خبر جنين: الـحـاجـة وصـفـيـة مـقـبـل.. وحـكـايـة « الـغـداء الأخـيــر »

الساعة 06:38 ص|18 مارس 2013

جنين

على غير عادتها، حرصت الحاجة وصفية محمود مقبل (80 عاماً) من حي المراح في مدينة جنين، على جمع أبنائها العشرة على وجبة غداء أعدتها خصيصا لهم، قبل يوم واحد من سفرها إلى السعودية لأداء مناسك العمرة برفقة ابنتها الأحب إلى قلبها آمال.

في ذلك اليوم، يقول محمود مقبل: إن والدته دعته وجميع أشقائه وشقيقاته إلى وليمة غداء، قبل سفرها إلى السعودية لأداء مناسك العمرة التي تحرص على تأديتها في كل عام مرة واحدة على الأقل منذ العام 1992.

ويضيف مقبل، وهو يتذكر لحظات وجبة الغداء الأخير برفقة والدته وشقيقته اللتين كانتا من بين ضحايا حادث السير المروع الذي وقع، أول من أمس، في منطقة العدسية غرب محافظة البلقاء في الأردن، والذي راح ضحيته 17 مواطناً وإصابة نحو 37 آخرين وجميعهم ممن أدوا مناسك العمرة، وكانوا في طريقهم إلى أرض الوطن، إن والدته كانت تحرص على أداء مناسك العمرة سنويا بانتظام، وترفض أن يرافقها أحد باستثناء شقيقته آمال (52 عاما)، وهي أم لستة أبناء، وقبل سفرها بيوم واحد، دعت جميع أبنائها إلى وليمة غداء، وهو أمر لم تعتد عليه، وبالتحديد كمناسبة لسفرها، وكأنها أرادت وداعهم.

وحرصت مقبل على ممازحة أبنائها وهي تجمعهم على وجبة غداء واحدة، ويكاد الفرح يقفز من وجهها، وهي تمازح هذا وذاك، وتتنقل بينهم كما لو أنها كانت تودعهم، كما قال ابنها محمود الذي أضاف: إن والدته بدت في فرحة غامرة، وكأنها تتوجه للمرة الأولى في حياتها لأداء مناسك العمرة، رغم أنها أدتها لمرات كثيرة، ولكن هذه المرة كانت مختلفة تماما.

وأبلغت الأم أبناءها وبناتها، أن هذه ستكون المرة الأخيرة التي تتوجه فيها إلى السعودية لأداء مناسك العمرة، ليس لسبب سوى أنها تقدمت في السن، وكانت تخشى من عدم قدرتها على تأدية تلك المناسك في العام المقبل، عدا خشيتها من أنها لن تعيش حتى العام المقبل إذا ما توفاها الأجل المحتوم.

كان هذا اليوم مشهودا في حياة أفراد عائلة مقبل التي قال محمود الابن، إنه وجميع أشقائه وشقيقاته لن ينسوا طيلة حياتهم كل صغيرة وكبيرة من تفاصيل اللحظات الأخيرة التي جمعتهم بوالدتهم التي رددت لأكثر من مرة أمنيتها في أن يتوفاها الله عند الكعبة المشرفة أو المسجد النبوي الشريف في مكة المكرمة، لتدفن في ذات المنطقة التي ولد ودفن فيها سيدنا محمد عليه الصلاة والسلام والخلفاء الراشدين والصحابة.

ولم يكن الأمر ليختلف كثيرا بالنسبة للابنة آمال التي قال شقيقها محمود، إنها كانت على غير عادتها متخوفة هذه المرة من التوجه إلى السعودية لأداء مناسك العمرة برفقة والدتها، وكأن نفسها كانت تحدثها بأن أمرا ما تجهله سيحدث، لدرجة كانت تتعمد فيه الاتصال بعائلتها وأشقائها وشقيقاتها لعدة مرات في اليوم الواحد، طيلة أيام تواجدها في الأراضي الحجازية، وكأنها كانت تشعر أن الموت رابض لها في طريق العودة.

وبعد أن أوردت وسائل الإعلام حادثة الحافلة التي كانت تقل المعتمرين في طريق عودتهم إلى أرض الوطن، حرص مقبل على الاتصال على الهاتف الخلوي الجوال الذي كان بحوزة والدته، ولكن الرد جاءه من شخص مجهول بالقول، "إن صاحبة هذا الهاتف توفيت"، وهو نبأ كان وقعه أشبه ما يكون بالصاعقة على العائلة التي كانت انتهت من إجراء الترتيبات اللازمة لاستقبال المهنئين بعودة الأم والابنة، دون أن تدري أنها ستستقبل المعزين بوفاتهما.

وما إن تأكدت عائلة مقبل من وفاة الأم وانقطاع الاتصال مع ابنتها، سارعت إلى الاتصال بابنتها الأخرى التي تقطن في الأردن، والتي توجه أبناؤها إلى موقع الحادث، فتيقنوا أن خالتهم إضافة إلى جدتهم كانتا من بين ضحايا الحادث المروع.

"الأمر لا يصدقه العقل، ولكن لا راد لقضاء الله وقدره"، هذه الكلمات ترددت على ألسنة عائلة مقبل كما هو الحال بالنسبة لعائلات المعتمرين ممن توفاهم الأجل.

وما يفطر القلب ويدمع العين، كما قال مقبل، "إننا كنا ننتظر استقبال المهنئين بعودة والدتي وشقيقتي كما في كل عام، ولكننا هذا العام سنستقبلهن بالدموع والحزن الذي يدمي القلوب، بعد أن انتقلتا إلى خالقهما وهما بعيدتان عنا".

ولم يكن الأمر ليختلف كثيرا بالنسبة لعائلة حنايشة من بلدة قباطية جنوب جنين، والتي فقدت أربعة من أفرادها ممن كانوا من بين ضحايا حافلة المعتمرين، حيث راح كبار السن من أفراد العائلة يرددون الدعاء إلى الله بأن يرحم الجميع، فيما وقف الشبان وقد بدت عليهم معالم الذهول وعدم تصديق ما حدث.

وحاول العجوز السبعيني أحمد عبد الرحمن حنايشة، أن يحبس دموعه على كبر سنه، ولكنه سرعان ما أجهش في البكاء حزنا على شقيقه بسام وشقيقته بها وزوجة شقيقه الآخر رسمية وابنة عمه ربحية حنايشة والذين سيعودون جثثا محمولة على أكتاف المشيعين دون أن يعودوا ومعهم ماء زمزم الذي كانوا يحضرونه من مكة المكرمة إلى الأهل والأحبة.

ورفضت عائلة حنايشة بداية الأمر تصديق النبأ المفجع بوفاة أربعة من أفرادها، تحت وطأة الصدمة التي ضربت رؤوسهم وقلوبهم، فبادروا إلى الطلب من أقاربهم في الأردن بالتوجه إلى موقع الحادث حتى أتاهم النبأ اليقين.

وخيمت أجواء الحزن على مدينة جنين وقراها، حيث أعلن الحداد ونكست الأعلام، وانشغل الجميع في استقبال ضحايا الحادث المروع ممن تم تشييعهم في موكب جنائزي عسكري ورسمي وشعبي مهيب انطلق من مدينة أريحا صوب مدينة جنين، حيث أدى المشيعون عليهم صلاة الجنازة، قبل نقل الجثامين كل إلى مسقط رأسه ليواروا الثرى.