خبر الفلسطينيون يتوقعون صيفاً جافاً آخر شحيح المياه بسبب سيطرة اسرائيل

الساعة 05:04 م|13 ابريل 2013

وكالات

نشرت صحيفة "هآرتس" الاسرائيلية اليوم السبت على موقعها الاليكتروني تحقيقاً اعدته الصحافية عميرة هاس عن معاناة الفلسطينيين في الضفة الغربية من نقص المياه التي يستهلكون منها سبعين ليترا للفرد يوميا بينما يستهلك كل فرد اسرائيلي داخل الخط الاخضر ما معدله 300 ليتر يوميا، اي اربعة اضعاف نصيب الفلسطيني. وهنا نص التحقيق:

"على عمق بعيد تحت الخط الساحلي الاسرائيلي وجبال الضفة الغربية تتدفق مياه جوفية جيئة وذهاباً في احواض صخرية طبيعية قديمة من دون اعاقة نتيجة للحدود، او الحواجز او نقاط التفتيش التي تفصل الاسرائيليين عن الفلسطينيين. وفوق الارض، يسيل الماء العابر للحدود، والذي تسيطر عليه اسرائيل بصورة رئيسية، من الحنفيات الاسرائيلية طوال السنة، ولكنه لا يسيل من حنفيات الفلسطينيين في الضفة الغربية الا في بعض الاوقات. ويتوقع ان تبدأ حالات نقص المياه في البلدات والقرى الفلسطينية في الاسابيع المقبلة، مع ارتفاع حرارة الجو.

من يملك، ويستطيع ان ينتفع من، المياه المشتركة في الاحواض الثلاثة الجوفية لنظام المياه الجوفية تحت الجبال والحوض العلوي لنهر الاردن؟ هل يتقرر ذلك حسب نقطة الدخول ام نقطة الخروج، ام اتجاه تدفق المياه، ام هي سابقة الاستخدام في ما قبل حرب 1967 التي تقرر الملكية؟ بالنظر الى ان مفاوضات الوضع النهائي الفلسطينية-الاسرائيلية لحسم مثل هذه المسائل لم تتم بعد، فقد اطلقت مجموعة المياه وشؤون الصحة والنظافة العامة – وهي ائتلاف من 28 منظمة دولية غير حكومية تعمل محليا في مشاريع فاسطينية متعلقة بالماء والصحة العامة – عدة حملات لزيادة الوعي بحالات نقص المياه في الضفة الغربية. ولم يكن التحدي الصيفي الذي اعلنته هذه المجموعة التي تعرف اختصاراً بـ"ايواش" السنة الماضية تحديا مسرحيا مثل دعوة ممثل هوليوود مات ديمون في الآونة الاخيرة الى مقاطعة المراحيض الى ان تنتهي ندرة المياه على الصعيد العالمي، ولكن طُلِب من المشاركين اجراء تضحيات.

وبمساعدة المنظمات الشريكة لها، خصوصا تحالف اطفال الشرق الاوسط في سان فرانسيسكو، وقعت "ايواش" مع 130 متطوعا ومتطوعة من الولايات المتحدة وكندا وسبع دول اوروبية على تعهدات بان يقصروا استهلاكهم للمياه على 24 ليترا للفرد في كل 24 ساعة. ويحصل فلسطينيو الضفة الغربية على ما معدله نحو 70 ليترا من الماء للفرد في اليوم، بالرغم من ان توافره قد يقتصر في بعض المناطق على 15 ليتراً، اعتماداً على الموسم. ويتباين هذا مع استطاعة المواطنين الاسرائيليين داخل الخط الاخضر او في تجمعاتهم في الضفة الغربية الحصول على نحو 280-300 ليتر لكل شخص في اليوم على مدار السنة، وفقا لمنظمات حقوق، ومنظمات مياه غير حكومية وسلطة المياه الفلسطينية.

لم ترد سلطة المياه الاسرائيلية على طلبات متكررة من "هآرتس" لتأكيد الارقام والتعليق على حالات نقص المياه في الضفة الغربية.

وتراوح الذين تطوعوا للحد من استخدامهم للماء ما بين طلبة جامعيين ومتقاعدين، ومن بينهم رجال دين مسيحيون، ونشطاء يهود في مجالي البيئة والعدالة الاجتماعية، وقد جندتهم منظمات المياه المشاركة، عبر البريد، وبالتوصية الشفوية، وعن طريق وسائل التواصل الاجتماعي. وقالت عاملة المصنع شبه المتقاعدة جنيفر اسرائيل، 52، من كاليفورنيا، ان 25 ليترا كانت الحد الادنى الذي امكنها استخدامه، مع انها تخلت عن الاستحمام بالدوش وطلبت من احد افراد عائلتها ان يعتني بحيواناتها وحديقة خضارها. وقد استخدمت 14 ليتراً لتنظيف المرحاض مرتين، وتسعة ليترات لتنظيف معدات حلب ماعزها، وليترين للشرب، وغسل اليدين، واعداد الطعام وتنظيف الاسنان بالفرشاة.

