خبر كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون.. د. علي عقلة عرسان

الساعة 06:26 م|02 ابريل 2013

 

يبدو أن " الساسة" السوريين لم يعد يعنيهم أمر الناس، أو أنه ما كان يعنيهم أصلاً لا إن مات الناس ولا إن هم عاشوا ضروب الشقاء، لأن ما يعنيهم هو أن ينتصروا في حروب هزائمهم جميعاً وانتصار أعدائهم عليهم جميعاً، بمن في ذلك زعانف الأعداء. وهاهم بعد سنتين ونيف من الاقتتال يطيلون أمده ببهلوانيات وتصريحات وشطارات منها الحوار في الفضاء بدلاً من الحوار على الأرض، والحوار تحت جناحي لا تحت جناح الوطن.. ويفاجئك لدى الكثيرين منهم قول الشيئ وضده خلال اليوم ذاته، من دون أن يتنبه إلى أنه يتناقض أو يتلاعب بالكلام والعقول، أو يكذب، أو يتم التلاعب به إلى درجة " المرمطة" والناس ينظرون.؟! وحين تقارب آخر المواقف المعلنة كلامياً، من هنا وهناك دون استثناء، تجد من كان يستجدي التدخل الخارجي ويقيم حساباته كلها عليه " يتفرعن" أو " يتنمرد" ويقول لك لا نريد أي تدخل خارجي بل نريد.. ثم يسرد لك مطالب هي التدخل الاستعماري الفج بعينه، وما لا يقوم إلا بتدمير كل ما تبقى للبلد من جيش ودفاعات وقوة اقتصادية ومادية؟! أتراهم فقدوا البوصلة، أم تراهم لا يعرفون معنى ما يقولون، أم هم يريدونها عوجاً وعندما تستعصي عليهم أو على من يطلبونها منهم يقولون مقالة الثعلب المشهورة:

" قال هذا حامضٌ      لما رأى ألا يناله"؟!

الأحداث المتتالية تشير إلى استمرار تراكم الجثث وتهاطل الدم وتوالي الانهيارات والنكبات، الأمر الذي يزيد المأساة ويفاقم المعاناة درجات بعد درجات.. وحين يحدثون ويتحدثون عن اجتياح دمشق لتحقيق الحسم يبهرون المستمعين إليهم بأفلام " الكاوبوي"، بينما النشوة تطفر من وجوههم، ويتسرب إليك شيئ من ذلك مما يعده المدافعون عن دمشق فتغرق في الكوابيس.. وكأن تدمير الشام وقتل أهلها، بعد تدمير معظم حلب وقتل الكثيرين من أهلها وأهل مدن سورية وبلدات وقرى.. كأنه لدى السياسيين السوريين و" مقاتليهم" مجرد قصة تُروى، وأحداث في شريط مصور تتولى مشاهده، ونوع من أحصنة خيال يمتطيها فرسان من عجب وأعاجيب، ستجوب ميادين السباق وتتحف العالم بعرض لم يسبق له نظير..؟! آه يا شعبي .. وآه يا بلدي.. وآه يا مستقبل الأجيال في هذا البلد العزيز؟! تُرى ما الذي ننتظره نحن السوريين المسالمين من أولئك وأشباههم ومن هؤلاء وأشباههم، حين نسمع هذا الخطاب المستطاب لدى كل منهم؟! سؤال ملقى على كل منهم ليفكر فيه، إذا بقي لديه استعداد ليفكر بالسوريين ومصائرهم وبالشام وتاريخها وتراثها ومآثرها، وبالقيم العربية والإسلامية والإنسانية كافة، وبكيفية المحافظة عليها وجعلها سلوكاً في الناس وأمنا وحضناً لهم وأساس التعامل معهم.!!

