خبر علاقة اسرائيل بتركيا: المرحلة التالية... اسرائيل اليوم

الساعة 08:53 ص|29 مارس 2013

بقلم: دوري غولد

(المضمون: هل تستطيع اسرائيل وتركيا ذواتا بنية الحكم المختلفة جدا ان تستغلا المصالحة بينهما للتوصل الى استقرار اقليمي طويل؟ - المصدر).

تتطلب التفاهمات التي أحرزت بين اسرائيل وتركيا في اطار تطبيع العلاقات بينهما، نظرا أعمق في العلاقات بين الدولتين على خلفية الوضع الحالي في الشرق الاوسط. يوجد في أساس السعي الى المصالحة قلق أخذ يقوى عند الدولتين من موجة عدم الاستقرار الاقليمي الحالية ولا سيما في سوريا، التي قد تنتقل الى دول جارة كالعراق.

برغم ان تركيا مرتبطة بالغرب عن طريق مؤسسات كثيرة كحلف شمال الاطلسي، فانه ما زال يحكمها حزب العدالة والتنمية الذي وصفت ايديولوجيته بأنها "عثمانية جديدة" في برقيات امريكية داخلية سُربت الى وسائل الاعلام. ومعنى هذا التعريف ان الحديث عن حزب يطمح الى توسيع دوائر تأثيره الى مناطق كانت جزءا من الدولة العثمانية قبل الحرب العالمية الاولى.

في تشرين الاول 2009 عرض وزير الخارجية التركي احمد داود اوغلو في سراييفو الايديولوجية التي هي في أساس سياسة أنقرة الخارجية بقوله: "كان البلقان والقفقاز والشرق الاوسط في وضع أفضل حينما كانت تحت تأثير العثمانيين أو حكمهم".

في تلك السنين استضافت تركيا مؤتمرات لشبكة الاخوان المسلمين العالمية التي اشتملت على حماس وأكدت التزامها بسياسة خارجية ايديولوجية دعمت جهات اسلامية. فهل تستطيع اسرائيل وتركيا اللتان تتمسكان بتصورين عامين مختلفين كثيرا ان تنسقا بينهما بغرض الحفاظ على استقرار اقليمي؟.

في كتاب هنري كيسنجر وزير الخارجية الامريكية السابق الاول الذي كتبه لينال شهادة الدكتورة في جامعة هارفارد تحير في هذه المسألة بالضبط حينما فحص عن السياسة الاوروبية في مطلع القرن التاسع عشر بعد حروب نابليون.

فهم الدبلوماسيون في ذلك العصر مثل ماترنخ النمساوي ووزير الخارجية البريطاني كسلري، فهموا جيدا ان النظام الدولي القديم في القرن الثامن عشر الذي حافظت عليه عائلات النبلاء الاوروبية نقضته القوى الثورية التي اندفعت من فرنسا. وأقروا التسوية الجديدة فيما عُرف بعد مؤتمر فيينا في 1915 بأنه الكونسيرت الاوروبي.

إن النظام الاقليمي الجديد ألف بين دول ذات بنية حكم مختلفة بل متناقضة تماما احيانا. فقد عملت بريطانيا الليبرالية التي نظرت بايجابية الى ازدياد التوجهات الديمقراطية والمطالب الجديدة بين شعوب في اوروبا، عملت مع كل ذلك مع زعماء محافظين في النمسا وروسيا بغرض منح اوروبا استقرارا.

وحاول ماترنخ، الذي هو بطل كيسنجر، ان يربط البريطانيين بغرض حماية نظم الحكم المحافظة. ودفع الدبلوماسي النمساوي قدما بمباديء سياسية من اجل النظام الاوروبي كله وهي مباديء عملت في مصلحة نظم الحكم المحافظة.

أراد ماترنخ قبل كل شيء ان تقبل جميع الدول مبدأ "عدم التدخل في الشؤون الداخلية" لدول اخرى وحاول بذلك ان يوقف الموجة الثورية.

يرى كيسنجر انه كان عند الاتراك تفاهم مشترك على اهداف معقولة بالنسبة للسياسة الاوروبية الخارجية في كل دولة والطرق السياسية التي يمكن استعمالها للدفع قدما بتلك الاهداف. وكفوا عن الجدل في مقدار العدل وراء دعاوى كل دولة.

وكان الهدف الدبلوماسي عندهم في واقع الامر محصورا بقدر أكبر وهو ضمان استقرار اوروبا ومنع حرب كبيرة كحروب نابليون.

نشر كيسنجر بحثه تحت عنوان "عالم عاد الى سابق عهده: ماترنخ وكسلري ومشكلات السلام 1812 – 1822". وحاول ان يفهم الصيغة التي استعملها الدبلوماسيون الاوروبيون ليدفعوا قدما وفي حذر تفاهمات في أنحاء اوروبا، وهي تفاهمات ستبقى بعد ذلك عشرات السنين.

