خبر جمهورية الدمى أيمن خالد

الساعة 11:05 ص|08 ابريل 2013

ما تريده كوريا الشمالية اليوم هو أكبر من مسألة لفت الأنظار اليها، وأدنى من فكرة الابتزاز، انها محاولة لإعادة صناعة شخصية فرد لا أكثر مستخدما ما تبقى من أنقاض أمة يفرض عليها السير كالدُمى، وهو ماض فعلا الى حرب عناوينها كبيرة لكنها صغيرة بحسب تقديره، وعليه بالتالي أن يخرج منها بطلاً، فهو يهدد الدول العظمى ولكنه سيضرب بلا شك جارته الجنوبية، وهو أصلا لا يفكر بالاقتصاد والسياسة والعواقب ولا كل ذلك، فأحد أمراض دولة الدمى أن يفكر الحاكم بطريقة يفجر بها طاقاته الإبداعية بحيث يتحول الى رمز ممجد، وفي جمهوريات الدمى تكون الحرب هي الوسيلة الأقرب لتفجير هذه الطاقات فحسب.
في الأعراف الكورية القديمة تعتبر المرأة شأنا ثانويا، ولا يصح ان تكون قائدة للدولة، وهي الفلسفة التي تربى عليها الزعيم الكوري الجديد، ومع تبدل في التاريخ وتسجيل اول حاكمة في كوريا الجنوبية من صنف النساء فذلك امر جلل يستوجب انتفاضة تجعله ينتصر عليها. هذا هو كل ما في عقل الحاكم في بيونغ يانغ، الذي تناول وراثة الحكم عن ابيه ويحفظها لولده، في بيئة نسبة تقديس الزعيم فيها تفوق الخيال، ونسبة إرهاب البشر والسيطرة على عقولهم لم يذكرها التاريخ، ففي البيت والشارع والمدرسة والحافلة وكل مكان تخطو اليه ملزم بأن تسمع اخبار الزعيم في بلد يتناول فيه الناس حتى جثث الموتى من شدة الجوع ويسجدون لصورة الزعيم من حجم الرعب الملقى على كاهلهم، فأصبحوا مجرد دمى لا وزن لهم بنظر قادتهم.
فلا قيمة لأي خسارة بشرية في الحرب ولا يوجد من يعترض على ما سيجري وفي الختام الزعماء والدولة باقون على حالهم.
الامريكان ينتظرون هذه الحرب فرغم كل التبدلات السياسية والثقافية التي ضربت العالم بعد الحرب الكونية، ورغــــم هول الحرب الكورية السابقة غير ان بيونغ يانغ لم تتعلم ولا تريد ان تتجاوز منطق الحرب، لذلك لا امل من تبدلات داخلية، وبالتالي السياسة الكورية الشمالية ماضية الى هذا المصير الحتمي.
الصين بدورها لم تعد بحاجة الى أعباء الدولة الجار، فهي تجاوزت فكرة الحروب والاحلاف وأصبحت مفاتيح السياسة الصينية متعلقة بالاقتصاد فقط، وهي تحاول ان تحذو حذو جارتها اليابان وبالتالي أصبحت الاحلاف السياسية القديمة من الماضي، وهذا ينطق على الجار الصديق الذي لا تقبل الصين ان تعرض مصالحها للخطر والاستمرار في تقديم الدعم الاغاثي له بلا أي فائدة تذكر، ولهذا أجمعت على العقوبات السابقة بحق بيونغ يانغ وهو ربما ما زاد حجم جنون الزعيم هناك.
كوريا الجنوبية كانت ولا تزال مستعدة لتقديم أي شيء بلا مقابل وهو ما يفهمه الجار الشمالي بنجاح الابتزاز، وهي الوحيدة التي تحلم بتأخير هذه المواجهة، اما اليابان فجراح الماضي تلزمها فترة من الصمت حتى تمضي السحابة، لكنها فعلا ليست سحابة خليج الخنازير في الخمسينات في كوبا، ولا هي احدى روائع الابتزاز الشمالي للجنوب، فهي الحرب فعلا. ولا يمكن التنبؤ بمسارها وكيف تنتهي، فما تفكر به زعامة بيونغ يانغ هو الاشتباك فقط وهي لا تعلم الى أي مدى سيصل هذا الاشتباك، منتظرة حراكا سياسيا عاجلا قد يكسبها بعض المكاسب وقد تتدهور الأمور الى الأسوأ وتتنوع استخدامات الأسلحة.
الامريكان يستفيدون من هذه الحرب لأنها تعيد طرح زعامتهم للعالم فهم سيديرون اللعبة في أخطر حرب بعد الحرب الكونية، وهي حرب مهما تستخدم بها أمريكا من أسلحة فلن تجد من يتعاطف مع خصمها، واذا تضررت مجمل دول شرق اسيا اقتصاديا بفعل الحرب وهذا سيحدث بالطبع ولكنه لن يرهق الاقتصاد الأمريكي الذي سيقفز ما بعد الحرب، والامريكان لديهم الآن الفرصة والوقت لإستئناف كامل انشطتهم النووية لأنهم اظهروا للعالم انهم وحدهم الأمناء عليها، وتدخلهم هناك سيكون رسالة موجهة الى ايران وغيرها، وأظن ان تأخير ضرب ايران هو أصلا متعلق بإنهاء ملف كوريا الشمالية التي اتعبت الحلفاء والاعداء.
مشكلة كل جمهوريات الدمى في العالم انهم لا تستطيع الاستفادة من التكنولوجيا التي تمتلكها لأن العقل السياسي الذي يحكم هذه الجمهوريات هو عقل فردي يلزم بقية الناس ان يعيشوا حياة الدمى وراءه، وهذا العقل الفردي يبني أمجادا للأفراد ولا يبني دولة ولا امة، وسرعان ما تنهار الأمم لدى أول ضربة في الصميم، حدث هذا لمصر في زمن محمد علي، وحدث لهتلر وحدث لصدام حسين، ويحدث هذا في كل الجمهوريات التي تنشأ ولا تفهم أن دولة المؤسسات هي وحدها المنتصرة والتي تستطيع الحفاظ على أي تكنولوجيا مهما بلغت عظمتها، وان الافراد يرحلون ولا يتركون اثرا كثيرا.

' كاتب من فلسطين