خبر فالشام بعون الله محروسة ..علي عقلة عرسان

الساعة 12:33 م|19 مارس 2013

 

هل تنجح مجموعة دول " بريكس" في وقف العنف في وسورية، استجابة لنداء الرئيس بشار الأسد الذي وجهه في رسائل إلى رؤسائها، فترجح كفة الحل السياسي ومنطق الحوار على كفة الاقتتال ولغة القذائف والرصاص؟! إنها فيما نعلم تؤيد هذا الاختيار وتدعوا إليه وتعمل من أجله حتى قبل أن تتلقى نداء من هذا النوع، والدولة التي تشكل قطب الرحى في هذه المجموعة " روسيا الاتحادية" لا تني تعمل بنشاط وتصميم في هذا الاتجاه وتتواصل مع كل الجهات المعنية بالأمر، وتستعد في الوقت ذاته لمواجهة أية خيارات واحتمالات أخرى مما تراه في أفق سورية والمنطقة وفي الأفق الدولي المدلهم، وما زالت اتصالاتها وحواراتها مستمرة مع الشركاء الغربيين، لا سيما مع الأميركيين، بغية التوصل إلى توافق ذي مصداقية يقوم على الثقة وقد يشمل ملفات أخرى إضافة إلى الملف السوري، على أن يكون توافقاً جاداً عميقاً دقيقاً تُبنى عليه التحركات المطلوبة في هذا الاتجاه. ولكن الأميركيين يراوغون، ولديهم أوراق معلنة وأخرى مخفية وثالثة يلوحون بها هنا وهناك ليضلوا بها أطرافاً ويكسبوا آخرى.. وهم يراهنون على ما يجري على الأرض داخل سورية ويسيطرون بصورة واضحة على ملعبهم الذي يشكل قسماً من الملعب الدولي في سورية لا يُستهان به، كما يسيطرون على معظم أطراف المعارضة السورية التي تكرر الاستجابة لمطالبهم وتركض في الاتجاه الذي يحددونه، وسيطرتها على الدول التي تدعم تلك المعارضة وتغذيها بالمال والسلاح والمقاتلين ليست خافية ولا تحتاج إلى مناقشة.. وهي دولة ذات مصالح واستراتيجيات دولية كبرى ومصلحتها الأولى في منطقتنا قبل النفط والغاز والأسواق هي " إسرائيل" وكل ما يجعل هذه الدولة العنصرية الإرهابية المحتلة: "آمنة ومهيمنة وذات قدرات عسكرية متفوقة كماً ونوعاً، بما في ذلك امتلاكها للأسلحة النووية المتطورة.. ولذا تقود الولايات المتحدة الأميركية في الميدان السوري لعبة قذرة خبيثة مميتة، حولت بلدنا سورية إلى دولة "متنازع عليها ومتنازع فيها" بعد أن جعلتها وحلفاؤها والأزمةُ الخانقة المستمرة فيها منذ سنتين دولةً "يستمر النزاع والنزْع فيها" وبؤرة صالحة لامتداد الاقتتال منها إلى دول عربية وإسلامية أخرى.

