خبر غير هاديء مرة اخرى... هآارتس

الساعة 08:28 ص|05 ابريل 2013

بقلم: عاموس هرئيل

(المضمون: يزداد تكرار الحوادث العنيفة في الضفة الغربية وغزة والحدود مع سوريا ومصر، يجب على اسرائيل مع تلبد سماء المنطقة بالغيوم ان تبقي هذه الصراعات فوق نار هادئة وان تحاول ان تدفع قدما بالمسيرة السياسية - المصدر).

أمس في الثانية ظهرا في الوقت الذي كانت تشيع فيه جنازة السجين الامني ميسرة أبو حمدية الذي توفي هذا الاسبوع بالسرطان في السجن الاسرائيلي، أتم الجيش الاسرائيلي مراسم تبديل القادة في فرقة يهودا والسامرة في موقع النبي صموئيل شمالي القدس. إن قيادة قوات الجيش الاسرائيلي في الضفة الغربية في الظروف الحالية واحد من المناصب الحساسة في الجيش الاسرائيلي لكنه كان في الماضي ايضا منصبا ذا شأن. إن كثيرين في القيادة الامنية اليوم – ومنهم وزير الدفاع ورئيس الاركان الحالي ونائبه وثلاثة آخرون من جنرالات هيئة القيادة العامة – خدموا في الماضي قادة للضفة.

إن للقائد المتولي الجديد للضفة العميد تمير يدعي، تجربة عملياتية ضئيلة نسبيا للمنطقة التي تولى قيادتها أمس، فقد أتم يدعي أكثر خدمته عن جانبي الحدود في لبنان وكان من جملة ما كان قائدا للواء غولاني في حرب لبنان الثانية التي خدم فيها الضابط الذي حل محله أمس وهو العميد حاجي مردخاي، قائدا للواء المظليين. وينهي مردخاي عمله مع شعور بأنه نجح في نقل العصا قدما في وضع محتمل نسبيا: ففي فترته ايضا لم تنشب انتفاضة جديدة في المناطق.

إن الانجاز الجوهري الذي جاء به الجيش الاسرائيلي و"الشباك" الى حكومات اسرائيل المتغيرة – وهو قمع الهجوم الارهابي للانتفاضة الثانية حوالي 2005 – لم يُضعضع الى الآن. فمنذ 2007 فصاعدا كان يسود الضفة واقع أمني وسياسي مريح جدا لاسرائيل، فقد توقفت العمليات الانتحارية، وقل العنف في الضفة نفسها وتجري الاجهزة الامنية الخاضعة لسلطة عباس وفياض في رام الله تنسيقا وثيقا مع نظيراتها الاسرائيلية.

لكنه كلما مر الوقت أصبح من الصعب ان نتجاهل تجمع الدلائل على الارض التي تشهد على ان الواقع قد يتغير وبأن اجهزة اسرائيل والسلطة الامنية سيصعب عليها الحفاظ على مستوى التنسيق العالي زمنا طويلا. أصبح يوجد منذ تشرين الثاني الاخير عدد أكبر من المظاهرات في الضفة وعدد أكبر من حوادث الرشق بالحجارة ورمي السيارات الاسرائيلية بالزجاجات الحارقة، وعدد أكبر من المواطنين الاسرائيليين الذين أُصيبوا، وعدد أكبر من حالات تدخل فئة تصنيف الارهاب الشعبي بحسب تعريفات "الشباك" (عمليات بمبادرة شخصية غير تنظيمية لا تكون مصحوبة في الأكثر باستعمال سلاح حي)، والشيء المهم على نحو خاص وقوع عدد أكبر من القتلى الفلسطينيين غير المسلحين. فقد أُحصي منذ بدء السنة ثمانية: اربعة في شهر كانون الثاني وواحد في شباط وواحد في آذار والفتيان اللذان قتلا أول أمس (الاربعاء) ليلا شرقي طولكرم بنيران جنود.

يقولون في قيادة المركز، مع الحذر المطلوب، ان نتائج التحقيق الأولي في تلك الواقعة الليلية بين بلدة عنبتا ومستوطنة عيناب لا تدل على شذوذ كبير عن توجيهات اطلاق النار. فقد تسلل الفتيان تحت جنح الظلام مع مجموعة من الشباب اقتربت من موقع عسكري اسمنتي ومعهم سبع زجاجات حارقة. يصعب ان نجادل الشعور بالخطر الذي يشعر به جنود في هذه الظروف – ومع ذلك تثار كالعادة اسئلة تتعلق بنوع تقدير القيادة الصغيرة على الارض. (كان في هذه الحال قائد صف من كتيبة الشباب الطلائعيين الحريدية). وعن التناقض الراسخ بين تربية القادة على السعي الى الصدام في كل ظرف وبين رغبة الجيش الاسرائيلي في الامتناع عن التسبب بموت مدنيين غير مسلحين في المناطق. ويبدو الآن ان هذه من نوع الوقائع التي لا تنتهي مع وسام شجاعة ولا مع وصمة عار – فالنتيجة اشكالية لكنها مفهومة في تلك الظروف.

