خبر المفكر هويدي:الذين يسـعون إلى شيطنة الفلسطينيين في مصر هم جزء من الفلول

الساعة 05:38 م|19 مارس 2013

غزة

أكد فهمي هويدي الخبير والمفكر الإسلامي المصري   ردا على الحملة الإعلامي التي يقوم بها بعض من الإعلام المصري أن الذين يسـعون إلى شيطنة الفلسطينيين وإيغار الصدور ضد «حماس» لا يعبرون عن مصر الحقيقية «الشقيقة الكبرى»، ومن ثم فإنهم لا ينطقون باسمنا، ولكنهم جزء من «الفلول» الذين تآمروا على شعب مصر ولا يزالون عبئاً على ثورته

واستعرض هويدي في مقال له اليوم يحمل عنوان " فصل في محنة الفلسطينيين بمصر" في صحيفة السفير اللبنانية الأخبار المفبركة التي يتم تداولها في الإعلام المصري ومؤكدا اختلاق العديد من الروايات المتضاربة حول الحدث وتناوله في وسائل الإعلام دون الاستناد لمصادر أو حقائق فقال معقبا:" حين يطالع المرء هذه المعلومات لا بد أن يستحضر حقيقة أن ثقافة المرحلتين الساداتية والمباركية تبنت موقف العداء للفلسطينيين عامة والخصومة لحركة «حماس» بوجه أخص.

وأضاف :"وفى ظل ذلك العداء اعتبر الفلسطينيون «أجانب» وتم إلغاء كل مظاهر الدعم الذي قدم إليهم في المرحلة الناصرية في العمل والإقامة والتعليم (كانوا يعاملون معاملة المصريين في مراحل التعليم المختلفة).

وأكد في مقاله :" ورغم أن الفلسطينيين يشكلون أقل الفئات العربية المقيمة في مصر (عددهم في حدود 100 ألف، في حين أن السودانيين خمـسة ملايين)، فإن حـظهم هو الأسوأ في المعاملة، فهم ممنوعون من التملك والتجارة (إلا للمتزوج من مصرية منذ 5 سنوات)، كما أن وثيقة السفر المصرية التي تمنح لهم لا تسمح لهـم بدخول البلد من دون تأشيرة. بل إن الفلسطيني المقيم حامل رخصة قيادة السيارة لا يسمح له بتجديد الرخصة إلا بعد المرور على الأمن، وبعد مضي شهر من تقديم الطلب. أما العنت والمهانة التي يعاني منها الفلسطينيون الراغبون في الذهاب إلى غزة فحدث فيها ولا حرج.

وبين في مقالته :" في عهد عبد الناصر كانت مصر «الشقيقة الكبرى» عوناً وسنداً للفلسطينيين كافة. وحين تصالح السادات مع إسرائيل انقلب عليهم وأصبح الفلسطيني متهماً وغير مرغوب فيه. ولما صار مبارك «كنزاً استراتيجياً» لإسرائيل استحكمت خصومته لفصائل المقاومة، وفى مقدمتها حركتا «حماس» و«الجهاد». وخلال هذين العهدين تشكلت طبقة سميكة من البيروقراطيين والسياسيين والإعلاميين عبرت عن السياسات المتبعة. وهؤلاء لم يختفوا بعد الثورة. ولكنهم لا يزالون على مواقفهم ويمارسون ضغوطهم، وفي أجوائهم تلك نشط جهاز الأمن الوقائي في السلطة الفلسطينية الذي لم يكف عن محاولة الإيقاع بين «حماس» وبين السلطة المصرية الراهنة، تصفية لحسابات قديمة وخشية انحياز «الإخوان» لها، مما يؤدي إلى تغيير موقف القاهرة الذي كان دائم الدعم لها في ظل العهد السابق، وقد قيل لي إن وثيقة تسفير رجال إلى مصر لدعم «الإخوان» تسربت أصلا من وثائق الأمن الوقائي في رام الله.

وفيما يلس نص المقال كاملا /

فصل في محنة الفلسطينيين بمصر

 

فهمي هويدي ـ السفير ـ 19/3/2013

لا يمكن أن يكون الذي يحدث في مصر للفلسطينيين مجرد مصادفات، ولا يمكن أن يتم بحسن نية، وإنما هو في أحسن فروضه من مخلفات مرحلة رفضها وثار عليها شعب مصر.