الأميركيون لا يمانعون في تسليح المعارضة، "فمن يريد يمكنه أن يفعل ما يريد" لا سيما إذا كان فرنسا وبريطانيا، أما هم فيتولون الإشراف والتنسيق والترشيد عملياً ويساندون عبر " المقولات الإنسانية".. وفي ذلك التصرف "انغماس ونأي" في الوقت ذاته، وهو تشجيع مبطَّن بحذر يرقى إلى التحذير، يمارسه الأميركيون بازدواجية هم أسيادها وأساتذتها، ومن يتابع تصريخاتهم ومواقفهم يقع على الكثير مما لا يمكن أن يخفى على مدقق، فقد قال الوزير جون كيري إن " الولايات المتحدة بدأت في الأشهر الأخيرة تثق بالآلية المستخدَمة لإيصال الأسلحة إلى المعارضة وأنها الآن تصل إلى الجهات الصحيحة"، وأنه أجرى "محادثات مع دول في المنطقة بشأن أنواع الأسلحة التي ترسل إلى قوى المعارضة السورية، وكيفية ضمان وصولها إلى القوى المعتدلة".. بينما قال رئيس أركان الجيش الأميركي الجنرال مارتن ديمبسي «منذ حوالي ستة أشهر وصورة المعارضة مشوشة جداً في نظرنا، والآن أقول إنها أصبحت أكثر تشويشاً» و « ما دام الوضع هو على هذا المنوال، فإنني أنصح بالحذر في التحرك». وحذر الجنرال ديمبسي وتحذيره لا يكادان يخفيان التخطيط الأبعد الذي يعمل عليه.. وحتى لا يذهب أحد إلى الظن بأن الجنرال يستبعد منطق الحسم العسكري الذي لا بد له من التسليح والتدريب والرفد المادي والمعنوي..إلخ، نذكِّره بما/ ونذكر له ما قاله الجنرال، فقد قال: «نعتقد فعلا أن الرد في سوريا يجب أن يأتي عبر شركاء، لأن هناك احتمالاً أكبر في أن يستوعبوا بعض التعقيدات التي تفوتنا». . !!وعلينا أن نلحظ بدقة استخدامه لكلمة " الرد" فهو لم يستخدم كلمة " الحل"، وهذا يعني أن خيار استخدام القوة الذي لا ردَّ من دونه، لم يُستبعَد على الرغم من الكلام عن الحل السياسي، و" اللَّت والعجن" بين بيرنز وبوغدانوف.. فالرئيس أوباما، حسب تصريح سابق للوزير كيري" يعتقد أنه ينبغي تغيير المعطى (حساباته) بالنسبة إلى الرئيس الأسد»، وأن الرئيس الأميركي «يجري تقييماً، وسيواصل تقييم كل الخيارات الإضافية المتوافرة لبلوغ هذا الهدف». و «إذا اعتقد (الأسد) أن بإمكانه الخروج من الأزمة بالقوة، فإن السوريين والمنطقة يكونون أمام مشكلة، ويكون العالم أجمع أمام مشكلة.».!؟ ويبدو أن الرئيس الأميركي ووزيره وجنراله وشركاءه.. و.. إلخ لا يلحظون أن المشكلة أساساً فيما يضمرون ويدبرون، وإلا فما الذي يمنع من المضي في حل سياسي يوقف العنف في سورية ويؤدي إلى حقن الدم واستقرار الشعب في أرضه، ووقف تدمير الدولة والعمران فيها، ويصل بالأطراف المعنية كلها إلى اتفاق على حل يكون مبتداه ومنتهاه رأي الشعب ومصلحته والحفاظ على سورية الوطن ووحدتها أرضاً وشعباً، وهويتها وقيمها وتراثها الحضاري الذي يتعرض للنهب والتخريب؟! اتفاق يقود إليه حوار تحكمه مبادئ وثوابت وطنية وقيم وروح اجتماعية وإنسانية؟!.. إن شريك الأميركيين الاتحاد الروسي ينادي بذلك، ومعه مجموعة دول بريكس التي تشكل بمجموع سكانها ما يقرب من نصف سكان العالم، ومجلس الأمن الدولي قال بذلك عندما كلف الإبراهيمي بالمهمة وجدد له، والأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون قال: " يجب التوصل الى حل سياسي فوراً، كي نحول دون تدمير سورية بشكل كامل، طالما مازال هناك وقت لذلك".. ودعا جميع