خبر آن لمصر أن تهدأ ..عبد الستار قاسم

الساعة 04:54 م|15 مارس 2013

الكاتب يحب مصر والمصريين، ومصر عزيزة على العرب أجمعين، وكل من لديه انتماء لهذه الأمة يرجو الله أن تخرج مصر من مأزقها، وتستقر أوضاعها، ولهذا من الواجب أن نصدق المصريين القول حتى لو كان قاسيا.

فاجأتنا مصر بالتطور المقيت الذي يجري على أرضها بعد أن استطاعت خلع الطاغية خلال مدة قصيرة، والكثير من العرب يتساءلون الآن: كيف لمصر أن تقود أمة إذا كان كبارها غير قادرين على ضبط أوضاعها، ويساهمون في تمزيق أواصرها؟

ضعوا رؤوسكم بين أيديكم

ساد ظن بأن قادة مصر -سواء من الرسميين أو المعارضين- لن يسمحوا بتدهور الأوضاع فيها، وهم سيتعقلون وسيتأملون فيما هم فيه إذا شعروا أن الأوضاع سيسودها الفلتان، وسيقتنصها البلطجية والزعران والأشقياء، ويفاقمها من لا يريدون بمصر خيرا من الأجانب. والآن نرى أمام أعيننا مؤسسات تُحرق، ومقار حزبية تدمر، وملفات وسجلات تتلف، وأعمال تخريب متنوعة تنتشر هنا وهناك في محافظات مصر.

شعب مصر فقير من الناحية الاقتصادية، وقطاعات واسعة منه تعاني من ضنك العيش وضعف الحال وقسوة الحياة، والأمراض الاجتماعية ليست محاصرة ولا هي معدومة. إنه شعب بحاجة إلى الاستقرار والهدوء لكي يستعيد أنفاسه، ويبدأ بوضع أسس سياسية واجتماعية وثقافية واقتصادية جديدة تحقق له أهدافه تدريجيا. والمفتاح بيد السياسيين.

 

لا يمكن أن يكون تردي الأوضاع الذي نشهده الآن بمعزل عن السياسيين، بل هم الذين قادوه وأسسوا له، وشحنوا الأجواء المناسبة له. وتجاربنا نحن العرب واضحة ويمكن اختصارها بجملة: الشعوب تقدم التضحيات والقيادات تتلهى بالفتن والمهاترات.

لقد قدم شعب مصر الكثير من التضحيات، وهو لا يستحق هذا المستوى المتدني من الحكمة لدى القيادات، وعلى كل قائد من رئيس الجمهورية إلى صباحي والبرادعي وعمرو موسى أن يضعوا رؤوسهم بين أيديهم ليفكروا فرادى ومجتمعين في كيف الخروج من مأزق صنعوه بأيديهم. وعندما تحل الفتنة، لن يكون هناك طائل من لوم الآخرين أو تخطيئهم، وإنما الأولوية تبقى للبحث عن مخارج.

احترام نتائج الانتخابات

جربت الجزائر عدم احترام نتائج الانتخابات، فكان القتل وسفك الدماء والشقاق والخصام؛ وجربت فلسطين رفض النتائج وكان القتل والتخريب نصيب الفلسطينيين الذين ما زالوا يعانون من الانقسام. وقد حالفت الفطنة والحكمة رئيس تونس عندما قال إن رفض نتائج الانتخابات في تونس لن يسمح بإقامة الديمقراطية بعد ذلك. وكان يعني أنه يجب احترام اختيار الشعب.

بدت ملامح رفض نتائج الانتخابات في مصر منذ الأيام الأولى على إنجاز الاستحقاق الانتخابي، حيث بدأت بعض الأطراف تقول إن الإخوان المسلمين لم يحصلوا على أصوات أغلبية من لهم حق الانتخابات، وانهمكت في حسابات لا معنى لها لتؤكد أن حزب الحرية والعدالة لم يحصل على الأغلبية. كان على كل الأطراف منذ البدء أن تعترف بنتائج الانتخابات بدل الانشغال بحسابات تقلل من أهمية النتائج، بل تهدف إلى نسف نتائجها.

هذا منحى خطير جدا لأنه قد يؤدي إلى الاقتتال وإلى إقامة تقاليد لرفض نتائج العملية الانتخابية "ما دمت أنا لست الرابح". من المحتمل أن يؤدي هذا إلى اقتتال دموي، وبالتأكيد سيؤدي إلى تفسخ وانقسامات وانشقاقات سياسية ومجتمعية.

ولهذا مطلوب من كل قادة المعارضة أن يعلنوا بوضوح وصراحة، وبطريقة لا لبس فيها، عن قبولهم بنتائج الانتخابات، وقبولهم للرئيس محمد مرسي رئيسا لمصر. وهذا موقف لا علاقة له بحب مرسي أو عدم حبه، وإنما متعلق بشروط عقد بين الناس الذين ارتضوا الانتخابات وسيلة لاختيار الحاكم أو المشرع.