(1)

يوم الخميس الماضي 14/3 نشرت صحيفة «الشروق» على الصفحة الأولى خبراً خلاصته كما يلي: تم اعتقال خلية فلسطينية من سبعة أفراد قدموا من دمشق، وكانوا قد قضوا في إيران بعض الوقت، ثم دخلوا إلى سوريا بدون تأشيرة. وقد اشتبه فيهم ضابط الجوازات، فاستدعى فرقة التأمين. وأثناء تفتيش حقائبهم اكتشف رجال الأمن وجود رسم «كروكي» لمنشآت مصرية سيادية. فتم نقلهم إلى جهاز الأمن الوطني، حيث عثر بحوزة أحدهم على ملف ورقي به بعض صور لمؤسسات حيوية وعسكرية في مصر، بجانب حيازته أوراقاً مدونة بخط اليد عن كيفية تصنيع المتفجرات والتدريبات العسكرية، إضافة إلى مخططات إرهابية تستهدف تفجير بعض المنشآت في مصر. وقد اعترفوا في التحقيق معهم بأنهم كانوا يعتزمون القيام بعمليات تخريبية رداً على هدم الجيش للأنفاق «السرية» في غزة، وقد تم إطلاق سراح أولئك الأشخاص «بدون إبداء الأسباب». في اليوم نفسه كانت القصة هي الخبر الرئيسي على الصفحة الأولى لجريدة «الوطن» تحت العنوان التالي: الرئاسة تضغط للإفراج عن 7 فلسطينيين بعد ضبطهم وبحوزتهم خرائط لمواقع سيادية. وجاء في الخبر ما يلي: كشفت مصادر سيادية رفيعة المستوى أن مؤسسة الرئاسة مارست ضغوطاً شديدة على المخابرات الحربية لمنع تسرب أي معلومات بشأن القبض على 7 فلسطينيين في مطار القاهرة تبين أن بحوزتهم صوراً ورسومات لأماكن حيوية تخص القوات المسلحة. وأضافت تلك المصادر أن ضغوط الرئاسة استهدفت الإفراج عن المتهمين وترحيلهم إلى غزة عبر معبر رفح. وأشارت إلى أن السبعة دخلوا إلى مصر عبر الأنفاق أكثر من مرة وتلقوا تدريبات في «كتائب القسام» قبل أن يتلقوا تدريبات أخرى على القتال في إيران بواسطة المخابرات والحرس الثوري.

أهم إضافة لجريدة «الوطن» أنها نسبت الكلام إلى «مصادر سيادية» ولم توجه الاتهام بالتخريب إلى الفلسطينيين السبعة فحسب، وإنما وجهته أيضاً إلى الرئيس محمد مرسي الذي وجه بتدخل الرئاسة وممارسة ضغوطها الشديدة للإفراج عنهم وإعادتهم إلى غزة.

(2)

في يوم الخميس ذاته نشرت صحيفة «المصري اليوم» الخبر على صفحة داخلية بصيغة أخرى، فذكرت أن سلطات مطار القاهرة قررت إطلاق سراح الفلسطينيين السبعة، الذين ألقي القبض عليهم بعدما عثر معهم على خرائط وصور لمنشآت، بعد التأكد من سلامة موقفهم عقب التحقيق معهم.

وأوضح مصدر أمني بالمطار أن الفلسطينيين لم يحصلوا على تأشيرة خروج من السلطات السورية، وهو ما دفع رجال الأمن إلى فحص أوراقهم بدقة.

واكتشفوا مع الأوراق صوراً ومصحفاً إيرانياً (!) وشكوا في أن الصور تخص منشآت مصرية. وحين أبلغ جهاز الأمن الوطني بالواقعة وتم فحص المتعلقات تبين أن الصور تخص بعض المنشآت في غزة وإيران، وأنهم غير ضالعين في أي أعمال تخريبية بمصر.

ما ذكرته «المصري اليوم» ردده في الوقت ذاته بيان لمركز «أمد» الإعلامي الفلسطيني، الذي ذكر أن سلطات الأمن الوطني بمطار القاهرة أفرجت عن الفلسطينيين السبعة ونفت مصادرها ما نشرته بعض المواقع الإخبارية عن ضبط هؤلاء الأشخاص وبحوزتهم خرائط وصور لبعض المنشآت الحيوية والسيادية بمصر، مؤكداً أنه لم يعثر معهم على أي مستندات يمكن أن تضر بالمصالح المصرية، وإنما كل ما حملوه من أوراق وصور كان خاصاً بهم. كما لم يثبت تورطهم في أي أعمال إرهابية أو تخريبية داخل البلاد.