الأطراف الى التخلي عن الخيار العسكري لحل النزاع في أسرع وقت.. والشعب السوري المكتوي بنار الحرب والدمار يصرخ طالباً ذلك.. والرئيس السوري يلحّ في طلب ذلك، وقد شكل وفده للتفاوض برئاسة رئيس وزرائه.؟! فمن هو صاحب المصلحة في استمرار النار وصب الزيت عليها وفي الإعلان عن عدم ممانعته بالتسلح والتسليح اللذين هما زيت على النار، فتسليح المعارضة علناً من جانب فرنسا وبريطانيا ودول عربية وغيرها، بعد أن كان سراً، سيقابله تسليح للجانب الرسمي السوري من روسيا وإيران.. وتشتعل المنطقة، كما قالت المستشارة الألمانية ميركل ومن وقف معها من الأوروبيين ضد رفع الحظر الأوروبي عن التسليح؟! هل العقبة فعلاً أمام السير في طريق الحل هي " عدم تنحى الرئيس بشار الأسد"؟!. أشك في ذلك لأنني أعرف أن المشكلة في سورية أكبر بكثير من شخص أو مجموعة من الأشخاص = ولا أتكلم هنا في المعالجة فذاك شأن آخر وإنما أصف الواقع = ومن جهة أخرى فإنه طرف في الأزمة والقتال ومن ثم في الحل، ويمثل من يقفون معه بمن فيهم الجيش على الأقل..؟! فكيف يمكن أن نتجاوز طرفاً في أزمة نريد لها حلاً؟! إنني أشك، وأكرر الشك، في أن هذه هي العقبة الأولى الوحيدة والأخيرة التي تحول دون أن يبدأ السوريون السير في طريق الحل السياسي، وأن يصل مركبهم إلى شاطئ الأمان، ويعود المشردون من أبناء الشعب السوري إلى ديارهم ويستقرون فيها.. ولا أجد أفضل من المقترح الذي حدده بيان جنيف: " حكومة انتقالية ذات صلاحيات تامة" تأخذ بمضمون البيان وبالنقاط الست التي حددها كوفي عنان، منطلقة من مبدأ عدم التدخل في الشأن السوري، وبأن الحل سوري ـ سوري بامتياز.. وتعمل ضمن حدود السيادة السورية بطبيعة الحال. إذن فلنسمح " لحكومة سورية ذات صلاحيات تامة" بالعمل، كما جاء في بيان جنيف وكما تم الاتفاق عليه مع الإبراهيمي، فلنسمح لها بالعمل، أو بلنسمح لوفدين من المعارضة والسلطة بالحوار لسبر أبعاد المشكلات وخفايا الملفات واستشراف آفاق الحل، ولنساعد على ذلك بدلاً من العقلة والتعطيل.. فلنعط للعقل والمنطق والحوار فرصة.. ولنستجب للشعب السوري الذي يدفع من دمه وحياته ومستقبل أطفاله، وهو يصرخ طالباً وقف العنف، والتوقف عن سفك الدم وتدمير الدولة، دولته، ولنفسح المجال أمام من يهمه أن يلتقط أنفاسه ويراجع ذاته ليحسِن التفكير والرأي والتدبير والرؤية بعيداً عن خطط الآخرين وتدخلاتهم وإغراءاتهم ومؤمراتهم..!! إن من لا يريدون لسورية الخروج من مأزقها ومحنتها وامتحانها الدامي هم الذين يعطلون الحل ولا يستجيبون للعقل ويلغون المصلحة العيا للشعب والوطن، ويلْغون المنطق والواقعية، ويتوسلون الدم والدمار وسيلة لبلوغ أهداف قد يقضون نحبهم بطريقة ما من دون أن يبلغوها ومن دون أن يبلغها الشعب لأنه لا يريدها؟!! إن من لا يأخذون بالحكمة والواقعية والإنسانية وبالمصالح العليا للشعب والوطن في سورية، هم الذين يفسحون في المجال أمام آخرين، ويساهمون على نحو ما في استمرار الاقتتال، ويعملون إلى إضراء نار الفتنة ونشرها في المنطقة بالتسليح بدلاً من إخماد الحرائق بالحكمة ودفع الأطراف المتقاتلة إلى طاولة الحوار.. وهم شركاء على نحو ما في مأساتنا ومعاناتنا وتدمير بلدنا وسفك دمائنا نحن السوريين المعنيين أكثر من سوانا بحاضرنا ومستقبلنا.