الاحتجاج على سياسات مرسي

لا أحد ينكر على الناس أو الأحزاب الاحتجاج على سياسات مرسي، فهذا حق للجميع، وهو جزء من الفكرة الديمقراطية. الأغلبية تحكم، والأقلية تملك حرية التعبير واستقطاب الناس من أجل كسب الجولة الانتخابية القادمة.

 

لكن الاحتجاج لا يبدأ بكسر الرأس، وإنما بإيصال الكلمة. هناك خطوات احتجاجية متعددة تتصاعد حدتها مع مرور الزمن، لكنها لا تبدأ بقطع الخيط لتنتهي إلى مصير مجهول يدفع الشعب ثمنه. وإذا كان المصريون لا يريدون الدستور ولا المجلس التشريعي ولا رئيس مصر، فإلى أين سيأخذون الوطن؟ من سيملأ الفراغ؟

كان من الملاحظ أن الاحتجاجات السياسية على سياسة الرئيس مرسي قد بدأت بحشد المليونية ولم يكن قد مضى زمن طويل على تسلمه مسؤولية قيادة مصر.

لم تتناسب أساليب الاحتجاج في مصر مع الخطوات السياسية التي اتخذها الرئيس المصري، ولا مع المدة التي قضاها في الحكم، وكانت المبالغة السمة الغالبة عليها. الرجل يستحق أن يأخذ فرصته، وأن يعطى الوقت الكافي لتنفيذ برنامجه الانتخابي، ويستحق العون أيضا لأن هذه مصر ذات التاريخ العريق والحضارة العظيمة والموقع العربي والإسلامي المتميز.

لا يجوز للمصريين أن يُخرجوا مصر عن مسارها العقلاني ورويتها المسترخية وحزمها القاطع. وأنا كعربي أقول إنه لا يحق للمصريين أن يتجاوزوا مصلحة مصر، لأن ما يلحق بمصر من ضرر يصيبني أنا في المغرب والجزائر والعراق واليمن وقطر وليبيا وفلسطين والأردن.. إلخ. لا حق لكم أيها المصريون أن تسمحوا للبلطجية والزعران والشبيحة والأشقياء أن يعيثوا في شوارع مصر الفساد والخراب.

حكم الإخوان المسلمين

هناك مَن لا يريد حكم الإخوان المسلمين، وهم ليسوا موجودين في مصر فقط وإنما في كل البلدان العربية. لكن المسألة ليست مزاجية وإنما خاضعة للعملية الانتخابية. ماذا كان من الممكن أن يكون الموقف لو فاز الشيوعيون في الانتخابات؟ هل كان سيكون رد الفعل مشابها لما حصل؟ علما بأن الشيوعية كما الرأسمالية دين بلا إله. كل حزب له معتقده، وبرامجه وأشخاصه الذين سيقفون على تنفيذ هذا البرنامج.

هناك حقيقة موضوعية ماثلة أمامنا وعلينا الاعتراف بها وهي أن الإخوان المسلمين أكبر تنظيم عالمي، وهم الأفضل تنظيما في الساحة العربية، ولم يكن من المتوقع أن يفوز في الانتخابات حزب آخر غيرهم. الإخوان المسلمون يعملون منذ عام 1928، وينشطون اجتماعيا وإنسانيا وسياسيا، ويتمتعون بانضباط كبير ومحكم، وهم يخوضون انتخابات منظمة وببرامج واضحة. وفي النهاية صندوق الانتخابات هو الذي يقرر.

وعندما يفوز حزب يستقدم قادته ومفكريه من أجل تنفيذ البرنامج الذي قدمه للجمهور، ولا يوجد حزب في العالم فاز في الانتخابات وقرر أن يستبعد قادته عن الحكم والاستعانة بقادة الأحزاب المنافسة. الإخوان المسلمون لن يقدموا فوزهم هدية لأحد، وعلى الآخرين أن يعملوا على تنظيم أنفسهم وتحقيق الانضباط في العمل، علَّ وعسى أن يفوزوا في الانتخابات القادمة.

مرسي وسياسة الاستحواذ

من الناحية الأخرى، تعجل حزب الحرية والعدالة الأمور وبدأ عملية تغيير سريعة لوظائف ومناصب هامة في البلاد، وكان من بينها تنصيب نائب عام جديد. وكان واضحا من حركة التعيينات الوظيفية أن الإخوان المسلمين يسارعون نحو الاستحواذ بدل تدعيم القبول، وأخذوا يتصرفون كحزب سياسي قائد لجماعته وليس للناس جميعا.

