خبر عدوان متوقع.. فإلى أين المنتهى؟!..علي عقلة عرسان

الساعة 03:53 م|22 مارس 2013

يعدّون المسرح هذه الأيام لعدوان خارجي على سورية، تدخل عسكري يستهدف سلاح الصواريخ بأنواعه والطيران والمطارات وقوى الدفاع الجوي.. وقد قال الأدميرال جيمس ستافريدس، أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأميركي: إن "بعض الدول في حلف الأطلسي تتحدث عن إمكانية القضاء على المضادات الجوية السورية".، وقد قال بريطانيون وفرنسيون قبل أيام قليلة: " الآن أصبح باستطاعتنا القضاء على الصواريخ والقوى الجوية السورية"، وهم يقصدون بعد أن تم تم تدمير قواعد جوية وطائرات ومطارات، وبعد إشغال ألوية وكتائب من الدفاع الجوي وقوى عسكرية أخرى في الجيش العربي السوري بقتال مع المسلحين في مواقع كثيرة من سورية، لا سيما بعد عمليات حصار أو اقتحام المسلحين لمواقع من هذا النوع بعد وجِّهوا قبل أشهر إلى هذه الأهداف الحيوية.

كان البريطانيون والأميركيون والفرنسيون، " أي القوى النافذة عملياً في حلف شمال الأطلسي" التي نفذت بمشاركة إيطاليا السيناريو الليبي ابتداء من بنغازي، كانوا يقولون حين طلبت منهم جامعة الدول العربية ودول عربية مساندة بالمال والسلاح للمعارضة السورية، بغطاء ودعوة للتدخل من جامعة الدول العربية والمعارضة المسلحة: " لا بد من قرار من مجلس الأمن الدولي.. ولكنهم في واقع الأمر كانوا يدرسون الوضع العسكري والأمني في سورية ويهيئون لتنفيذ السيناريو الليبي فيها.. وحين لم يحصلوا على قرار من مجلس الأمن الدولي وفق الفصل السابع يبيح التدخل بغطاء دولي، بدأ بعضهم، لا سيما فرنسا، الترويج للتدخل تحت ىمسميات: " مناطق الحظر الجوي"، و" المناطق الآمنة"، و "الممرات الإنسانية " إلخ.. ولكن دراسة الوضع العسكري والأمني على الأرض بقيت مستمرة، ونشأ وضع معقد على رأسه تزويد روسيا وإيران لسورية بأسلحة أو بمزيد من الأسلحة.. ولذلك بدأ الحديث عن أن السيناريو الليبي لا يصلح لسورية".. وبدأ الحديث حينذاك عن تكاليف التدخل وكيفية الخروج بعد الدخول وتفاعلات التدخل إقليمياً ودولياً.. وترافق ذلك مع أوضاع اقتصادية في المحيط الأوروبي والأميركي أيضاً.. وأخذنا نسمع عن أن " إن الأمر مكلف، وإن الدفاعات الجوية السورية قوية، وإنه من الصعب تنفيذ السيناريو الليبي في سورية لأنها تملك قوة عسكرية وصواريخ مضادة للطائرات والصواريخ زودتها بها روسيا، وجاء إسقاط الطائرة التركية دليلاً على ذلك.

كان التدخل خارج غطاء من مجلس الأمن الدولي وارداً لدى بعض الدول مثل فرنسا وبريطانيا لولا الموانع الواقعية التي كانت تكمن في الحسابات العسكرية والنتائج على الأرض، وفي مواقف الدول المناصرة لسورية وتفاعلات التدخل العسكري إقليمياً ودولياً.. ويبدو أن التدخل بتلك المواصفات أخذ يعود ليقرع البواب والآذان.. فالقائد الأعلى للقوات الأمريكية في أوروبا الأدميرال جيمس ستافريديس يقول: " إن حلف شمال الأطلسي (الناتو) جاهز لاتباع الخطوات عينها التي اتخذت في ليبيا.".. هذا الكلام يتردد الآن.. فما الذي تغير على الأرض؟!