إنهم اليوم يقسمون بلدنا، أو يسعون إلى تقسيمه، بتشكيل " حكومة" ثانية فيه، بناء على طلب خارجي، عربي وأوروبي، ليتم الاعتراف بها " كأمر واقع " كما قال الوزير جون كيري.. وقد دفنوا " الشيخ زنكي معاً" فسهلوا مهمة من يعنيهم الأمر من الأميركيين والأوروبيين والعرب وسواهم ممن ينتظرون هذه الولادة القيصرية ليشقوا سورية إلى جزأين، باختيارهم "رئيس وزارة" يحمل الجنسية الأميركية، ولم يعش في سورية منذ خمسة وعشرين عاماً، أي نصف عمره، وقد لا يعرف العربية.. و.. و..؟! فيا سبحان الله.. أي عبث يتم بسورية الحضارة، والحصن القومي، والبيت الحفي بكل أبنائه، والمبتلى ببعض أبنائه.؟!.

لك الله يا بلدي الجميل.. بلد الحضارة الأولى، والأبجدية الأولى، والموطن الأول لكل إنسان يُعلي الانتماء الثقافي - الحضاري على كل انتماء أدنى أو دني.. لك الله يا سورية الحبيبة التي تحتفي بالإنسان وتشرع للآخرين أبواب المكان وترفل بياسمينها والريحان، وتهتف بقومها : أن هيا إلى الأمان.. لك الله من بلد يشقى اليوم ببنيه ويشقى فيه بنوه.. فمن جاهل قصير النفَس والنظر والقامة يسوطك بعنجهية وكبْر، إلى ساقط يمرغ وجهك بالوحل ويسكب عليك المُهل، إلى أخ شقيق يلقيك إلى عدوك وعدوه ويساعده على الفتك بك، وهو إنما يبدأ بك ويثني بنفسه من دون أن يدرك أو يدري.. هذا إن أراد حياة الأحرار وطلب شرف الأمجاد من الآباء والأجداد.. فتشقين بين أهل وأهل، وتسقطين بين رمل ورمل؟!  ويا لك.. يا منبتي وبيتي ومستقري وقبري.. يا لك من جرة يستهدفك وحش عدو للإنسانية، يتاجر بكل ما حرمه الله وأحله أعداء الله، ولا يرعى في أمة إلاً ولا ذمة.. ديدنه القتل والنهب والسلب، وزاده العنصرية، وإداته الإرهاب والعبودية، وادعاؤه أكبر من قامته، وتاريخه في المدنية والحضارية لا يتجاوز ثلاثة قرون يضاهي بها من تاريخه اثنتا عشرة ألف سنة من عمر الحضارة والعرفة..!! يا سورية .. يا بوابة السماء يا بلادي.. أنت قلب الشام وجناحاه، والقوادم منه والخوافي.. أنت نسره المحلق ونجمه المتألق.. آه عليك.. أرثي نفسي فيك، فلا وجود لي خارجك ولا من دونك آمنة مطمئنة حالية بكل الخيرات وقيم الجمال.. آه عليك وأنت تمضين عروساً مزيَّنة، يقودك بعض أبنائك إلى المحارق والمقابر، يساعدون عدوَّك عليك فيقتلونك ويُقتَلون.. ويدفنونَنك ويُدفَنون.. وتبقين في الحلق غصَّة وعلى أجنحة الأيام وعد، وعد بتجدد النهضة، بميلاد الفينيق من رماده، وقيادمة يسوع من مهاده، وإرعاد صوت محمد بن عبد الله الرسول العربي الأمي في أرجائك وأرجاء الدنيا بقول الله تعالى: ﭽ ﭱ  ﭲ  ﭳ  ﭴ  ﭵ  ﭶﭷ   ﭸ  ﭹ  ﭺ  ﭻ  ﭼ  ﭽ         ﭾ  ﭿ  ﮀ   ﮁ   ﮂ  ﮃ  ﮄ  ﮅ  ﮆ  ﮇ  ﮈ  ﮉ  ﮊ      ﮋ  ﮌﮍ  ﮎ  ﮏ  ﮐ  ﮑ  ﮒ  ﮓ  ﮔ     ﮕ  ﭼ آل عمران: ١٠٣ فيسمع سامعون ولا يعون، ولكن قلوب المؤمنين مطمئنة إلى وعد الله.. فالشام بعون الله محروسة.