خبر محبو البلاد.. معاريف

الساعة 09:36 ص|27 مارس 2013

بقلم: نوعام شيزاف

(المضمون: الكفاح ضد الاحتلال، الاحتجاج الاجتماعي، التطلع الى اقامة اقتصاد اشتراكي والحفاظ على البيئة كلها نماذج عن الوطنية الحقيقية. رد على درور بوير - المصدر).

مقال درور بوير في "غلوبس" ("ايها اليساريون، مللناكم") اصبح في الاسبوع الماضي رائجا في الشبكة. فقد ادعى بوير بان على اليسار سيطرت عصبة ممن يرون السواد، وان اليساريين غير جديرين بنوابهم، وبالاساس بان اليسار ليس وطنيا بما يكفي، وهذا هو السبب الذي يجعل الجمهور يكرهه. هذا نص جيد لانه يلمس الاعصاب المكشوفة للكثير من القراء، وهذا هو الدور الاساس للصحفي. غير قليل من الناس ممن نزلوا باللائمة على بوير نسوا هذا الموضوع الاساس. الاعلام الجيد يفترض به أن يضيف لا أن يداعب الأنا.

ولكن بصفتي من لم يخفِ أبدا مواقفه اليسارية، أعتقد أن بوير ارتكب خطأ اساسيا واحدا، وهو تبني تعريفات اليمين الاسرائيلي بشأن المواطنة الصالحة، محبة البلاد والحس الوطني. في اليمين وفي الوسط الحس الوطني يكون مرات عديدة نزعة التطرف الكفاحي، القومية المتطرفة والتعصب القومي. والنماذج التي اعطاها بوير ("علم مرفوع ومجندة بالبزة") تثير انفعالا أقل لدي. في نظري، الاحتجاج الاجتماعي هو مثال افضل بكثير عن محبة الوطن من مسيرة أعلام في شرقي القدس. فما الذي يمكن أن يكون وطنيا أكثر من مئات الاف الاشخاص الذين يخرجون الى الشوارع من أجل اصلاح المجتمع الذي يعيشون فيه؟

اكثر من خمس مواطني اسرائيل ليسوا يهودا. فهل حقا يمكن محبة الدولة ومقت خُمسها؟ هل يمكن محبة البلاد وكره مساجدها وأشجار زيتونها؟ ما يبدو كتفاهة ومزايدة هو في مرات عديدة محاولة للقبول والتعبير عن تعدد الالوان والغنى في هذا المكان، وليس تقليصه الى شيء طاهر وباعث على السأم. اليمين يعشق الدولة كجهاز وكفكرة، واليسار يحاول أن يفكر بالناس الحقيقيين الذين يعيشون فيها.

كيسروي (آسف)، حسي الوطني يرتبط بالكثير من الاشياء، كالثقافة مثلا. بمئير اريئيل وزوهر ارغوف، بالسيرة الذاتية لاسي ديان وحياة الليل في تل أبيب، ولا أحتاج الى اي دعم مصطنع من الناطق بلسان الجيش الاسرائيلي او من وزارة الاعلام والشتات. احدى المفارقات التي يتجاهلها بوير هي ان الانتقاد اليساري المهووس، النبش في التاريخ وتلك الهروبية التل أبيبية الشهيرة تصبح مع مرور الوقت قمم الابداع الاسرائيلي، تل الامور التي نحب أن نسوقها للعالم. ناهيك عن اعلام اخرى لليسار، مثل جودة البيئة والاشتراكية. فلماذا تكون الرغبة في اقامة حي من الفيلل على رأس تلة تعتبر حسا وطنيا أم التطلع الى الحفاظ على الاشجار وعلى الحيوانات التي فيه هو نوع من الانهزامية؟ فهل يوجد تعبير أكثر نجاحا على محبة الشعب من محاولة اشراكه كله بثمار النشاط الاقتصادي؟ اليمين يطور نهجا تتمتع به الاقلية وبعدها يعوض الجمهور بالاقوال الفارغة عن العزة الوطنية. هذا ليس حبا، هذه حيلة من مكاتب الاعلانات.

ويوجد ايضا الاحتلال. الصراع ضده – بما في ذلك عرض الغسيل القذر على العالم – هو الامر الاكثر وطنية الذي يمكن عمله في هذه اللحظة . فلا يوجد اي مستقبل لوجود يهودي في هذه البلاد دون ترتيب العلاقات مع الفلسطينيين ولا يوجد اي احتمال لاقامة مجتمع مثالي في ظل ظلم شامل ومتواصل لملايين الناس. ومثل العملية الجراحية لمريض السرطان أو التدخل من أجل مدمن على المخدرات، فان المواجهة الداخلية التي تؤدي الى انهاء الاحتلال هي مواجهة ضرورية، وكل مظاهر الوحدة تلك ليست سوى وهم خطير. الامر الذي يذنب فيه اليسار ليس اراءه ولا تدمير الحفلة الوطنية بل الفشل في الوقوف عند قيمه. في الحديث عن الاشتراكية في ظل الدفع بالمقدرات نحو النخبة الضيقة. في خلق اطر كانت دوما رجولية جدا، اشكنازية جدا ويهودية جدا، وفيها بالذات اولئك الاشخاص الذين باسمهم تحدث اليسار شعر الناس بغير راحة اكثر. في التعاون مع الاحتلال. ورغم كل هذا، فان اليسار واليساريين يقترحون الفكرة الوحيدة القادرة على اعطاء مكان للاصوليين والعلمانيين، للشرقيين والاشكناز، للعرب والمستوطنين. اليوم، اكثر من اي وقت مضى، يستحق الامر الكفاح في سبيلها.