لقد عمد المعنيون بالتدخل العسكري في سورية إلى خطط أخرى تجعل السيناريو الليبي ممكن التطبيق في سورية، على الصعيد العسكري على الخصوص، فقد عملوا على إنهاك الجيش العربي السوري وتشتيت قواه وإضعافه، وتم توجيه المسلحين إلى المطارات والطائرات وقواعد الصواريخ المضادة للطائرات وقوى الدفاع الجوي الأخرى على الخصوص.. لتدمير ما يمكن تدميره والسيطرة على ما يمكن السيطرة عليه، وإخراج البعض من ذلك من دائرة الخدمة مع إنهاك الجيش.. كما عمدوا في الوقت ذاته إلى تسليح متدرج وتدريب عناصر سورية في قواعد تدريب خاصة على أسلحة نوعية وأمور قتالية خاصة.. وإلى التشجيع على السيطرة على مساحات من الأرض والسكان تشكل لساناً برياً يصلح للتمركز والتحرك. وبعد أن ضمنوا الآن ـ من وجهة نظرهم ـ الوصول إلى معطيات مناسبة على الأرض تساعدهم على تدخل "مضمون النتائج"، يحقق أهدافاً استراتيجية بخسائر محدودة.. أخذوا يعلنون لا عن التسليح النوعي للمعارضة، وإنما عن التدخل المباشر من دون حاجة لموافقة مجلس الأمن، وحتى خارج موافقة الناتو بإجماع دوله، حيث تعارض ألمانيا والدول الاسكندنافية التسليح والتدخل المباشر؟! وهو تدخل رأس حربته بريطانيا وفرنسا من خلال تركيا وبمشاركتها، وخلفه الولايات المتحدة الأميركية التي لا يتم أمر من دون مباركتها ومشاركتها بصورة ما، وسوف تترك لإسرائيل ما سماه الرئيس أوباما " حرية الدفاع عن نفسها" كما قال في زيارته الحالية لفلسطين المحتلة من القدس، وذلك بذريعة "الأسلحة الكيمياوية السورية"؟!.. وقد لوحت إسرائيل بتدخل عسكري بذريعة استخدام السلاح الكيمياوي، وحشدت قوات في الجولان السوري المحتل، وتم تصعيد في ذلك الاتجاه بعد أن تم ضرب "خان العسل" بصاروخ يحمل غازات سامة، وهي تتذرع لذلك بذرائع منها نقل هذا النوع من الأسلحة التي تزعم امتلاك سورية لها إلى حزب الله في لبنان.. ولكن الهدف الرئيس هو القضاء على قوة سورية وجيشها وإخراجها من معادلة المواجهة، ومن ثم كسر محور المقاومة الذي يمتد، أو يمكن أن يمتد من طهران إلى جنوب لنان عبر العراق، وذلك من موقع حساس هو سورية بما لها من موقع وموقف ودور.