تحدث يدعي أمس في المراسم عن زعزعة تاريخية في المنطقة (لا يعلم أحد ماذا سيكون في نهايتها). وأضاف قائلا قُضي أن نحيا في ضباب. ومن المنطق ان نفترض ايضا انه يشك انه حينما يحين دور تبديله بعد نحوا من سنتين سيصعب عليه ان يترك لخلفه وضعا أمنيا أفضل من ذاك الذي تركه له سلفه مردخاي الذي لم يُقتل في مدته أي اسرائيلي بسبب الارهاب في الضفة. وفي حين كان يدعي ما زال يتكلم كانت تتدفق التقارير عن مظاهرات وحوادث من أنحاء الضفة، من جنين الى الخليل.

ومع ذلك فان لدى الجيش انطباع ان قيادة السلطة تسير بين قطرات المطر، فهي تستغل الغضب العام لموت السجين لحاجاتها في حين تأمل ألا تنزلق الضفة الى تصعيد بعيد الأمد. والرئيس محمود عباس غارق الآن في الأساس في القناة السياسية ويخشى ان يشوش عليه ذلك عنف كبير جدا. ويصدق عباس الوعود الامريكية بتحريك مسيرة السلام من جديد. ومرت زيارة الرئيس براك اوباما ايضا في الشهر الماضي برغم دعم الادارة الامريكية الظاهر لاسرائيل، بصورة أفضل بالنسبة للفلسطينيين مما كان يمكن تقديره. وجمعت السلطة عدة مكاسب مباشرة من الزيارة.

التزم رئيس الوزراء نتنياهو ان يعاود تحويل اموال الضرائب الفلسطينية الى السلطة كما كان الامر من قبل ووعد الامريكيون بتحويل مساعدة 500 مليون دولار الى الفلسطينيين، ولُمس التغيير هذا الشهر حينما تلقى عمال الدولة الفلسطينيون رواتبهم في موعدها لأول مرة منذ ثمانية اشهر.

تعبر التصريحات المنددة باسرائيل لموت أبو حمدية بالسرطان في السجن عن استجابة السلطة لتوقعات الرأي العام الفلسطيني (برغم ان السلطة تجاهلت حوادث موت مشابهة في السجن قبل نحو من خمس سنوات)، لكن يوجد الى جانبها ايضا هدف سياسي. فهذه فرصة جيدة للفلسطينيين ليضغطوا على اسرائيل آملين ان يساعد ذلك في الافراج عن السجناء القدماء الـ 123 المسجونين في البلاد منذ الفترة التي سبقت اتفاقات اوسلو في 1993 والذين تأمل السلطة الفلسطينية الافراج عنهم منذ زمن طويل.

لم تصل المناطق، وهذا صحيح الى مساء أمس، الى نقطة غليان عامة. لكن لم يعد من الممكن تجاهل علامة السؤال الكبيرة حول جو الاستقرار الذي كان يسود الضفة في الماضي. وقد غاب عن مراسم التبديل في النبي صموئيل أمس عدد من القادة في قيادة الوسط كانوا مشغولين بعلاج الحوادث المحلية في المناطق التي يتولون المسؤولية عنها. وبعد ذلك ببضع ساعات، في بئر السبع، تم تبديل قائد منطقة الجنوب ايضا: فقد ترك تال روسو الذي ترك الخدمة في الجيش وحل محله القائد الجديد سامي ترجمان. وتقرر في الحالتين برغم التوتر في الضفة والقطاع هذا الاسبوع، تقرر في هيئة القيادة العامة عدم تأجيل المراسم. فلن يكون الاسبوع القادم بالضرورة أكثر هدوءا.

جنة حمقى

إن غزة والضفة وجهان لقطعة النقد نفسها، في واقع له وجوه تشابه مشتركة ايضا مع الوضع في هضبة الجولان وسيناء برغم ان اسباب التوتر على الحدود مع سوريا ومع مصر أقل تعلقا بما يجري في المناطق وأكثر تعلقا بتلك الزعزعة الاقليمية التي تحدث عنها يدعي. وفي جميع هذه الجبهات تواجه اسرائيل حوادث ما زالت قوتها منخفضة كثيرا لكن ترددها أخذ يزداد. ففي الـ 72 ساعة الاخيرة فقط سجل عدد من حوادث اطلاق النار على الحدود السورية، ووقوع قتلى فلسطينيين في الضفة، واطلاق شاذ في هذه الفترة لقذائف صاروخية من غزة (بعد الهدوء الطويل جدا الذي جاءت به عملية عمود السحاب) ونشر بطارية اعتراض القبة الحديدية لحماية ايلات، بسبب تقدير انه قد زاد احتمال اطلاق قذائف صاروخية من سيناء.