اليانور روفمان، 69، وهي استاذة علم نفس واستشارات في جامعة ليزلي في مساتشوسيتس، قالت انها اضطرت للتخلي عن دوشها اليومي، وغسيل ملابسها وصحونها. وقالت روفمان واسرائيل انه كان بالامكان تدبر الامور بتلك الكمية – ولكن فقط لان الامر اقتصر على يوم واحد فقط. وقال موظف شركة التأمين فرانسيسكو بنزو، 39، من البندقية في ايطاليا ان التجربة جعلته يقرر الحد من استخدامه للماء كل يوم والعمل للمساعدة في زيادة الوعي بشأن معاناة (اهالي) الضفة الغربية.

قال بنزو لـ"هآرتس": "في ايطاليا يمكنني ان اختار تقليل كمية الماء التي استخدمها (ولكن) الفلسطينيين لا خيار لهم".

والواقع ان جولييت بنورة، 34، وهي ام لتوأمين عمرهما سنتان في بلدة بيت جالا الواقعة في منطقة بيت لحم بالقرب من القدس، تخشى مجىء ايام الصيف الطويلة التي يشتد فيها الحر وتجف الحنفيات.

وقالت بنورة: "كل سنة اسوأ من التي قبلها. في بعض الاحيان تتوقف المياه لـ10 او 15 او 20 يوماً، واحياناً لشهرين. لا يمكنك ان تعرفي".

وقالت بنورة انه لا يوجد في الصيف من الماء ما يكفي الا لغسل طفليها مرتين في الاسبوع اذا اشترت ماء قوارير وتخلت عن ري حديقة خضارها وغسل بلاط منزلها. وقالت ايضاً ان عائلتها تستيقظ في كثير من الاحيان في الثانية او الثالثة صباحاً لتفقد ان كان الماء جارياً من اجل غسل الملابس او ري النباتات. ولكن بنورة تعتبر نفسها محظوظة، مقارنة بكثير من جيرانها الفلسطينيين. وقالت: "والداي- في بيت ساحور حيث نشأت، في الجانب الآخر من بيت لحم – عندهم بئر. آخذ غسيلي الى منزل والدي واستحم هناك، ولكن مرة في الاسبوع فقط، حتى لا ينفد ماءهم ايضاً".

كثير من البيوت في الضفة الغربية توجد على اسطحها خزانات لجمع المياه لاوقات النقص. وعندما تفرغ هذه بسرعة، يملأ اصحابها خزاناتهم الفارغة بمياه باهظة الثمن وليس من المأمون بالضرورة شربها، تجلبها الحكومة او صهاريج خاصة. ويعتمد الفلسطينيون الذين لا توجد لديهم انابيب ماء او بنية تحتية – وبالتالي لا توجد عندهم قدرة على الاتصال بشبكة مياه – على جمع مياه الامطار وشراء امدادات، اذا استطاعوا تحمل كلفتها.

على بعد كيلومترات قليلة عن بيت لحم، في مستوطنة "روش تزوري" اليهودية، قالت يائيل صامويلز، 36، وهي ام لخمسة اطفال ان الحمامات وغسل الملابس في الصيف هي جزء من الحياة اليومية للعائلة. وقالت صامويل منزعجة عندما علمت ان جيرانها الفلسطينيين ليس لديهم حرية وصول غير محدود للمياه، ان العائلات "لا يمكنها ان تكون بلا ماء في الانابيب"، واضافت ان "المشكلة الوحيدة عندنا هي الضغط اذا ما استحم اكثر من شخص في الوقت نفسه".

وقال عطا، رئيس مجموعة الدعاية في"إيواش" في الضفة الغربية ان "اسرائيل وافقت على بيع كميات من الماء للفلسطينيين، ولكن ضمن مقاييس حددتها.. ولا تزيل هذه الكميات المصاعب التي تواجه المشكلة. كما ستقوم اسرائيل ببيع مياه زراعية اعيدت تنقيتها وخضعت للمعالجة الى المستوطنات (اليهودية) باسعار اقل كثيرا من اسعار مياه الشرب. ولا يتمتع الفلسطينيون بهذا الخيار".