الواضح فيما نرى أن من فُرض عليهم القتال في أرض الشام لا مناص لهم من خوضه وإن كانوا يكرهونه ويتمنون رده، ولديهم أمل برده وتحقيق غَلَبة على أهله.. وأن من فَرضوا القتال على الشام أو فُرِض باسمهم عليها، لم يعد بإمكانهم أن يتراجعوا عن خوضه حتى لو أرادوا، ومعظمهم لا يريد، وأن لديهم بدل الأمل آمال بالغَلبة على من يقاتلونهم.. وأبناء سورية من ذينك الفريقين، قاتل وقتيل على هذه الحال، بصرف النظر عن المواقف والمواقع والاستحقاقات.. أما شعبها الذي ابتلي بكل هذا فلا يُسمع صوته ولا يُستجاب لندائه، والكل يعتلي ظهره بالسياط والبنادق والحراب، باسم تحريره من الظلم والقهر والاستعباد والاستبداد ونقله إلى واحات التنمية وتخليصه من الإرهاب.. وفيما يذوقه من هذا الفريق أو ذاك، جراء هذا الوضع الذي وضع فيه، هو عين الظلم والقهر والاستبداد والاستعباد.!؟ لم يعد لدينا أدنى أمل في أن تنتصر إرادة الشعب الواعية الحرة المنتمية للإيمان والعدالة والحرية بمعناها العميق المسؤول البناء.. الديمقراطية والحرية والقانون والوطنية والمواطنة والحقوق.. إلخ هراءٌ ممزوج بسخف ومنقوع في مناقع دمنا وبؤسنا، ويقربنا من يأس يفتك بنا.. وبضائع السياسيين هذه فساد وإفساد، ومزادات تفتح لتستمر، وحتى في أزهى عهود التطبيق تجد من ينعى الحرية والديمقراطية ويشهر سيفه ليحرر باسم الحرية والحقوق والديمقراطية.. إلخ، بضائع السياسيين تلك خِدعٌ وبِدعٌ، وستبقى خدعاً وبدعاً.. لأنهم، في معظمهم حتى لا أعمم بإطلاق، يتقاتلون من أجل السلطة وشهوة الحكم والمكاسب والمناصب وما دنى وتدنى.. وليس من أجل الناس والحريات والعدل والحقوق والقيم.. ومن يقوم من البؤساء المسحوقين الجائعين رافعاً فقره سيفاً في تفجر غضب بين قرن وقرن من الزمان، لا يلبث أن يضيع في فساد الساسة وإغراءات السياسة فيتطامن ويتفسخ أو يتكبر ويتجبر أو يُقتل فيريح ويرتاح.. وهكذا تدور العجلة من دون توقف ويسحق الناس لتبقى سياسة مجردة من الأخلاق والقيم.!!

لا توجد يتوبيا على الأرض، وليس في مخيلتي جمهورية فاضلة أتشوَّفُها تشوُّف أفلاطون أو سواه لجمهورية من هذا النوع، لكي تهبط على الخلق في بلادي أو في أية بلاد، وتحل سكينةً وعدلاً وطمأنينةً على الناس في بعض الأرض، بهدي العقل ونضج الحكمة وإعمال معيار القيم وحيوية الضمائر.. وربما يأتي علينا وقت نجد أنفسنا نبحث عن نظام حكم يؤدي إلى أسلم النتائج بأقل المصائب، قد يكون نوعاً من الجمهوريات أو أي نظام من أنظمة الحكم التي تضع حداً لسحق الإنسان للإنسان، ولا تحكِّم الجهل والفوضى والطغيان في رقاب الناس، ولا يعلق فيها سيف الظلم فوق الرقاب فيهطع من يهطع ويركع من يركع، ويبرأ من العقاب من أناب للظالم لا لمن خلق الخلق ومن تثوب إليه الخلائق يوم الحساب.!؟ ومما أشاهده وأتابعه وأقرأ عنه لم يتشكل عندي دوح أمل في تحقق أنموذج إنساني عادل في أفضل الديمقراطيات.. إذ يبدو أن الكثرة الكاثرة من الناس التي " يُحكَم باسمها أو تزوَّر إرادتها أو تساق إلى المعلف والمشرب.. يبدو أنها لا تؤخذ بالعقل والنقاء والحكمة والمحاكمة المنطقية لتصل بمنهجية إلى الموضوعية، فليس كل الناس مؤهل لذلك.. الكثرة الكاثرة يجرفها الافتتان بالمكر والدهاء والافتراء تلك السيَّالة فتنة ادعاء في تيار الانفعال والافتعال والرغاء عبر معظم الخطاب السياسي، وربما أضحى ذاك كله زاد السياسة وبضاعة كثيرين من الساسة؟!.. أفلا يُقال ويُردَّد أن السياسة والاخلاق لا يلتقيان أو أنهما كثيراً ما يتنافران؟! وأن الناس يحكمهم السلوك الجمعي، مما يرفض عقل الواحد من الجماعة عند المحاكمة، ولا يحكمهم المنطق والمحاكمة العقلية والحكمة الناضجة عندما يسيلون في الشوارع أو تحبَل بهم الساحات، وأنه ما زال يصدق فيهم القول، الساري في الكثير من الأوقات والأماكن، أنه: " يجمعهم طبلٌ وتفرقهم مقرَعة".؟! فكيف إلى فرض إرادة خيرة نيرة بناء عادلة حرة محررة من سبيل، وفي الناس يكثر المنافقون والمرجِفون والمتاجرون بكل شيء، وهم من يصدق فيهم ومن ثم في من يلي أمرهم القول: " كما تكونون يولَّى عليكم."؟!