ويذكر ان الطريقة التي أحدثها هؤلاء الساسة منعت مدة 99 سنة (الى 1914) حربا كبيرة في وسط اوروبا. حربا كبيرة ذات قدرة على ان تجذب جميع القوى الاوروبية الكبيرة بخلاف حروب أصغر لم يمكن منعها كحرب القرم (1853 – 1856) والحرب بين فرنسا وبروسيا (1870 – 1871).

وحاول كيسنجر ان يطبق دروس ذلك العصر على الصراع بين الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي في خلال الحرب الباردة، لكن هل يمكن ان نتعلم من تلك التأملات عن الشروط الأساسية التي ستدفع الى دبلوماسية ناجحة في الشرق الاوسط اليوم؟.

أولا كان يجب على زعماء الدول في القرن التاسع عشر ان يقفزوا قفزة ايديولوجية ضخمة ويتبنوا توجها براغماتيا لتحديد أهدافهم الدبلوماسية. واضطرت الدول الى كف جماح الحماسة الايديولوجية التي ثبتتها في وضع مواجهة عسكرية دائمة بعضها لبعض. وذكرت مقالة مهمة في الـ 25 آذار في الصحيفة التركية الاسلامية "زمان" ان الحكومة التركية "لا تجد فائدة في وضع مواجهة دائمة مع اسرائيل".

وبيّن صاحب العمود الصحفي بوصفه اسرائيل أنها "دولة مهمة في المنطقة" بيّن لقرائه ان الاحداث في سوريا وفي العراق ومع الاكراد "أجبرت تركيا على ان تفتح على الأقل قنوات تشاور مع اسرائيل". واذا تبنت حكومة تركيا هذا التوجه فهناك احتمال لأن تؤتي المصالحة أُكلها.

وثانيا أدركت الدول الاوروبية التي بحث كيسنجر أحوالها، جيدا الأخطار التي تترصدها والاستقرار العام الذي قد يتضعضع نتاج الواقع الثوري. وهو يُحذر في كتابه من وضع فيه: "... اعتادت فيه القوى الكبرى قبل ذلك حياة وادعة دون تجربة كارثة"، ولم تدرك لذلك الحاجة الملحة الى العمل معا لوقف تدهور اقليمي.

ويضيف: "بعد ان نُومت بفترة استقرار كان يبدو أنها ثابتة، كان من غير الممكن تقريبا ان تستوعب بصورة حقيقية دعوة القوة الثورية التي ترمي الى تحطيم الاطار القائم".

يبدو ان تركيا التي استوعبت عشرات آلاف اللاجئين من سوريا، ليست عندها أوهام تتعلق بالأخطار التي يثيرها الوضع الحالي في الشرق الاوسط وتأثيرها في مصالحها الحيوية.

وهناك درس آخر وجده كيسنجر من القرن التاسع عشر وهو نظرة أكثر عمقا في النتائج التي قد تأتي بها الدبلوماسية، فقد طمح الى فهم كيف يمكن احلال السلام لكنه كتب انه يجب على الدول قبل كل شيء ان تجعل الاستقرار غايتها لا ان تنصب غاية لا يمكن احرازها.

وأضاف: "إن تلك العصور التي تبدو لنا في نظرة الى الوراء أكثر سكينة لم تشغل نفسها بالبحث عن السلام. إن اولئك الذين يُخيل الينا ان بحثهم عن السلام لا نهاية له يبدو أنهم الأقل قدرة على جلب الهدوء".

إن السلام عند كيسنجر ما زال هدفا ساميا لكن لا يمكن التوصل اليه إلا بمسار يجلب قبل كل شيء استقرارا اقليميا وأمنا.

كان كيسنجر على علم بأنه حينما أصبح السلام "الهدف الأعلى لقوة من القوى العظمى أو مجموعة من القوى العظمى، فان النظام الدولي كله كان خاضعا لأكثر المجتمعات قسوة". وكان قصده الى الدولة ذات مطامح الى الهيمنة تهدد كل محاولة لاحراز تسوية سلمية.

ان ايران اليوم تضع جنودا من حرس الثورة على ارض سوريا وليس واضحا الى اليوم ما هو موقف تركيا من ايران وجهود تسلحها.

اذا أدركت أنقرة ان طهران في اللحظة التي تجتاز فيها السقف الذري، ستنهي كل جهودها الدبلوماسية مع جاراتها، فان علاقاتها المتجددة باسرائيل قد تصبح فعالة وتكون قاعدة صلبة للتعاون في المستقبل.