خبر الوهم الامريكي - هآرتس

الساعة 08:41 ص|07 ابريل 2013

ترجمة خاصة

الوهم الامريكي - هآرتس

بقلم: شلومو أفنري

 (المضمون: اذا كان اليسار الاسرائيلي لا ينجح في الانتصار في الانتخابات، والناخب الاسرائيلي يرفع الى الحكم المرة تلو الاخرى حكومات يمينية، والفلسطينيون غير قادرين على توحيد صفوفهم خلف قيادة معتدلة – فانه لا يمكن لاي رئيس امريكي أن يغير هذه الحقائق الاساسية - المصدر).

الرئيس براك اوباما جاء وذهب، ولم يحصل ما خاف منه اليمين وأمل به اليسار المتطرف: الرئيس الامريكي لم يضغط، والمسيرة السلمية لم تدفع الى الامام. إذ في نهاية المطاف يتبين أنه مع كل القوة والعظمة ليست الولايات المتحدة وليس رئيسها بقادر على ايجاد حلول لنزاعات دولية حين تكون الاطراف المعنية بالامر غير مستعدة للقيام بالخطوات اللازمة لتحقيقها. هكذا هو الامر ليس فقط في الشرق الاوسط بل وفي قبرص أيضا، في كوسوفوا، في البوسنة وحتى في كشمير: في كل واحد من هذه النزاعات للولايات المتحدة يوجد موقف واقتراح للحل – احيانا طرحت على مدى السنين عدة اقتراحات حل أمريكية – ولكن أيا من هذه الحلول لم يتحقق.

مخاوف اليمين يمكن التفهم. وبالآمال غير الواقعية لليسار المتطرف يمكن التعجب. اليسار بشكل عام لا يتحمس للسياسة الخارجية الامريكية، وبالتأكيد لا يحب ما يسمى باللغة السياسية "الامبريالية الامريكية". وعندما تسعى واشنطن الى فرض رأيها على دولة ما، فان اليسار – وعن حق – يرى في ذلك تعبيرا عن نزعة القوة الامبريالية. وفي حالة اسرائيل وحدها يأمل اليسار الامريكي والاوروبي وأجزاء من اليسار المتطرف في اسرائيل أيضا بان تتصرف الولايات المتحدة مع اسرائيل كما تتصرف مع جمهورية موز. عن التضارب المنطقي – والاخلاقي – في هذا الموقف من الافضل عدم الحديث.

لا يعني الامر ان ليس للولايات المتحدة قدرات سياسية كفيلة بان تجد تعبيرا ايجابيا لها في معمعان الشرق الاوسط. ولكن الامر لا يرتبط فقط بقوة أو ارادة رئيسها، بل انه منوط بالسياق. وبالفعل يوجد سياقان للولايات المتحدة فيهما قدرة هائلة على دفع سياقات ايجابية الى الامام، أو على الاقل منع التطرف في سياقات سلبية؛ ولكن في غياب هذه السياقات ليس لواشنطن قدرة على فرض تسوية على الاطراف. هذا ما تعلمه اوباما بعد اخفاقاته في بداية ولايته الاولى.

يجدر بنا أن نفحص ما هما هذان السياقان. السياق الاول هو في حالة الحرب الحقيقية، حين يكون تخوف في أن يكون من شأنها ان تصبح حربا اقليمية شاملة او حتى تتسلل لتصبح صداما بين القوى العظمى. في مثل هذه الحالات يمكن للولايات المتحدة أن تستخدم قوتها وتنهي القتال من خلال ممارسة ضغط شديد على اسرائيل. هكذا حصل في حرب السويس في 1956، عندما مارس الرئيس دويت آيزنهاور ضغطا ليس فقط على اسرائيل بل وايضا على فرنسا وبريطانيا؛ هكذا حصل في الايام الاخيرة لحرب يوم الغفران حين أدى وزير الخارجية هنري كيسنجر الى وقف تقدم قوات الجيش الاسرائيلي، التي باتت في الجانب الغربي من قناة السويس؛ هكذا دفع الرئيس رونالد ريغان رئيس الوزراء مناحيم بيغن الى وقف تقدم الجيش الاسرائيلي الى داخل غربي بيروت بعد اغتيال بشير الجميل على ايدي السوريين في حرب لبنان الاولى؛ هكذا منعت ادارة الرئيس جورج بوش الاب من مهاجمة وسائل اطلاق الصواريخ العراقي في حرب الخليج الاولى.

في كل هذه الحالات كانت مصلحة امريكية مباشرة وواضحة لمنع التدهور، وكانت الضغط الامريكي حادا ومركزا: العمل على وقف القتال. هذا فعل لمرة واحدة قابل للتأكيد السريع والقطعي حين يكون عدم الاستجابة للطلب الامريكي يمكنه أن يؤدي الى مواجهة عميقة وفورية مع واشنطن.

السياق الثاني هو بالضبط عكس الاول: في وضع تصل فيه اسرائيل وجهة عربية بمبادرتهما الى مفاوضات تقدمت جيدا ولكنها علقت عند نهايتها – تحققت توافقات واسعة، ولكن في عدة مواضيع لم ينجح الطرفان في الوصول الى نقطة التعادل. هكذا كان بعد نحو سنة من زيارة أنور السادات الى القدس، حين اتفقت اسرائيل ومصر في المفاوضات الثنائية على معظم المسائل، ولكن كانت لا تزال عدة نقاط حساسة وجد الطرفان صعوبة في الاتفاق حولها. عندها - وعندها فقط – جمع الرئيس جيمي كارتر بيغن والسادات في كامب ديفيد وفي ظل استخدام الضغوط الشديدة على الطرفين أدى الى التغلب على خلافات الرأي المتبقية. ووجد الطرفان صعوبة في التنازل الواحد للاخر في المسائل موضع الخلاف، ولكنهما وجدا السبيل للقيام بهذه التنازلات، ظاهرا للرئيس الامريكي.