(3)

بعد يومين من هذه الفرقعة التي لا تحـتاج إلى تعلـيق. نشرت مجلة «الأهرام العربي» يوم السبت 16/3 ما اعتبرته انفراداً مثـيراً، ادّعت فـيه أنـها كشفت فيه عن أسماء ثلاثة فلسطينيين من قيادات حركة «حماس» وغزة، واعتبرتهم مسؤولين عن مذبحة رفح الشهيرة التي قتل فيها 16 ضابـطاً وجنـدياً في شهر رمضان من العام الماضي (2012) ـ وذكرت أن الثلاثة هم أيمن نوفل القيادي بـ«كتائب القسام»، الذراع العسكرية لحركة «حماس» ـ محمد إبراهيم أبوشمالة وشهرته أبوخليل، وهو من قياديي الـصف الأول بالحركة ـ رائد العطار مهندس ومخطط ومنفذ عملية اختطاف الجندي الإسرائيلي جلـعاد شاليط، (وصفته المجلة على غلافها بأنه رأس الأفـعى الحمساوية (!).

في التقرير نقطتان، أولاهما أن حركة «حماس» هي التي قامت بالعملية، انتقاماً من الجيش المصري بسبب قيامه بهدم الأنفاق الموصلة إلى غزة، والثانية أن رئيس تحرير المجلة ذكر أنه اتصل بمسؤولي المخابرات العامة المصرية وجهاز الأمن القومي، وتأكد من صحة المعلومات المنشورة.

حين وقعت على هذا الكلام اتصلت هاتفياً بالدكتور موسى أبومرزوق، نائب رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس»، فقال إنه كلام مكذوب بالكامل، وإنه على اتصال مستمر مع مسؤولي الملف الفلسطيني في المخابرات المصرية، ولم يسمع من أي منهم أية إشارة من هذا القبيل، وأضاف إن «حماس» كانت أول من أدان العملية واستهجنها، وأنها أبدت استعداداً للتعاون مع الجهات المصرية المعنية في كل ما تطلبه منها خاصاً بسير التحقيق.

من جانبي أجريت اتصالات بهذا الخصوص مع بعض المسؤولين المعنيين بالموضوع، وقيل لي صراحة أن لا علاقة لهم ولا علم لهم بالكلام المنشور ولم يرجع إليهم أحد في صدده.

وفي الوقت الذي جرى فيه الترويج لهذه القصة، أتيح لي الإطلاع على وثيقتين مزورتين على مشاركة حركة «حماس» في الدفاع عن الرئيس مرسي و«حركة الإخوان» في مصر. الأولى مكتوبة بسذاجة وركاكة، وهي عبارة رسالة «سري وعاجل جداً» موجهة من قائد كتائب القسام في غزة تاريخها 12/1/2013. موجهة إلى الإخوة المجاهدين في قطاع غزة. وموضوعها هو: «إعداد كشف بعدد 500 مجاهد من قبل الإخوة المعنيين»، وفى النص توجيه من قائد الكتائب لقادة الألوية بالقطاع يقول فيه: نرجو منكم إعداد كشوفات بأسماء عدد الإخوة المجاهدين لديكم، مع الأخذ بعين الاعتبار عنصر السرية. وذلك لما تتطلبه المرحلة الراهنة من تحديات تجاه إخواننا في مصر الشقيقة. وبناءً عليه تقرر تكليفكم بتحضير أسماء عدد من المجاهدين، بحيث يلتزم جميعكم فقط بـ500 مجاهد من كل لواء في قطاع غزة، وذلك للضرورة لمساندة الإخوة في مصر الشقيقة في ظل المحنة التي يعيشونها ومحاولات فلول العهد البائد للعودة إلى الحكم، ونتمنى منكم، كما تعودنا عليكم، أن يبقى هذا العمل في سرية تامة للمصلحة العليا، وانتظار اجتماع عاجل لتسهيل سفر الأشخاص المرشحين من قبلكم، وآليات إبلاغهم بالتعاون من دون لفت الأنظار. وبارك الله فيكم وجعله في ميزان حسناتكم ـ أدامكم الله لخدمة المشروع الإسلامي واستمرار نهج الجهاد والمقاومة.