عدم تكافؤ القوةسيطرت اسرائيل على معظم مصادر المياه الرئيسية الجوفية في الضفة الغربية منذ العام 1967. وقد خُصصت كميات معينة بموجب اتفاقية اوسلو الثانية للعام 1995 للفلسطينيين في الضفة الغربية، وجاء ذلك عل اساس الاستعمال السنوي التقديري وما يتوقع استخدامه مستقبلا. واعتبر ديفيد فيليبس، استشاري المياه الدولية عبر الحدود، الذي يقدم المشورة للمفاوضين الفلسطينيين، ان اتفاقية اوسلو قد انتهى مفعولها في العام 2000، وانها كانت دوما غير متوازنة.

وفي رسالة بالبريد الالكتروني كتب فيليبس لصحيفة "هآرتس" من افريقيا ان الفلسطينيين وقعوا الاتفاقية "بسبب عدم تكافؤ القوة في منتصف تسعينات القرن الماضي، مضافا اليه فشل الوسطاء الاميركيين في المطالبة بمزيد من النتائج المتكافئة". وحث اسرائيل على "التفاوض بحسن نية مع الفلسطينيين للوصول الى مخصصات متعادلة ومعقولة من المصادر المشتركة للمياه الصالحة للشرب، مع اخذ اي مصادر مياه اخرى تقع تحت سيطرة اي من الطرفين في الاعتبار".

وتصل المياه الى الفلسطينيين في الضفة الغربية اليوم عبر شبكة تسدد ثمنها سلطة المياه الفلسطينية، وثلثا هذه المياه تأتي من مياه عبر الحدود تضخها اسرائيل. اما الباقي فيأتي من المصادر المحلية، بما في ذلك الابار التي توفر مقدارا محدودا للغاية.

ويعرب الفلسطينيون الذين يجب عليهم الحصول على موافقة اللجنة الفلسطينية الاسرائيلية المشتركة لغايات البناء او لاصلاح البنية التحتية للمياه، عن تذمرهم بسبب رفض مطالبهم، او تأخيرها لسنوات، لان الاسرائيليين يتعللون بالامكانيات لرفض الطلبات. وبالنسبة الى الفلسطينيين الذين يعيشون تحت الحكم الاسرائيلي الكامل في المنطقة "سي"، فان هناك بنية تحتية غير مناسبة، ولا بد من الحصول على موافقة لجنة المياه المشتركة و(ما يسمى) ادارة الحكم المدني الاسرائيلية (سلطة الاحتلال) لاستلام تصاريخ بناء ابار او صهاريج (راجع مقال عميرة هاس عن "عدم تكافؤ السيولة"، في النشرة الانكليزية من هآرتس، بتايخ 4 نيسان (ابريل) 2013).

وقد اتهم الفلسطينيون ومجموعات الحقوق اسرائيل بانها لا تلتزم بالقانون الدولي الانساني، بما فيه الاعلان العالمي لحقوق الانسان ومعاهدة جنيف الرابعة، المادة 27، في ما يتعلق بمعاملة الافراد الذين يعيشون تحت الاحتلال باساليب انسانية وبلا اجحاف. وأشير الى المعاهدة الدولية لمسرى المياه لسنة 1997 التي لم توضع بعد موضع التنفيذ، كاطار للمشاركة في مصادر المياه عبر الحدود، على اساس مبدأ الافادة المتعادلة والمعقولة والادارة المشتركة.

ويطالب مسؤولون فلسطينيون والمنادون بحقوق الانسان والمياه بكميات كافية من الماء لتلبية الاحتياجات الشخصية والزراعية، والادارة المشتركة، وحرية تنقل شاحنات المياه في الضفة الغربية، ووضع نهاية لعمليات تدمير او رفض تصاريح بناء الابار والصهاريج والانابيب. وكانت اسرائيل قد دمرت 36 صهريجا لمياه الامطار في الضفة الغربية في العام 2012، حسب مكتب الامم المتحدة للتنسيق والشؤون الانسانية. وتتهم الادارة المدنية في اسرائيل الفلسطينيين بانهم اقاموا بنية مياه تحتية من دون الحصول على تصاريح، بينما يتهم الفلسطينيون اسرائيل بانها تمتنع عن اصدار التصاريح. وفي تقرير للعام 2012، اقرت سلطة المياه الفلسطينية بوجود ابار غير مشروعة في الضفة الغربية، لكنها تقول انهه بينما تحاول ان تمنع الاهالي من حفر الابار، فلا بد من الاقرار بانها ضحلة، ولا تتصل بالمياه الجوفية للمصادر عبر الحدود.

