خبر اوسلو مات، ماذا بعد؟ - هآرتس

الساعة 10:44 ص|25 مارس 2013

ترجمة خاصة

اوسلو مات، ماذا بعد؟ - هآرتس

بقلم: ابراهام بورغ

رئيس الكنيست الاسبق

(المضمون: مصير الشعبين مرتبط الواحد بالاخر في هذه الارض. برنامج سياسي يقوم على اساس فكر جديد يضمن المساواة التامة بين المواطنين في كل البلاد والغاء امتيازات اليهود وعودة اللاجئين بما يضمن عدم خلق مظالم جديدة  - المصدر).

في الخريف ستحل الذكرى العشرين لاتفاقات اوسلو. النشوى والامل اللذين رافقا ولادة المسيرة أخليا مكانيهما لسفك الدماء، التهكم والكثير جدا من اليأس، الغضب والمخاوف. وصلنا الى مفترق القرار. يمكن أن نواصل هكذا، المزيد من ذات الشر، على مدى سنوات كثيرة جدا. مزيد من الاهانة والتحقير، مزيد من الثأر والكراهية، انتظار ولادة دوائر من الاشتباه، التعالي والتجاهل الجديدة وأسوأ منها. لقد اعتدنا. ولكن يمكن ايضا خلاف ذلك. كي نتمكن هذه المرة من ان نتوجه في المفترق الى المسار السليم للشعبين، يجب العودة الى الوراء والاستيضاح بصدق ما الذي تشوش في المحاولة السابقة.

سهل تعليق الذنب بالعناصر الخارجية الواضحة للعيان. اغتيال اسحق رابين، القيادة الفلسطينية، ولايات جورج بوش، اريئيل شارون، ايهود باراك وبنيامين نتنياهو وآثار عمليات البرجين. ولكن الحقيقة توجد ايضا في أماكن اعمق. احدها سياسي داخلي، والاخر بعيدا يتجاوز السياسي الداخلي.

في الساحة السياسية الداخلية كل واحد منا – الاسرائيليين والفلسطينيين – لم يفعل ما يكفي، هذا اذا فعل اصلا كي يكبح جماح آليات تدمير السلام البنيوية فينا. فقد وقع الاسرائيليون على اتفاق سلام ولم يوقفوا للحظة مشروع الاحتلال من خلال المستوطنات. ولم تفهم أبدا في اسرائيل الحساسية الفلسطينية تجاه المشروع الاستعماري الكبير للحركة الصهيونية. فقد كان توقع الفلسطينيين ولا يزال بان مقابل التنازل الاكبر الذي قدموه عن معظم وطنهم حسب وعيهم له سيتوقف التآكل والضم الزاحف للقليل المتبقي لهم في الاتفاق. ولم يفهم الفلسطينيون الحساسية الاسرائيلية لمواصلة ثقافة التحريض والعنف التي خرجت من المساجد ووجدت تعبيرا فظيعا لها في العمليات. الصدام بين المستوطنات والتحريض كان محتما. وعندما وقع، انهار كل المبنى. والنتيجة: "اوسلو مات" منذ سنوات عديدة، وفقط نسوا الاعلان عن ذلك للشعوب وللزعامات.

القسم الاخر يوجد خلف السياسة الداخلية. فهو يكمن في السياسة النفسية. لا يمكن انهاء نزاع دموي يعود الى مائة سنة فأكثر دون الاعترف بآلام عدو الأمس. وبدلا من الانصات كبتنا وتجاهلنا، كل واحد بطريقته، الصدمات، الجروح وندبات الآخر. غير أن أبدا لن يكون ممكنا هجر مسار الصدام المستمر دون احتواء الماضي. نحن، الاسرائيليين، ملزمون بان نعترف بمسؤوليتنا عن النكبة ونشوء صدمة اللاجئين كنتيجة لاقامة دولتنا. اما الفلسطينيون فملزمون بان يعترفوا بالندبات التي تركها تاريخ العنف، الذي ذروته في الكارثة، في الشعب اليهودي، في روح الفرد والجماعة الاسرائيلية، وان كانوا غير مسؤولين عنها.

لم تولد اتفاقات اوسلو كي تعيش الى الابد. كانت فقط علة مؤقتة. جاءت لاعادة بناء الواقع: من الاحتلال والسيطرة الى الشراكة بين متساوين. غير أن غياب دولة فلسطينية تجلس الى طاولة المفاوضات كمتساوية لدولة اسرائيل كان في أساس المسيرة غير المتساوية. الدولة الفلسطينية كانت الجزرة المطلقة التي لم تردها اسرائيل بمخاوفها أبدا، أو في الواقع تريد اعطاءها. اما الفلسطينيون فلم يكونوا أبدا مستعدين لان يتنازلوا عنها، وعن حق.

وفي هذه الاثناء فان الواقع لا ينتظرنا. الى مكان السياسة السلبية يجتاح آخرون. واقعان جديدان يصطدمان بينهما الان. الدولة الفلسطينية هي حقيقة دولية ناجزة. السياسيون الفلسطينيون بتوجههم الى الامم المتحدة أحيوا صيغة الدولتين للشعبين لزمن طويل آخر، بينما بالمقابل تعزز فكرة الدولتين القوى الساعية الى القفز عن مرحلة فصل الجماعتين السكانيتين والانتقال مباشرة الى دولة واحدة. بعضها قوى ايجابية، تؤمن بانه يمكن العيش معا. قوى اخرى من الطرفين، اقوى، سلبية، عنيفة ومتزمتة، تحلم بدولة واحدة يكون فيها شعب ما سيدا أعلى والاخر مرعيا أدنى. ومن أجل الصعود مرة اخرى الى طريق الحوار، المصالحة والسلام واجب علينا أن نقف بشجاعة، كل واحد في جماعته السكانية، ضد اولئك الذين يحاولون – في اسرائيل وفي فلسطين – ان يقتلوا من الداخل العطش للسلام بالعنف وبزرع الخوف.

