خبر لعنة أحادية الجانب- هآرتس

الساعة 09:11 ص|18 مارس 2013

 

 

بقلم: يونتان ماندل

د. باحث في دائرة السياسة والحكم في جامعة بن غوريون ومعهد فان لير في القدس

عندما سيهبط رئيس الولايات المتحدة في اسرائيل سيرغب في أن يفهم ما الذي بحق الجحيم يحصل هنا. وسيسأل لماذا لا يتحدثون مع الفلسطينيين، ولماذا تواصل اسرائيل بناء المستوطنات وما هي هذه القصة مع E1 او مع ضم الضفة. الرد الاسرائيلي لن يتأخر في المجيء والرئيس الامريكي سيتعرض عندها لاخر صرخة في مجال عروض الباور بوينت، مع جملة خرائط تحل محلها آخر المعطيات، كي يتذكر بانه يزور قوة عظمى من التكنولوجيا العليا. المناطق المحتلة، كما سيتبين له، ليست محتلة حقا، والفلسطينيون يتمتعون بحكم ذاتي حقيقي، وتوسيع المستوطنات ليس ما كان يظنه، اذ أن الحديث يدور عن مناطق هي في كل الاحوال كانت تعود لنا، وهي الان مؤقتا للفلسطينيين، ولم نتحدث بعد عن الكتل الاستيطانية وعن تبادل الاراضي، والى هنا وهناك من أكوام الرمل التي ستنثر في عيني الرئيس، والتي سبق أن أعمت نحن عيوننا عن الرؤية.

واذا أصر الرئيس، فسيسحب الاسرائيليون جوكرهم المحبب، "احادية الجانب". وسيشرح السياسيون الاسرائيليون بكياسة للرئيس بان "الفلسطينيين ملزمون بان يفهموا بانهم محظور عليهم العمل بشكل احادي الجانب"، وسيحرصون على استخدام تعبير "يونيلاترل آكشن"، والتي تمكنوا من استخدامها بالضبط لمثل هذه المناسبات. "لو كان الفلسطينيون فقط مستعدين للحديث معنا"، سيقولون، "لو أنهم لم يتوجهوا بشكل احادي الجانب الى الامم المتحدة"، "لو أنهم يقررون عدم التوجه بشكل احادي الجانب الى المحكمة الدولي في لاهاي"، وبالطبع "لو أنهم يستوعبون بان كل عمل احادي الجانب من طرفهم يثبت بان وجهتهم ليست السلام".

ولن يتحرك اي ساكن في وجوههم عندما سيفعلون ذلك، وهذا ليس لانهم كذابون جيدون على نحو خاص، بل لانه بالضبط برج ايفل هو المكان الوحيد الذي لا يمكن أن يُرى البرج منه، هكذا فان المكان الوحيد في الشرق الاوسط الذي لا يمكن أن ترى منه احادية الجانب الاسرائيلية هو منزل رئيس الوزراء في القدس.

في 65 سنة من وجود دولة اسرائيل، اصبحت هذه دولة احادية الجانب بحكم الامر الواقع. ربما لا ترى هذا، ولكن هذا على ما يبدو بسب الشكل احادي الجانب الذي تتصرف به في الشرق الاسط. "لا يهم ما يقوله الاغيار، يهم ما يفعله اليهود"، قال رئيس الوزراء الاول، دافيد بن غوريون، واحادية الجانب اصبحت ورما خبيثا يملي السلوك الدبلوماسي والسياسي لاسرائيل.

قرار إفراغ القرى الفلسطينية من سكانها في 1948، اتخذته الديمقراطية الاسرائيلية بشكل احادي الجانب. وهكذا ايضا قرار احتلال الجليل الغربي، الذي حسب مشروع التقسيم ما كان يفترض أن يكون ضمن أراضيها. قرار ضم شرقي القدس، وكذا قرار ضم هضبة الجولان، اتخذته خلافا لموقف الولايات المتحدة، الامم المتحدة، الدول الاوروبية والقانون الدولي، وفعلت ذلك، كيف لا، بشكل احادي الجانب. وكذا قرار دفع مشروع "تهويد النقب والجليل"، اقامة كرميئيل ونتسيرت عيليت بحيث تسدان توسع سخنين، مجد الكروم، البعنة والرامة، اتخذته الدولة الوحيدة في الشرق الاوسط بشكل احادي الجانب. وعلى مدى 65 سنة، هكذا على الاقل يفهم من تقرير قاضي المحكمة العليا ثيودور أور، اتخذت اسرائيل سياسة داخلية غير متساوية على نحو ظاهر، وأدت بشكل احادي الجانب الى أن يكون "مواطني الدولة العرب يعيشون في واقع يميز فيه ضدهم كعرب".

