجيران"، قال لي في غمز. "أليس كذلك؟".

        أمس توفيت فينشتاين في سن الثانية والثمانين في الشقة التي تسكنها في حي الزمالك. وهي امرأة شديدة البأس ومعقدة حملة على كاهليها الى شهور حياتها الاخيرة الطائفة الضئيلة واستطاعت الى قُبيل موتها ان تتابع ترميم الكنيس الصغير في حي المعادي وان تستحث العمال. فلو أنك قلت يهود مصر لقلت في نفس الوقت كارمن فينشتاين.

        التقيت بها آخر مرة قبل تنحية الرئيس مبارك بأيام معدودة. وكانت تدير في جد مراسم مؤثرة لافتتاح المعبد المسمى باسم الرمبام (موسى بن ميمون). وقامت متثاقلة على رجليها عند مدخل "حي اليهود" القديم وأشارت الى ضباط الامن المحلي تُعلمهم من هم مدعووها ومن يجب ان يُبعدوه عن الحفل.

        لم تبق في تلك المراسم عيون جافة. واستطعت ان أتعرف على اعضاء الطائفة اليهودية التي عرفت قبل ذلك سنين مجيدة. بقي فقط 22 امرأة واربعة رجال أي أنهم لا يكفون حتى لصلاة الجماعة، وعشرون حاضرا آخر. ولد هؤلاء يهودا واختاروا الذوبان في زواج مختلط لكن القلب يقودهم في أعياد اسرائيل الى مكان الاجتماع في القاهرة والاسكندرية. وتضع النساء على وجوههن خُمر المسلمين من اجل أمنهن.

        عرفت كارمن ايضا من اختاروا الابتعاد عن الطائفة. وهبت للمساعدة حينما دُفعوا الى ازمة اقتصادية أو تورطوا مع السلطات. وكانت تتنقل بين الأرامل وكانت مشاركة في العمليات السرية لتهجير الجيل الشاب الى اسرائيل. وقد طلبت إلي في يوم من الايام أن أعلمها صلاة الجنازة عندنا على ضحايا الجيش الاسرائيلي. فسألت متعجبة. "أمرة اخرى؟". وأبرزت أمامي أصابع يدها اليمنى الخمس ملوحة بها ووضعتها فوق القلب. "سيكون ذلك بيني وبين نفسي"، أقسمت. "فمن ينصت ايضا لن يستطيع أن يسمع".

        استطاعت ان تحتفل بليل الفصح الاخير في الكنيس الكبير في وسط القاهرة الذي أحاط به حزام ثخين من الحرس. وكان هناك سفيرة الولايات المتحدة وثلاثة دبلوماسيين كبار من اوروبا، والحاخام الذي جاء من فرنسا بصورة خاصة. لم يعد للاسرائيليين موطيء قدم ولا يوجد سياح يهود ومع ذلك توجد موائد مليئة بطعام العيد وهي المطاردة بالمحاكم التي بُرئت منذ قريب من القضايا المتشعبة المتعلقة بأملاك الطائفة اليهودية. إنها امرأة عجوز شديدة البأس تشرف على جماعة تحذر جدا في دولة انتقلت الى حكم الحركة الاسلامية.

        وجدت مصدر عيشها في دار النشر العائلية. وكانت تأتي الى القدس في احيان نادرة بحجة العلاج الطبي. وقللت الظهور عندنا وحذرت ألا تتأثر ورجعت من غير ان تثير انتباها. واختفت قبل سنتين في ذروة دعوى قضائية. وأصرت وسائل الاعلام في القاهرة على ان رئيسة الطائفة اليهودية استسلمت وفرت. لكنها عادت الى القاهرة واستأجرت محامين وخرجت للنضال. وقالت لكل من هاتفها ليهنئها بالعيد الاخير في صوت متعب "إنتصرنا".

        نامي في سلام يا كارمن. فقد انتهت شجارات حياتك. ويا لمبلغ رمزية أنك توفيت قُبيل يوم ذكرى الدولة التي تطلعت اليها واقتربت بصورة خاطفة وروضت نفسك على الابتعاد ولم تستطيعي حتى ان تتجرئي على الدعاء لله من أجلها.