خبر مستقبل حركة « حماس » بعد إعادة انتخاب مشعل ..د. نادية سعد الدين

الساعة 10:00 ص|13 ابريل 2013

جرت انتخابات رئيس وأعضاء المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية "حماس"، خلال اجتماع مجلس شورى الحركة، الذي عقد في القاهرة مؤخرا، وسط اهتمام فلسطيني وإقليمي ودولي غير مسبوق، وتحديات داخلية وخارجية، دخل بعضها في حساب التقدير الانتخابي، بينما تطل أخرى برأسها أمام قيادة الحركة في المرحلة المقبلة.

الانتخابات، التي أنجزت للمرّة الأولى، في ظل أجواء الحراك الثوري العربي، والمتغيرات الجارية بالمنطقة، لم تسفر نتائجها عن جديد على المستوى القيادي، على الأقل، حيث كانت المؤشرات المسبقة ترجح إعادة انتخاب خالد مشعل رئيساً للمكتب السياسي للحركة لأربع سنوات قادمة، برغم إعلان عدم ترشحه لولاية جديدة. إلا أن ضغوطاً داخلية وعربية وإقليمية دفعت باتجاه تراجعه عن القرار، بينما وقع التجديد في عضوية المكتب السياسي بانتخاب أعضاء جدد وخروج آخرين من صفوفه.

وإذا كانت إعادة انتخاب مشعل تشي، في أحد تجلياته، بغلبة تيار الاعتدال "الحمائم" على تيار "الصقور" المتشدد داخل الحركة، غداة خلافات حادة طفت على سطحها أخيرا، وأبرزت خطاباً متمايزاً بين قيادتي الداخل والخارج، مسّ رؤيتها الاستراتيجية تجاه إدارة الصراع العربي ـــــ الإسرائيلي، وقارب موقفها من الثورات العربية، والتفاعلات المرتبطة بها، ودخل في صلب نظرتها للمصالحة الفلسطينية، التي فجرّت أحد اتفاقاتها مواطن التباين، مما تسبب في تأجيل اجتماع حماس أكثر من مرّة، إلى جانب حسابات داخلية وخارجية أيضاً، فإن ذلك كله بقدر ما ألقى بظلاله على نتيجة الانتخابات، فإنه يرسم معالم خطى الحركة للمرحلة المقبلة، ويخلق أنماطاً مغايرة من التحديات والفرص أمامها، تتنقل بين ملفات المصالحة والمفاوضات والعلاقات الإقليمية والدولية، إزاء مسار تحولي بديناميات متغيرة لم تستقر ملامحها في المنطقة بعدْ، وأوضاع متدهورة في الأراضي المحتلة مرشحة للتصعيد، في ظل حكومة إسرائيلية يمينية استيطانية متطرفة.

دورة حماس الجديدة

حظيت الانتخابات الداخلية الأخيرة لحركة حماس باهتمام فلسطيني وإقليمي ودولي غير مسبوق، منذ انطلاقتها في عام 1987، وذلك بفعل حساسية المرحلة، وحالة المتغيرات الإقليمية الجارية بالمنطقة، ووزن الحركة المحلي والإقليمي، والاهتمام الدولي بدورها السياسي المفترض على المدى المنظور، مقابل سعي الأخيرة لتعزيز الاعتراف بها لاعباً مهماً في المشهد السياسي العربي، ومكوناً مؤثراً في الحقل الوطني الفلسطيني، على وقع ما أفرزته الثورات العربية من ثقل انتخابي إسلامي حاكم في كل من مصر وتونس (بالشراكة مع قوى أخرى وإن ظلت له القيادة)، وليبيا (بطريقة مختلفة)، مما أذكى أنماطاً مغايرة من التحديات والفرص غير مسبوقة، أمامها، عبَّرت عن نفسها، تأثيراً وإرهاصاً، في مفاعيل الخطاب، ونطاق الحراك الخارجي والوضع الداخلي، وفي محددات التعاطي معها، مثلما أوجد مناخاً حركيًّا وعلائقيًّا أكثر رحابةً وتنوعاً وانفتاحاً بالنسبة لها.