يتساءلون عن التكاليف وعن الحسابات المالية التي أعاقت التدخل أو لجمت المتدخلين، لا سيما وأن أوربا تدخل في أزمات اقتصادية تؤثر سلبياً في مستقبل الاتحاد ذاته والولايات المتحدة تعاني من الأمر ذاته.. وعما إذا كانت فرنسا التي تحارب في مالي وتعاني من مشكلات اقتصادية ستتدخل في سورية وعلى أي أساس من حسابات الربح والخسارة؟! في التاريخ الاستعماري الأوربي، وفي مفاصل من التاريخ الأميركي يبدو أن العمل العدواني مربح!! فقد نهضت أوربا الاستعمارية وانتعشت اقتصادياً وكونت صناعاتها العملاقة وثروات الهائلة التي ساهمت في تطوير قواها العسكرية وتقنياتها نتيجة لنهب ثروات الشعوب المستعمَرة واستلاب إرادة تلك الشعوب وقرارها السيادي لعقود طويلة من الزمن.. والتدخل في الشأن السوري اليوم، سواء عن طريق التسليح " ازدهار سوق بيع السلاح" أو عن طريق العدوان الجوي أو.. أو.. بدا أنه يدخل الحسابات الفرنسية والبريطانية من باب الربح، وقد غدا "شرطاً" أو ما يقرب من الشرط على نحو ما لتدفق استثمارات مالية هائلة من قطر إلى بريطانيا على الخصوص، فضلاً عن أنه تدخل عسكري مدفوع القيمة مثله مثل أشكال من التدخل سابقة.. ذلك لأن قطر قد وعدت سابقاً بدفع مبلغ مليار دولار لتغطية تكاليف تدخل عسكري من الجو في سورية لإقامة مناطق حظر جوي أو غير ذلك مما يدخل في السياق ذاته، وربما زاد المبلغ الآن بدوافع ثأرية "؟!؟"، وهناك دول عربية أخرى يمكن أن تساهم بدفع التكاليف، فللأوروبيين والأميركيين طرقهم الناجحة جداً في الابتزاز!! ثم إن أكثر من 16 مليار دولار من الاستثمارات القطرية في بريطانيا وما لا نعرف قيمته حتى الآن في فرنسا في طريقها إلى هناك.. وهذا يجعل لعاب الدولتين "العظميين" يسيل.. وقطر تربط ذلك بتنفيذ عمل عسكري ضد سورية يسقط نظام الأسد وينصر من يوالونها، وربما أصبحت تشترط ذلك. هذا فضلاً عن أن جهات عربية معنية بالتمويل والتسليح وانتصار المعارضة المسلحة في سورية بأطيافها، وهي تنافس قطر أحياناً في ذلك المجال، أصبحت على استعداد للمضي في هذا الاتجاه حتى النهاية وكأنه طريق حياة أو موت.!! وهذا ما يدفع الآن باتجاه توقع عدوان عسكري واسع يدمر ما تبقى من قوات سورية وقدراتها وبناها المختلفة، ويفعل فيها ما فعله العدوان الأميركي ـ البريطاني في العراق قبل عشر سنوات. وكل ذلك الذي يفعله العرب بعضهم ببعض، ويستعينون بالغربيين على فعله ضد أنفسهم، يصب في النهاية في مصلحة طرف أساس يخدمه الأميركيون ولا يتردد في تأييده الأوروبيون هو إسرائيل العنصرية ذات التاريخ الإرهابي ـ الإجرامي في وطننا العربي عامة وفي فلسطين خاصة، وقد استطاعت بتعاون مع حلفائها الغربيين أن تجعل كل ما يقلقها من المقاومة والصحوة الإسلامية والوعي الفلسطيني المتجدد المطالب بحق العودة والمتوسل إلى تحرير الأرض بالمقاومة، استطاعت أن تجعل ذلك كله وملفاتها العدائية ضد سورية والمقاومة اللبنانية والفلسطينية وضد إيران قضايا وملفات "عربية ـ عربية" و" عربية ـ إيرانية" بامتياز.. فقد تبنى العرب مقاومة المشروع النووي الإيراني بوصفه موجهاً ضدهم بالدرجة الأولى، أما أسلحة إسرائيل النووية المتطورة فهي أسلحة صديقة و" ضرب الحبيب زبيب" كما يقول المثل الشعبي؟! وجعلت المقاومة ضد الاحتلال ومن يدعمها في موقع الإرهاب ومن يدعم الإرهاب، عبر مفاهيم ومصطلحات وسياسات يتبناها الإعلام العربي على الخصوص ويعمل وفقها ويقوم بالشحن الشعبي على أسسها.. وتم العمل على تحويل هذه الملفات وسواها، بعد تبنيها من معظم العرب، إلى شحن طائفي بغيض وفظيع وشنيع، لينتقل الصراع من صراع ضد العدو الصهيوني والاحتلال والاستيطان والتهويد إلى صراع " سني ـ شيعي"، "عربي ـ كردي "، "عربي ـ أمازيغي"، "سوري ـ سوري"، "مصري ـ مصري ".. والحبل التقزيمي على الجرار. وقد بدأ العمل على ذلك منذ حرب عام 2006 في لبنان، حيث انتصرت المقاومة اللبنانية على إسرائيل بصمودها على الأقل، وهددت العمق المحتل إسرائيلياً من فلسطين، أو أنها لم تنهزم كلياً أمام قوة الاحتلال والعدوان.. الأمر الذي أكسبها مداً شعبياً عربياً أريد له أن يحجم أولاً ثم يستبدل بعداء ومن ثم يؤول إلى صراع داخلي عربياً.. فدخلنا أو أُدخلنا في ظلمات دوامات من هذا النوع في أقطارنا وبين أقطارنا ومكونات أمتنا؟! ورفعت الفتنة الطائفية رأسها بين ظهرانينا على صورة صراع طائفي مقيت ينمو ويشتد بقوة ملحوظة منذ ذلك التاريخ.