هكذا كان بعد أن توصلت اسرائيل وم.ت.ف الى اعتراف متبادل واتفاقات خارقة للطريق في اوسلو، ولكنهما وجدا صعوبة في عدة مواضيع. عندها – فقط عندها – استدعى بيل كلينتون الطرفين الى البيت الابيض، وهناك اوضحت واجملت المسائل المتبقية موضع خلاف. هكذا أيضا في موضوع اتفاق السلام مع الاردن، والذي تحقق في أساس الامر بين الملك حسين ورئيس الوزراء اسحق رابين، ولم يفعل الرئيس كلينتون سوى أن منحه مباركته. في هذه السياق يدور الحديث عن حالات بادر فيها الطرفان الى الخطوات بنفسيهما – سواء كان هذا السادات الذي زار القدس وبيغن الذي استجاب له، أم اسرائيل وم.ت.ف في اوسلو، بينما عملت الولايات المتحدة كعراب أو كمحفز، حين كان الاتفاق مثابة مصلحة للطرفين وكان في متناول اليد حقا.

ولكن عندما لا يكون أي من هذين السياقين موجودا – لا حربا حقيقية تشكل تهديدا اقليميا ولا مفاوضات تجري عمليا وتتقدم بين الطرفين – الولايات المتحدة لا تكون قادرة على حمل الطرفين على الاتفاق بل واحيانا ليس حملهما الى مفاوضات ذات مغزى. وعلى مدى السنين كانت خطط أمريكية للسلام في الشرق الاوسط بعدد لا يحصى – من مبادرة وزير الخارجية وليم روجرز، عبر مؤتمر انابوليس في عهد الرئيس جورج بوش الابن وحتى خطوات اوباما في ولايته الاولى. في هذه المحاولات الفاشلة كان أيضا مؤتمر كامب ديفيد 2000، حين حاول كلينتون حمل رئيس الوزراء ايهود باراك ورئيس السلطة الفلسطينية ياسر عرفات على الاتفاق؛ هكذا أيضا في المحاولة الفاشلة السابقة لكلينتون لتحقيق اتفاق بين اسرائيل وسوريا في مؤتمر شبردزتاون.

في مطارحنا درجنا على التركيز على مسألة من "المذنب" في هذه الاخفاقات، ولكن المسألة هي أكثر جوهرية ومبدئية: عندما لا تكون ارادة سياسية لدى الطرفين – أو لدى واحد منهما – فليس بوسع الولايات المتحدة أن تفرض عليهما الاتفاق. بتعبير آخر: لا يوجد خيار لتسوية مفروضة.

ليس صعبا الوقوف على سبب ذلك: حتى لو كان رئيس امريكي قادرا على جلب الطرفين الى طاولة المفاوضات، وحتى لو نجح في حملهما على التوقيع على هذه الوثيقة أو تلك، ان مسيرة احلال السلام معقدة، متعددة المراحل وعديدة السنين (كما تثبت معاهدة السلام مع مصر واتفاقات اوسلو). الرئيس الامريكي يمكنه أن يتفرغ لاسبوع أو لعشرة ايام كي يعنى بالشرق الاوسط، ولكنه لا يمكنه أن يرافق عملية تنفيذ الاتفاق على مدى سنين. واذا كان يودع هذا في يد مبعوث ما – وتثبت ذلك حالة دنيس روس – فانه تنقصه قوة الرئيس، ولن ينجح في حمل الطرفين الصقريين على عمل ما لا يرغبان في عمله.

مؤتمر مدريد هو الاخر، حيث مورس ضغط وحشي جدا على رئيس الوزراء اسحق شمير، هو دليل على قيود القوة الامريكية. كان يمكن جلب اسرائيل الى طاولة المباحثات، خلافا لارادة حكومة شمير، ولكن في نهاية المطاف – رغم عدة فرص لالتقاط الصور والخطابات المثيرة للانطباع وكل أنواع اللقاءات والاجتماعات في أرجاء العالم – كان مؤتمر مدريد فشلا، وذلك لانه كان أحد الطرفين على الاقل لم يكن مستعدا للتقدم.

وكما اسلفنا، فان هذا هو الوضع في نزاعات مشابهة اخرى. المفتاح يوجد في نهاية المطاف في أيدي الاطراف؛ وفي السياق الاسرائيلي – في أيدي الساحة السياسية الاسرائيلية. اذا كان اليسار الاسرائيلي لا ينجح في الانتصار في الانتخابات، والناخب الاسرائيلي يرفع الى الحكم المرة تلو الاخرى حكومات يمينية، والفلسطينيون غير قادرين على توحيد صفوفهم خلف قيادة معتدلة – فانه لا يمكن لاي رئيس امريكي أن يغير هذه الحقائق الاساسية.

في نهاية المطاف، فان احدا لا يمكنه أن يحررنا – ويحرر الفلسطينيين – من المسؤولية عن مستقبلنا. زيارة الرئيس اوباما هي دليل على ذلك، وقد وجد الامر تعبيره بشكل خاص في خطابه المؤثر في مباني الامة. اوباما قال للاسرائيليين: في يدكم المفتاح، أنتم يمكنكم – ربما – ان تغيروا سياستكم، ولكن لا تعيشوا الاوهام في أن احدا ما قادر على عمل الامر السليم بدلا منكم