ووسط تلك الأجواء المغايرة للسابق، عقد مجلس الشورى، الذي يعدّ أعلى سلطة في الحركة، وبمثابة برلمانها العام، اجتماعه مؤخرا في القاهرة، لاختيار أعضاء المكتب السياسي، بينما كانت المؤشرات والدلائل تتجه منذ فترة لتجديد رئاسة مشعل للمكتب السياسي، برغم إعلانه في وقت سابق عن نيته عدم الترشح لرئاسة الحركة مجدداً، ولكن الضغوط الداخلية من أعضاء الحركة، وكذلك الخارجية، لاسيما من مصر وقطر وتركيا، دفعت باتجاه تراجعه عن القرار، والاستمرار في منصبه.

وقد تأجلّ البتّ في موضوع الانتخابات الداخلية للحركة أكثر من مرّة، لأسباب تعزوها الحركة إلى الترتيبات الداخلية، والأوضاع الخاصة بالضفة الغربية وفي المنطقة. إلا أنه لا يمكن هنا إسقاط تأثير الخلافات التي تراكمت بين صفوف الحركة، منذ خطاب مشعل في حفل توقيع اتفاق المصالحة في القاهرة، في أيار (مايو) 2011، عند إعطائه المجال للمفاوضات مع الاحتلال لمدة عام، والأخذ بدولة فلسطينية على حدود عام 1967، ومن ثم القبول بالمقاومة الشعبية، "بدون إسقاط المقاومة المسلحة حقًّا مشروعًا للشعب الفلسطيني لمناهضة الاحتلال".

وقد تفاقم الخلاف غداة توقيع اتفاق الدوحة بين الرئيس محمود عباس ومشعل برعاية قطرية في شباط (فبراير) 2012، إذ اعترضت عليه بعض قيادات الداخل، معتبرةً أن مشعل لم يحصل على تفويض من الحركة لتوقيعه، وأعلنت رفضها لما جاء في بنوده، لا سيما الشق المتعلق بقيادة عباس لحكومة التوافق. إلا أن تمتُّع "حماس" بالتماسك التنظيمي، وآلية صنع القرار، سمح لها باجتياز تنافس الرؤى الداخلية، مما جعل الآراء المفسِّرة لمواقفها الأخيرة تستبعد حدوث "تحول في استراتيجية الحركة لإدارة الصراع"، وإنما عدَّها "خطابًا مرحليًّا ينمُّ عن قراءة واقعية للمعطيات، وتوازنات القوى الدولية"، لم يمس ثوابت الحركة باعتماد المقاومة المسلحة لتحرير كامل فلسطين، وعدم الاعتراف بالكيان الإسرائيلي.

وقد ألقى ذلك بظلاله على مسار العملية الانتخابية الأخيرة، بدون أن تؤثر في نتيجتها، حيث يعتقد غالبية أعضاء الحركة بأن مشعل الأنسب في هذه المرحلة أمام المتغيرات الجارية في المنطقة، ووضع الحركة الحرج، في ظل ما يتمتع به من شخصية معتدلة، ونمط تفكير، ومنهج قيادة تنسجم مع المتغيرات الإقليمية والدولية، وشبكة علاقات واسعة مع أطراف مهمة على المستويين الإقليمي والدولي، فضلاً عما يمتلكه من كاريزما قيادية قادرة على حسم الكثير من القضايا التي تحتاج للمعالجة، لاسيما ملف المصالحة، الذي وعد بالالتزام بها، وتجسيدها عملياً لإنهاء الانقسام، وتحقيق الوحدة الوطنية. ومن شأن التجديد لمشعل تعزيز المحور المعتدل داخل حركة حماس الذي سيعكس نفسه في لغة وماهية التعاطي مع الملفات الشائكة التي تواجه الحركة، وسيعزز من مكانتها على المستويين العربي والإقليمي، ومن علاقتها على المستوى الدولي.