كان المفروض أن تعمل الحركة على اتخاذ سياسات تثبت للناس ميلها نحو إقامة العدالة، مثل ملاحقة الفساد والفاسدين ونصرة المظلومين بدل الاهتمام المبالغ به بإعادة ترتيب سلم المسؤوليات، وكان بالإمكان تدعيم سياساتها تدريجيا ليس من خلال عناصرها الملتزمين فقط، وإنما من خلال من يمكن أن يناصروها مع الأيام.

من المحتمل أن الاستحواذ جزء من ذهنية الإخوان المسلمين في التعامل مع الآخرين، إذ إنه من الصعب عليهم قبول الآخر، أو التعامل مع المجتمع الأوسع. يبدو أنهم اعتادوا على محيط علاقات عامة محدد مكانا وأشخاصا، ولم يطوروا لأنفسهم سياسة انفتاح على المجتمع الأوسع فيصبحوا قادرين على إدارة الشؤون العامة بسلاسة. وهذا أمر لا تنفرد فيه الحركة، وإنما يميز مختلف الحركات الإسلامية.

 

مرسي والمبادرات

لم ينجح الرئيس مرسي باتخاذ سياسات أو حتى مواقف تعزز موقعه في قلوب المصريين معارضين ومؤيدين، وظهر كأن سياساته عبارة عن نسخة من سياسات حسني مبارك. فعلى الصعيد الداخلي، لم يبادر إلى شن حملة على الفاسدين الذين في أغلبهم مقربين من مراكز الرأسمالية العالمية، ولم يبادر إلى لقاءات حثيثة مع رموز الفكر والثقافة والمعارضة المصريين، وبدا كأنه يريد قيادة المرحلة الانتقالية وحيدا مع حزبه.

ربما لم يدرك رئيس مصر أن المرحلة الانتقالية تختلف عن مرحلة الاستقرار، وهي تتطلب حشد كل الجهود والطاقات من أجل انتقال سلمي بقدر الإمكان من مرحلة تاريخية قد انهارت إلى مرحلة تاريخية في طور التكوين.

تتميز المرحلة الجديدة بضبابية الرؤى، وباختلافات متنوعة حول المستقبل وتطلعات متضاربة، وهي تتطلب الكثير من الحكمة والتشاور والنقاش والجدل والحوار تلافيا للمطبات الاجتماعية والسياسية والفكرية. الماضي يوحد أصحاب السلطة، والمستقبل الذي يتطلع إليه الثوار غير واضح، والسياسة التي ميزت الماضي لا تصلح لبناء المستقبل.

السياسة الخارجية المصرية لم تتغير جوهريا عن الماضي. صحيح أن مصر لم تعد أداة للولايات المتحدة، لكن سياسات مرسي توحي بأنه لا يرغب في الخروج من دائرة الهيمنة الأميركية. يحاول مرسي ألا يفقد الدعم الأميركي، لكنه لا يبحث عن صداقات جديدة. وصحيح أن مصر خرجت من خندق إسرائيل، لكنها لم تدخل خندق المقاومة، وتحاول أيضا أن تؤكد للآخرين -وعلى رأسهم إسرائيل- أنها ليست مع المقاومة. وفي عهد مرسي، تمر البواخر الحربية الإسرائيلية من قناة السويس، وأنبوب الغاز يستمر في نقل الغاز إلى إسرائيل، وأنفاق غزة يتم تدميرها.

كان من الأجدى لمرسي أن يتخذ مواقف سياسية غير حربية لاستقطاب قلوب المصريين مثل رفض القروض من صندوق النقد الدولي، أو إيقاف ضخ الغاز إلى إسرائيل، أو عدم إعادة سفير مصر إلى إسرائيل، لكن سياساته القائمة تدفع العديد من الناس إلى التساؤل عن التغيير الذي تقدمه حركة الإخوان على السياسة المصرية داخليا وخارجيا.

والحل

أجتهد هنا أن أقدم عددا من الخطوات التي قد تعين على حل الأزمة القائمة حاليا:

1- يجب الاعتراف بنتائج الانتخابات وبالرئيس مرسي رئيسا لمصر.

2- التراجع عن تغيير النائب العام، وما ترتب عليه من تبعات.

3- عدم السماح لغير قوات الأمن بممارسة فرض الأمن في الشارع، وإلا غرقت مصر بالبلطجية والزعران والعصابات.

4- اللجوء إلى الحوار، وتوقف المعارضة عن رفض كل ما يطرحه مرسي بصورة تلقائية وبهدف الرفض.

5- التوقف عن سياسة الاستحواذ لصالح سياسة المشاركة.

6- تغليب لغة الاعتدال على لغة المزايدات، علما بأن المزايدين هم الذين يجرون فرقهم إلى التصلب والصدام، ويهلكون بعد ذلك البلاد والعباد.

7- المطلوب من كل الأحزاب والقيادات الوقوف في وجه العصابات، والتأكيد على الدولة للضرب بيد من حديد على كل من يعتدي على الممتلكات الخاصة والعامة.