الوثيقة الثانية عبارة عن تقرير تحدث عن خلاصة اجتماع عقد بالقاهرة في 11/1/2013 بين نائب مرشد «الإخوان» خيرت الشاطر وقائد كتائب «القسام» في غزة مروان عيسى، واستهدف ترتيب استقدام عشرة آلاف عنصر من القسام للتحسب لأي طارئ في مصر، مع حلول ذكرى «25 يناير». ذكر التقرير أنه في يوم الخميس 24 «يناير» دخل إلى مصر سبعة من قادة حركة «حماس» من خلال معبر رفح، وفى الوقت نفسه دخل عبر الأنفاق 500 عنصر وكميات كبيرة من السلاح أغلبها معدة للقنص، وفى يوم الجمعة 25/1 قام مروان عيسى قائد القسام بتجهيز ثلاثة آلاف دخلوا عبر الأنفاق إلى مصر قبل صلاة فجر السبت 26/1 ـ وفي مساء اليوم ذاته ادخل إلى مصر سلاح «آر بى جيه» بسيارات وباصات تحمل أرقاماً ديبلوماسية ـ وفي اليوم نفسه تم إدخال كميات كبيرة من السيارات والسلاح من ليبيا إلى الأراضي المصرية. وقد تم تزويد عناصر القسام بزي خاص قريب من زي الجيش المصري، وتلك العناصر التي زودت بسيارات رباعية الدفع أغلبها ادخل من ليبيا والسودان وتمركزت في أغلب محافظات مصر، وبخاصة في السويس والقاهرة والإسماعيلية. وقد أنشأت «كتائب القسام» غرفة عمليات مركزية في رفح المصرية وفى سيناء من أجل إمداد العناصر المشاركة في الأحداث بالذخيرة.

وتضمن التقرير قائمة طويلة بأسماء الفلسطينيين الذين قيل إنهم اشتركوا في حملة «قنص المصريين».

في التعليق على الوثيقتين قال الدكتور أبو مرزوق إنه لا هدف لها سوى الوقيعة بين مصر و«حماس» في غزة. إنه لم يثبت حتى الآن أن فلسطينياً كان له دور في الاضطرابات التي حدثت في مصر، وكل ما قيل في هذا الصدد لا يخرج عن كونه ادّعاءات روج لها الإعلام ولم تثبت صحتها.

 (4)

حين يطالع المرء هذه المعلومات لا بد أن يستحضر حقيقة أن ثقافة المرحلتين الساداتية والمباركية تبنت موقف العداء للفلسطينيين عامة والخصومة لحركة «حماس» بوجه أخص. وفى ظل ذلك العداء اعتبر الفلسطينيون «أجانب» وتم إلغاء كل مظاهر الدعم الذي قدم إليهم في المرحلة الناصرية في العمل والإقامة والتعليم (كانوا يعاملون معاملة المصريين في مراحل التعليم المختلفة). ورغم أن الفلسطينيين يشكلون أقل الفئات العربية المقيمة في مصر (عددهم في حدود 100 ألف، في حين أن السودانيين خمـسة ملايين)، فإن حـظهم هو الأسوأ في المعاملة، فهم ممنوعون من التملك والتجارة (إلا للمتزوج من مصرية منذ 5 سنوات)، كما أن وثيقة السفر المصرية التي تمنح لهم لا تسمح لهـم بدخول البلد من دون تأشيرة. بل إن الفلسطيني المقيم حامل رخصة قيادة السيارة لا يسمح له بتجديد الرخصة إلا بعد المرور على الأمن، وبعد مضي شهر من تقديم الطلب. أما العنت والمهانة التي يعاني منها الفلسطينيون الراغبون في الذهاب إلى غزة فحدث فيها ولا حرج.

في عهد عبد الناصر كانت مصر «الشقيقة الكبرى» عوناً وسنداً للفلسطينيين كافة. وحين تصالح السادات مع إسرائيل انقلب عليهم وأصبح الفلسطيني متهماً وغير مرغوب فيه. ولما صار مبارك «كنزاً استراتيجياً» لإسرائيل استحكمت خصومته لفصائل المقاومة، وفى مقدمتها حركتا «حماس» و«الجهاد». وخلال هذين العهدين تشكلت طبقة سميكة من البيروقراطيين والسياسيين والإعلاميين عبرت عن السياسات المتبعة. وهؤلاء لم يختفوا بعد الثورة. ولكنهم لا يزالون على مواقفهم ويمارسون ضغوطهم، وفي أجوائهم تلك نشط جهاز الأمن الوقائي في السلطة الفلسطينية الذي لم يكف عن محاولة الإيقاع بين «حماس» وبين السلطة المصرية الراهنة، تصفية لحسابات قديمة وخشية انحياز «الإخوان» لها، مما يؤدي إلى تغيير موقف القاهرة الذي كان دائم الدعم لها في ظل العهد السابق، وقد قيل لي إن وثيقة تسفير رجال إلى مصر لدعم «الإخوان» تسربت أصلا من وثائق الأمن الوقائي في رام الله.

هذه الخلفية تسوغ لنا أن نقول بأن الذين يسـعون إلى شيطنة الفلسطينيين وإيغار الصدور ضد «حماس» لا يعبرون عن مصر الحقيقية «الشقيقة الكبرى»، ومن ثم فإنهم لا ينطقون باسمنا، ولكنهم جزء من «الفلول» الذين تآمروا على شعب مصر ولا يزالون عبئاً على ثورته.