ولا يؤثر كل ذلك الى الآن تأثيرا جوهريا في حياة أكثر الاسرائيليين أو في شعورهم بالأمن. وقد أشار نتنياهو في احاديث خاصة في المدة الاخيرة الى ان المواطنين هنا يعيشون في كبت في جنة حمقى تقريبا والى ان الاضطراب الهائج منذ أكثر من سنتين في العالم العربي سيبلغ آخر الامر ايضا الينا بصورة قوية. إن عدم الهدوء يؤثر في هذه الاثناء تأثيرا أساسيا في المناطق الحدودية في الجولان وعلى حدود غزة. أما سكان الوسط، اذا استثنينا حوادث متفرقة مثل اطلاق قذائف صاروخية من حماس على تل ابيب وعلى منطقة القدس وقت عملية عمود السحاب، فلا يكادون يشعرون بنتائج الى الآن. ويمكن ان نتحدث كذلك عن برنامج عمل مدني ونتباحث في التقليص (الذي هو واجب في حد ذاته) في ميزانية الامن بازاء انخفاض التهديد العسكري التقليدي من قبل الدول العربية.

وحينما يذكر شخص ما كقائد الجبهة الداخلية، إيال آيزنبرغ، في مقابلة صحفية هنا في الاسبوع الماضي، الوجه القبيح للحرب القادمة في الجبهة الداخلية اذا نشبت، يُتهم فورا بالتدبير الخفي لسلب جهازي التربية والصحة ميزانية. لكن الواقع بالفعل أكثر تعقيدا ولهذا فان أداءه الى المواطنين أصعب. وباختصار يعبر عنه التقدير الاستخباري المُحدث الذي يكمل جزآه بعضهما بعضا برغم ما يبدو انه تناقض بينهما وذاك ان احتمال حرب تبادر اليها دولة عربية هو احتمال منخفض، أما خطر اشتعال حرب غير مخطط لها بسبب التصعيد المتواصل في واحدة من الجبهات الكثيرة فانه يزداد خصوصا. ستظل اسرائيل في الجبهة الامنية تواجه غيوما متلبدة لاسباب مختلفة وفي جبهات مختلفة. وستكون الحكمة هي الحفاظ على هذه الصراعات فوق نار هادئة – أو ان تستجيب في سيناريو متفائل بصورة مميزة للمبادرة الامريكية وان تدفع الى الأمام شيئا ما بالقناة السياسية مع الفلسطينيين.

أمس مساءا في جامعة تل ابيب، تم يوم بحث في كتاب جديد أصدره البروفيسور (وجنرال الاحتياط) اسحق بن اسرائيل واسمه "تصور اسرائيل الأمني". ففي الوقت الذي تتحدث فيه القيادة الامنية عن تحديات هذه الفترة باعتبارها أكثر شذوذا وتعقيدا مما كانت في الماضي، ذكر بن اسرائيل ان كثيرا من المفاهيم في هذا النقاش ليست جديدة. فالمباديء الأساسية التي أقرها دافيد بن غوريون في مطلع خمسينيات القرن الماضي ما زالت صادقة موجودة وإن تغيرت الظروف.

"حينما يجتمعون في هيئة القيادة العامة للتباحث في الحاجة الى عملية عسكرية ما"، قال بن اسرائيل، "يتم 80 في المائة من التباحث حول مسألة الردع". وأضاف ان اسرائيل غير قادرة في الحقيقة على ان تهزم أعداءها زمنا طويلا حتى إن الانتصار الكبير في حرب الايام الستة قد أحرز في الحاصل العام نصف سنة هدوء الى ان بدأ التدهور الذي سمي بعد ذلك حرب الاستنزاف.

"أقصى ما نستطيع توقعه أن نهزم قوة العدو العسكرية. والحروب في التصور الامني الاسرائيلي هي في الحقيقة جولات عنف في حرب طويلة. وحينما تبدأ جولة كهذه نعلم أنها ستنتهي بعد بضعة اسابيع الى شهر يأتي بعدها هدنة ونعود آخر الامر الى الجولة التالية". ومعنى الانتصار في هذه الظروف كما يرى بن اسرائيل هو "ان نقلل من جولة الى جولة شهوة العدو الى العودة الى مواجهة عسكرية اخرى، ولن ننجح في احراز أكثر من هذا، فهذا هو القدر الاقصى". وهذا ادراك متشائم جدا لكن يبدو انه ليس غير واقعي.