ليس من الإصابة ذم الناس، وإذا كانت الإشارة إلى السلوك الجمعي المُكْلِف واجبة وفيها تحذير وتبشير ودعوة إلى منجاة من محنة أو هلاك فبالحسنى تتم وبمتابعة التأكيد والتأييد والتثبيت تترسخ وتعم.. إن فضح أساليب الساسة، وتعرية سلوك الساسة الذي يتحكَّم بمصائر البلدان والأنفس ويقودها في كثير من الأحيان والحالات إلى البؤس ومناقع الدم.. إن ذلك الفعل الإرشادي واجب، ولأنه واجب ونافع وضروري يبلغ درجة التكليف وقد يدخل دائرة المقدس، فهو ينفع الناس وقد ينجيهم مما يكرهون، وهو بتلك الصفات والغايات يبغضه الساسة ويعاقبون عليه ويلاحقون من يقوم به حين يكون ووجه النفع العام الخالص من كل شائبة وشبهة، أما حين ينطوي ذلك الفعل على نفع خاص يموَّه بخبث ويسيل عسلاً على لسان وفي بيان.. فإنه يسهُل عليهم احتواؤه بضم داعيته أو دعاته إلى صفوفهم وجعله/جعلهم في بطانتهم، فيتحول أولئك من دعاة لوجه من وجوه الحق إلى مجمهرين فاعلين في الخلق يحشدونهم وراء ساسة وسياسة.

في حالتنا السورية الخاصة، ومن متابعة سنتين من تساقي الموت، لا يجدي التعويل على التبشير والتذكير بالوطن والمواطن والخير والإنسان وما يجب وما لايجب، فقد قيل الكثير وما زلنا في مخاضة الدم، ولا يبدو لنا الضوء في نهاية النفق.. ومن يناورون ويراوغون ويتنقلون من حضن إلى حضن، ومن مطلب إلى مطلب.. يروغون عملياً عن مطلب السوريين الحق ومن الحق ذاته لغاية في نفس من يتحكَّم بيعقوب لا في نفس يعقوب ذاته، أياً كان أولئك وأينما كانوا.. ومن يتصدى لهم يتفاعل مع أفعالهم وأقوالهم برد الفعل، وقد يزيد في البدعة إبداعاً.. والكل في نهاية المطاف يدفع الثمن المرهق ويستمر في الرقص على جسد سورية والسوريين.