الفلسطينيون يعرفون جيدا، على جلدتهم وعلى أراضيهم، بان اسرائيل هي الدولة الاخيرة في العالم التي يحق لها ان تحاسبهم على "احادية الجانب" التي اتخذوها. منذ 2002 يرى الفلسطينيون كيف يبنى سور الفصل من الاسمنت على أرض غالبيتها الساحقة ليست في أراضي دولة اسرائيل – خطوة احادية الجانب تشكل خرقا فظا للقانون الدولي. فمع من بالضبط تشاورت اسرائيل حين قررت احتلال الضفة، اسكان مئات الالاف من مواطنيها فيها وتطويرها من أجل المستوطنين اليهود فقط؟ مع اي جهة فلسطينية بالضبط تنسق قراراتها بشأن هدم المنازل ومصادرة الاراضي في الضفة؟ ما الذي ليس احادي الجانب في السيطرة الاسرائيلية على صنبور مياه الضفة (الخزان الجوفي للجبل)، وفي قرار نقل معظم قطرات المياه هذه من الضفة الى دولة اسرائيل؟

تصوروا وضعا كان فيه جيراننا يتصرفون مع اسرائيل مثلما تتصرف اسرائيل معهم. تصوروا وضعا كانت فيه طائرات سلاح الجو السوري تخرج في "طلعة عملياتية" فوق الكنيست، وتطلق ضجيجا فوق صوتي كي تستعرض حضورا وتردع. تصوروا الكوماندو البحري للجيش اللبناني النظامي ينفذ اجتياحا بقوارب مطاطية على شواطيء أخزيف، ويسير ليلا في البيارات التي تؤدي الى جسر هزيف. حاولوا أن تشخصوا وضعا يجتاز فيه الامن الوقائي الفلسطيني الخط الاخضر الى نطاق اسرائيل ويجري، لنقل في منطقة مكابيم – رعوت، "نشاطا اعتياديا لاعتقال مطلوبين". فكروا ماذا كان سيحصل لو أن وكلاء مكلفين من الحكومة الاردنية يحاولون التصفية في قلب تل أبيب، في ظل رش السم الفتاك، لزعيم سياسي. أو اذا كانت الطائرات العراقية تقصف المفاعل في ديمونا أو اذا كانت الطائرات السورية تقصف مركز البحوث النووية في شوريك او قوارب حرس الشواطىء الغزي تستجوب صيادين اسرائيليين يخرجون من المدى المسموح لهم بشكل احادي الجانب. كل واحد من السيناريوهات هذه سيكون سببا لحرب، ومشكوك أن تكون اسرائيل تصمد في وجه الاغراء.

اسرائيل هي بيقين الدولة الاكثر تزمتا في المنطقة في كل ما يتعلق بالتسلل الى مياهها الاقليمية، حدودها البرية ومجالها الجوي، وفخورة جدا بالطريقة احادية الجانب التي تفرض بها ذلك. وينبع الغرور السياسي الاسرائيلي ضمن امور اخرى من الاحساس بانه يوجد فارق بنيوي بينها وبين جيرانها، بين ما تحتاجه هي وبين ما يحتاجه الفلسطينيون، بين ما تسمح به لنفسها عمله ("تثبيت حقائق على الارض") وبين ما تطلبه من الاخرين ("عدم العمل بشكل احادي الجانب"). هذا الفارق يسمح لزعماء اسرائيل بان يتوقعوا من الفلسطينيين ان يتصرفوا بشكل معاكس لما تصرف وتتصرف به تجاههم. ولا يتبقى الان سوى الانتظار لرؤية اذا كان الرئيس الامريكي الحالي، في ولايته الثانية والهامة سيقرر بانه يحاول انقاذ اسرائيل من نفسها. بشكل احادي الجانب بالطبع.