أؤمن بانه حان الوقت لفحص امكانيات نماذج فكرية جديدة، اخرى، تنقذنا جميعا من الاثمان الرهيبة لجولات اخرى من الاهانات والتعالي، الاحتلال والعنف.

بمرور عشرين عاما على اتفاقات اوسلو، خمسة وأربعين عاما على احتلال الضفة الغربية وقطاع غزة على ايدي الاسرائيليين، أربعة وستين عاما على قيام دولة اسرائيل وبداية النكبة الفلسطينية، وصلنا الى طريق مسدود ليست فيه حرية للشعب الفلسطيني ولا أمن للاسرائيليين. لم نقترب على الاطلاق من حل عادل ودائم لدولتين للشعبين. كلنا نعيش تحت نظام واحد من حكم اسرائيلي يميز ضد الاخرين. واضافة الى ذلك، فان الكثيرين منها فقدوا الامل ولم يعودوا قادرين على أن يتصوروا حلا عادلا كهذا في المدى المنظور للعيان.

في محاولة لشق طريق جديد لمصالحة تاريخية والتزام سياسي حقيقي بين الشعبين، واجب علينا هجر فكرة الحل الحالي، التي تقوم على أساس الكثير من طبقات الفصل، العزل، والتمييز البنيوي. يجب استبدالها بمبادىء وطرائق مختلفة تماما. وصلنا – الكثير من الرفاق، اسرائيليين وفلسطينيين، بعضنا من هنا وبعضنا من الشتات – الى الاستنتاج بان هذا ممكن وحيوي معا أيضا. لا تقصد هذه المبادىء اقتراح حلول عملية ومفصلة، بل وضع بنى تحتية اخرى تماما لشراكة اسرائيلية يهودية – فلسطينية نزيهة ودائمة. نقطة منطلقنا يعود أساسها الى الايمان بأن مصير الشعبين مرتبط بعلاقة غير قابلة للانفصال؛ وان اليهود – الاسرائيليين والفلسطينيين هم جزء من الشرق الاوسط، ولا أي طرف منهما يحق له حقوقا زائدة أو سيادة حصرية على اي قسم من البلاد التي بين نهر الاردن والبحر المتوسط.

          ولهذا الغرض فان:

  • ·       كل شخص  يسكن (او أنه ذو مكانة مقيم) بين نهر الاردن والبحر المتوسط تضمن له حقوق شخصية، سياسية، اقتصادية واجتماعية متساوية. من ضمنها الحقوق في الدفاع والامن؛ تلقي معاملة متساوية دون أي تمييز بين الجنسين، في العرق، الاصل الاثني أو المعتقد الديني؛ في حرية الحركة؛ في الملكية وفي حيازة الملك؛ في رفع الدعاوى الى المحاكم؛ في الانتخاب والترشيح.
  • ·       الحقوق الجماعية لليهود – الاسرائيليين والفلسطينيين، اللغوية، الثقافية، الدينية والسياسية، تضمن في كل اطار سياسي. مفهوم انه لن تكون لاي طرف سيادة حصرية على كل المجال الارضي الذي بين نهر الاردن والبحر المتوسط (بما في ذلك الملكية الحصرية على الارض، قدرة الوصول الحصرية الى المقدرات الطبيعية وما شابه).
  • ·       الغاء كل الحقوق الزائدة الحصرية الممنوحة اليوم لليهود الاسرائيليين وحدهم، بما فيها: الملكية على الارض، قدرة الوصول الى المقدرات الطبيعية؛ كل المقدرات – المادية والسياسية – توزع من جديد على اساس مبادىء عدل توزيعي تعديلي.
  • ·       الاعتراف بحق العودة للفلسطينيين وارد في قرار الامم المتحدة 194. تطبيق هذا القرار يراعي الواقع القائم عمليا. عدم العدل الاخلاقي والسياسي لسلب اللاجئين في الماضي لن يصلح من خلال خلق مظالم غير عادلة جديدة.
  • ·       المؤسسات السياسية الجديدة تسن قوانين هجرة ديمقراطية لترتيب المواطنة. ومع ذلك، فاليهود والفلسطينيون الذين يعيشون في الشتات سيحظون بالحصول على حصانة في أوضاع الخطر (حسب قرارات الامم المتحدة). ستكون لهم مكانة خاصة في عملية التوطن، بالمقارنة مع كل مجموعة اثنية أو عرقية اخرى.

مثل الكثيرين فان أؤمن من كل قلبي بان الاعتراف المتبادل الذي يقوم على أساس هذه المبادىء يمكنه أن يدفع الى الامام واقعا سياسيا بديلا فيه ذكريات المنفى واللجوء تصبح تطبيقا عاما للحقوق، المواطنة والانتماء. يتحول الثكل الى حياة واليأس الى أمل.