إن ساستنا اليوم يتعادون ولا يرتفعون ولا يرفعوننا إلى أفق أعلى من التناحر والتدابر والتآمر ونشر الموت والظلم والظلام بأنواعه والفوضى التي يتبناها الأميركي نهجاً للتغيير والتدمير.. وعلماء الدين عندنا يتقاتلون، ويفتي بعضهم ضد بعض،  ويقضي بعضهم على بعض، ويحرض بعضهم على ذبح بعض.. فندخل مخاضات الدم حتى في المساجد.. وما جرى أمس الخميس قبيل صلاة العشاء في مسجد الإيمان بدمشق ، حيث استشهد الشيخ محمد سعيد رمضان البوطي وثمانية وأربعون آخرون كانوا يستمعون لحديثه في المسجد، عدا عن سقوط جرحى بالعشرات من جراء عمل انتحاري جعلنا نغوص في الدم ونغرق أكثر في الفتنة..  وشبابنا يحملون السلاح بحمية وحماسة ويتقاتلون بشراسة لو كان معشار معشارها في مواجهة مع العدو الصهيوني المحتل لكنا حررنا فلسطين ورفعنا عن صدورنا جبالاً من الذل تثقل علينا منذ عقود..!! وإعلامنا في أقطارنا ينحدر إلى درجة ازدراء الحقيقة والازراء بمن يناصرها أو يرفع الصوت بموضوعية ما في تقديم رؤية أو رأي أو دعوة، إذ عليه ـ من وجهة نظر السائد الفاسد ـ أن يخوض معمعان صراع الشتم والذم والعنف والدم من دون وعي أو حساب أو نظر في الأسباب والنتائج..؟! والأبرياء من أبناء شعبنا، لا سيما الأطفال والنساء والشيوخ، يدفعون ثمن الصراع البائس من دمهم وأمنهم وراحتهم واستقرارهم في وطنهم وبيوتهم..؟! وكل حديث محكوم بمعطيات العقل والضمير وقيم الإسلام والعروبة يحكم عليه بتهور وهوس وعصابية وتعصب!! من لا يملك سوى النزوة والشهوة والنزق والانفعال المفرط والتسلط والقوة والعنف الانفعالي.. يحكم ويتحكَّم ويقود.. ومن يمكنه أن يقود برأي ورؤية وحكمة مرذول مزبول؟! من ينادي بالحق والعدل والحرية المسؤولة والمواطَنة المقبولة ويهتدي بالهدى الحق والعقل والإيمان والقانون ملاحق أو مقتول؟! ألا هل هذه أمتنا؟ ألا هل هذا بلدنا؟ ألا هل هذا نحن..؟! ألا إلى أين المنتهى؟! وهل بهذا نرد العدوان، ونقاوم المعتدي، وندفع عنا الشر والظلم والطغيان ونقيم البلاد والعباد على حق وحسن بناء وقيم أداء.. وبه نتقدم نحو العدل والحق والنهضة واحترام الإنسان وحقوقه وحرياته، ونحو الدولة المدنية أو الخلافة المرتجاة بهدي راشدي سليم وفقه ناضج؟! إن عدواناً جديداً على شاكلة ما كان على العراق وليبيا، يقرع أجراسه في محافل غربية وصهيونية وعربية، وسورية هي المستهدَفة به وهي مستهدفة أيضاً من بعض أبنائها ومن كل أعدائها.. فهل نواجه كل ذلك بمسؤولية المواطنين الوطنيين الذين يعنيهم وطنُهم وشعبُهم أكثر مما تعنيهم خلافاتهم وثاراتهم وأحزابهم وعصبياتهم وطوائفهم ومصالحهم الضيقة؟! إن الأمل معقود على الوعي والإيمان وصدق الانتماء وسلامة الحسابات والتوجهات.. فيا أبناء سورية لا تدمروا ما تبقى من وطنكم وجيشكم وقواكم وبُناكم، وفيئوا إلى العقل وحكِّموا الضمير والدين والمصلحة العيا للأمة فيما شجر بينكم من خلاف قادكم إلى مناقع الدم ومستنقعات البؤس.. ويا أيها العرب لا تدمروا ما تبقى من سورية، فهي بيتكم ودرعكم وطليعة من طلائعكم في المقاومةً والنهضة والاستنهاض،  وهي قوة من أهم قوى تحرركم والدفاع عنكم.. ألا فاتقوا الله في أنفسكم وفي الحرث والنسل فيكم ومن بعدكم.. ألا فاتقوا الله وتدبروا أمركم بما فيه الخير والوعي والمنفعة العامة وتقوى الله.

والله المستعان على كل حال.

دمشق في 22/3/2013

                                                                      علي عقلة عرسان