والسوريون الذين لا ساسة ولا مقاتلين ولا تجار أزمات ولا زرافات في هذا الصف أو ذاك.. يريدون أطفالهم ووطنهم وبيوتهم وأمنهم وسلامتهم واستقرار بلدهم.. ويهيبون بمن يفرض نفسه عليهم آمراً ومحرراً وناحراً " يحيي ويميت"، والعياذ بالله ممن يأخذ بيده أمر الله، يهيبون به وهم يصرخون: "تتقاتلون على جثثنا باسم حريتنا وتحريرنا وحكمنا بالعدل ووحدتنا أرضاً وشعباً، وأنتم تميتون وتمزقون وتضعفون وتفرقون، ولا تعون ما تفعلون بنا، ولا ما ترسمون من مستقبل لنا ولأبنائنا ووطننا.. أوقفوا القتل والعنف الدامي، لقد سئمناكم وسئمنا منطقكم وأساليبكم وألاعيبكم.. تعالوا جميعاً إلى كلمة سواء تجمعكم على " ظلمنا وإشقائنا" لا على قتلنا وقتل الوطن وكل أمل في قلوبنا.. تعالوا إلى مصلحة مشتركة لكم لا للشعب الذي شقي بكم وللوطن الذي أضعفتموه وأنهكتموه وأضعتموه وعزَّرتموه في الخافقين..!! من يريد منكم سورية وهو فيها فليركن إلى السلم وليعزز الأمن وليساعد الناس على العودة إلى البيوت بأمان، ومن يريد منكم ذلك وهو خارجها فليدخلها بأمان وليسبغ علينا وعليه الأمن والطمأنينة.. ومن لا يريدها وهو فيها أو لا يريدها وهو خارجها.. ومن يريد من هؤلاء وأولئك أن يرتهنها أو أن يبيعها في السوق ويتاجر بدم أبنائها وتشردهم وشقائهم وشرفهم وأعراضهم وقضاياهم.. "فليحِلّ عنا" وليتركنا لمحنتنا التي نعيشها،  وليكتف بما حصَّل وما كسب وما أخذ وملك وما.. وما.. وبما حظي به من "قيمة ومقام؟!" عند من هو منهم وهم منه.. فلا يوجد سوري حر منتمٍ لوطن ودين وشعب وقيم، ويحتاج فعلاً لوطنه وللعيش مع شعبه في السراء والضراء.. من يفعل بشعبه ما تفعلون.؟! تقولون جميعاً، ولنا ظاهر القول نأخذ به ونمسكه حجة عليكم، تقولون: إنكم تريدون أن يحل الشعب السوري مشاكله بنفسه ومن دون أي تدخل خارجي من أي نوع:".. نعم القول، ونعم الرأي، ونعم التوجه، ونعمة الوسيلة.."، ألا.. نفذوا ما تقولون، وتذكروا قوله تعالى: ﭽ ﮤ    ﮥ  ﮦ  ﮧ  ﮨ  ﮩ  ﮪ  ﮫ  ﮬ  ﮭ  ﭼ الصف: ٣ وتقولون جميعاً: إنكم تُعلون إرادة الشعب، حسناً جداً: الشعب لا يريد أن تتقاتلوا على جثته وجثة الوطن ولا أن تدمروا كل شيء في البلد تدميراً.. ألا فاحترموا إرادة الشعب وافعلوا ما تقولون.!! تعلنون صباح مساء، وفي أقطار المعمورة وكل الأرجاء أنكم جميعاً تريدون سورية دولة موحدة أرضاً وشعباً، وتريدونها قوية، وتقرون بوجود تآمر عليها، وترفضون المؤامرة.. وهذا وعي وطني محمود، وموقف نضالي أو جهادي كما تحبون مطلوب، وهو مما يعلي لكم وللوطن والشعب قيمة ومقاماً.. إذن توحدوا لتقفوا بوجه المؤامرة ولتوحدوا الوطن والشعب بدلاً من أن تتخذوا: "علمين" و" حكومتين" و" سفارتين".. ولسانين.. وما شاء الشيطان لكم لا ما شاء الرحمن والشعب الذي في إجماعه على أمر خير ودفع للشيطان والشر.!؟ ألا أخبرونا بعد الذي أشرنا إليه من مواقف تنطوي على تناقض، كيف سينظر إليكم الشعب الذي ستحكمونه باسمه وأنتم تفعلون به ما تفعلون، وتتنكرون لإرادته وصوته ومطلبه وآلامه ومعاناته ودمه؟! بأي وجه سيحكمه الحاكم منكم جميعاً.. وأية نظرة سوف ينظرها إلى من يحكمه يا ترى؟!.. وكلٌ غرق في دمه أو أُغرق فيه، وكلٌ مسؤول عن المأساة التي يعيشها بدرجة ما، وكل لا يتوقف عن السير في طريق القتل والدمار والدم؟! ألا أخبرونا لكي نلائم أنفسنا مع من سيعلوا رقابنا بسيفه، ويحكمنا بقوة تدميره وجبروته وبعون من يستعين بهم على الشعب والوطن.. فإن في بعض المعرفة راحة يا أيها الساسة وحملة ألوية العنف الدموي الذي أغرق سورية الأرض والشعب والمستقبل والتاريخ.. ألا بربكم أخبرونا ففي بعض المعرفة راحة..

ولا حول ولا قوة إلا بالله.