التحديات المطروحة

رغم ما حملته ثورات التغيير من دعم وتأييد لحركة "حماس"، انعكس في استحقاقها الانتخابي الأخير، لاسيما بعد صعود الإخوان المسلمين إلى الحكم في مصر، كما في تونس، وتحقيق الإسلاميين ثقلاً انتخابيًّا في بلدان مجاورة، كما في اليمن والمغرب، بما أكسب الحركة فضاءً استراتيجيًّا عربيًّا وإقليميًّا، ومساحة تحرك رحبة، ومجالاً فسيحًا لاجترار أصولها المرجعية ضد الاحتلال، وسندًا قويًّا لتعزيز الاعتراف بها لاعبًا مهمًّا في المشهد السياسي العربي، ومكوناً مؤثراً في الحقل الوطني الفلسطيني، فإنها، أيضاً، جرّت تبعات ثقيلة ستشكل أبرز التحديات التي ستجابه حماس في المرحلة القادمة.

ويقف في مقدمة تلك التحديات الإشكالية القائمة في العلاقة مع مصر، والتي تظهر في تدمير الأنفاق، في ظل الحصار المفروض على قطاع غزة، وتعرض "حماس" لحملة سياسية وإعلامية مصرية ضخمة، تصل حد إلى توجيه الاتهام بمسئوليتها عن اعتداءات أو جرائم تصب في سياق مساعدة الإخوان المسلمين في مصر ضد المجلس العسكري، ومساعدة الرئيس مرسي وجماعته. وقد سعت حماس إلى معالجة التوتر العلائقي بين غزة والقاهرة، من خلال لقاء رئيس الحكومة المقالة، إسماعيل هنية، مع مدير المخابرات المصرية، رأفت شحاتة، الأسبوع الماضي في القاهرة لمناقشة "التزامات الاحتلال بشأن اتفاق التهدئة، وضرورة تنفيذها، وملف العلاقات الثنائية بين مصر وغزة، وتفنيد الاتهامات الموجهة لحماس بشأن جريمة رفح التي قتل فيها الجنود المصريون على الحدود"، بحسب تصريح الحركة.

فيما خلقت التفاعلات المرتبطة بالثورات العربية والتغيرات الجارية بالمنطقة تحديات أمام الحركة، ستنسحب على علاقاتها الإقليمية والدولية في المرحلة القادمة، حيث أدى إغلاق مكتب الحركة في دمشق، ومغادرتها البلاد صوب دول عربية مختلفة، وانتقال مركز قيادتها إلى قطر ومصر، إلى توتر العلاقة بإيران، وضعضعة دعمها، بما أبعدها عن "المحور الشيعي" لإيران، وسوريا، و"حزب الله" لصالح الاقتراب من مصر، والسعودية، وتركيا، لكنها تغيرات تحالفية محفوفة بالمآزق.

فرغم تقديم قطر الدعم المالي لحكومة "حماس" في غزة، بهدف تشجيعها على الابتعاد عن طهران، إلا أنها قد تقلصه أو توقفه، إذا أفشلت اتفاق المصالحة، في ظل الدعوة القطرية التي أطلقتها القمة العربية الأخيرة في الدوحة لعقد قمة عربية مصغرة في القاهرة للمصالحة، ورغم اختيار مشعل قطر مكانًا مؤقتًا لإقامته، لكنه يعلم أن أبوابها لن تفتح كليًّا، إلا إذا ارتدت الحركة ثوبًا سياسيًّا، وطرحت موقفًا جديدًا يتلاءم مع التطورات التي تشهدها المنطقة.

في المقابل، لم تتحسن علاقة "حماس" بالسعودية لدرجة تضمن الاستعاضة عن المعونة الإيرانية، عدا شكوك حلول تركيا مكانها، رغم الآمال المعلقة على ذلك، فيما ستجد "حماس" نفسها في مأزق، إذا طالبتها الرياض بتبني مبادرتها العربية للسلام (2002)، في ظل الحراك العربي الراهن لطرحها مجدداً أساساً لاستئناف المفاوضات الفلسطينية ـــــ الإسرائيلية، بما سيضعها على المحك.