وقال شيمون تال، مفوض المياه الاسرائيلي، ان الفلسطينيين والاسرائيليين ظلوا يقفون ندا لند منذ العام 2000 الى العام 2006، لانه بينما يتطلع الفلسطينيون الى القانون الدولي لايجاد حل لهذه المضلة، فان اسرائيل تستند الى ترتيبات مشاركة المياه في اتفاقية العام 1995. واعترف تال مع ذلك ان الاتفاقية لا تنص على توفير "ما يكفي من المياه للفلسطينيين، لان هذه الاتفاقية انما تم التوصل اليها لتظل سارية المفعول لما لا يزيد عن خمس سنوات، وقد مضى عليها الان 20 عاما. وتقوم اسرائيل بتوفير كميات اكثر مما هو مطلوب منها، حسب الاتفاقية، لكن الوضع في الضفة الغربية ليس جيدا".

واقترح تال ان يتخذ كل جانب خطوات للتلاقي مع الاخر في منتصف الطريق، وشرح ذلك بالقول ان "قضية المياه قضية سياسية، ولكنها مع الاسف متصلة بقضايا (الوضع النهائي) الاخرى". واضاف "ادعو الفلسطينيين الى التركيز على الحلول العملية لحل جزء من المشكلة، بحيث لا يشعر اي الطرفين انه يتخلى عن مبادئه. لكن الفلسطينيين يعودون للحديث عن حقوق المياه، واعتقد ان حقوق المياه لن تُحل الا بعد التوصل الى الاتفاق النهائي. وفي نهاية المطاف، فان الفلسطينيين سيحصلون على المزيد بينما سيحصل الاسرائيليون على كميات اقل. من ناحية اخرى، فان مصادر المياه ليست كافية، وعلينا ان نفكر بمصادر مياه اضافية".

ويقترح تال ان احد الحلول الموقتة هو تمكين الفلسطينيين من بناء نظام مائي على اساس التحلية في شمال الضفة الغربية قرب جنين، وهو ما لا يمكن تحقيقه الا بتعاون اسرائيل في مسألة التصاريح واموال المتبرعين.لكن سلطة المياه الاسرائيلية، التي رفضت الحديث مع "هآرتس" بشأن هذا الموضوع، قالت ان تقرير العام 2009 يقول ان الفلسطينيين يركزون على القانون الدولي وعلى "العوامل الجغرافية والهيدرولوجية" ولا يأخذ في الاعتبار ان اسرائيل استخدمت طبقات المياه الجوفية في الضفة الغربية قبل حرب 1967، فيما عرف في القانون انه "مبدأ المحافظة الاستخدام الحالي للمياه".

كما جاء في التقرير ان "اقتراح حل مشكلة النقص في المياه للفلسطينيين بمفاقمة ندرة المياه الاسرائيلية أمر غير مقبول بالمرة. ويجب السعي وراء حلول واقعية وعادلة ومنصفة من دون غيرها".

ويوم الجمعة 22 آذار (مارس) وهو يوم المياه العالمي، قامت "إيواش" بجمع اكثر من 200 متطوع لزيارة المناطق الفلسطينية في شمال غور الاردن الذي يعاني من النقص في المياه.

وقال أليكس ابو عطا ان هناك، في قرية الحديدية، "20 ليتر من المياه لكل شخص في اليوم، مقارنة بالمستوطنة اليهودية المجاورة روئي، حيث يستخدم كل فرد 431 ليترا كل يوم، حسب مؤسسة بيتسيليم. اذ قامت اسرائيل بحفر بئر في الارض التي تقول الحديدية انها من ممتلكاتها منذ الحكم العثماني، لكن المياه تُخصص حصرا لاستعمال روئي".

وحسب قول الدكتور كلايف ليبشين، مدير معهدا أرافا للدراسات البيئية في مركز ادارة المياه عبر الحدود، لصحيفة "هآرتس" فانه في الوقت الذي تعمد فيه العائلات الفلسطينية في انحاء الضفة الغربية التي تتدفق فيها مياه الامطار للتعويض عن النقص في المياه من الحنفيات بتعبئة خزاناتهم، فان ذلك، رغم بعض التعاون بين الاسرائيليين والفلسطينيين لايجاد حلول تقنية للازمة، "لم يظهر في شكل سياسة اقليمية للمياه عبر الحدود لازمة لادارة المياه بصورة اكثر عدالة".

وقال ليبشين "يجب تلبية احتياجات الفلسطينيين من المياه، من دون الحاجة للانتظار حتى التسوية النهائية".