وإزاء جهود الولايات المتحدة الحالية لإحياء العملية السلمية، غداة زيارة الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، للأراضي المحتلة الشهر الماضي، وزيارة وزير خارجيته، جون كيري، حالياً للمنطقة بجولة ثانية في أقل من شهر، والتي ستعقبها جولات مكوكية بين الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي من أجل استكشاف سبل فتح مسار سياسي، فإن حركة "حماس" ستجد نفسها أمام تحد أكبر حيال التعامل مع الملف التفاوضي، ضمن إشكالية تتنقل بين متلازمة المحدد العقائدي، ومقاربة المرونة، و"التكيف التكتيكي"، الآخذ بالمرحلية ومتغيرات اللحظة، دون المسّ بثوابت بنيتها الأيديولوجية الصلبة، أي بين مرجعية الحركة التي تحكم موقفها من رفض الصلح مع الكيان الصهيوني، وعدم الاعتراف بشرعيته المزعومة، وبين متطلبات المرحلة الراهنة، في ظل تأييد بعض الدول الغربية لفكرة نسج العلاقات مع حماس من أجل دمجها بالعملية السلمية، وإدخالها عنصراً فاعلاً في إرهاصات المسار التحولي المعتمل في المنطقة، والذي لم تتبلور ملامحه وقواعده بعدْ، مقابل سعي الحركة للاعتراف بشرعيتها عربياً ودولياً وقبولها طرفًا أساسياً في النظام السياسي الفلسطيني.

وتبرز ديناميات ذلك النهج في ظل حراك أمريكي ــــــ غربي لتسوية الصراع العربي ــــــ الإسرائيلي، على وقع المتغيرات الجارية في المنطقة، بما يتطلب، بالنسبة لها، اعتدالا أكبر من "حماس"، حتى تقبل كلاعب رئيسي فلسطيني، أو حتى كقيادة جديدة للفلسطينيين، مرهوناً بقبولها شروط اللجنة الدولية الرباعية، وما تتضمنه من الاعتراف بالكيان الإسرائيلي، وبالاتفاقيات الموقعة معه، وبنبذ ما تسميه "الإرهاب".

إلا أن اعتماد "حماس" جانب الاعتدال المطلوب غربياً يضعها في مأزق. فرغم تمسكها بالثوابت، فإن تقديم التطمينات المجانية، والسعي إلى ضمانات دولية للقبول بها طرفاً سياسياً، قد يقودانها إلى طريق خطر، ويقوّضان مصداقيتها، ويسلخانها عن المقاومة التي تتبناها نهجاً، وتجسدها عملياً بوصفها أسّ وجودها، وقوام مرجعيتها، مقابل "مكاسب" آنية ستقود إلى الرضوخ لتسوية منقوصة تهدف إلى تصفية القضية الفلسطينية، وإسقاط حق عودة اللاجئين إلى ديارهم وأراضيهم التي هُجروا منها قسّراً بفعل العدوان الصهيوني عامي 1948 و1967.

وإذا كانت زيارة أوباما، والجهود الأمريكية اللاحقة لاستئناف المفاوضات بدون خطة سياسية واضحة، قد أجلتا المصالحة، وجمدتا مؤقتاً استكمال خطوات المسعى الأممي، الذي نالت فلسطين بموجبه صفة "دولة مراقب" غير عضو في الأمم المتحدة في 29 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، فإن ملف المصالحة يعدّ من أكثر الملفات إلحاحاً أمام حركتي حماس وفتح معاً، لأجل إنهاء الانقسام، بعيداً عن الارتهان بالإدارة الأمريكية المنحازة إلى الكيان الإسرائيلي، وتدخل أطراف خارجية في الساحة الفلسطينية.

خلاصة القول: تشهد "حماس"، ما بعد إعادة انتخاب مشعل، تحديات ناجمة عن التفاعلات المرتبطة بالثورات العربية، والمتغيرات الجارية بالمنطقة. غير أن معالجتها، والتصدي لتبعاتها من أجل الخروج، ليس من مأزقها، أو مأزق "فتح" فقط، وإنما من المأزق الفلسطيني العام، لا يتأتيان إلا بإنهاء الانقسام، وتحقيق الوحدة الوطنية، وفق استراتيجية موحدة، وشراكة حقيقية.