خبر يا أردوغان، هذه ليست الصهيونية- هآرتس

الساعة 09:22 ص|14 مارس 2013


بقلم: ديمتري تشومسكي
ما الذي قصده في واقع الامر رئيس وزراء تركيا رجب طيب اردوغان حين شبه مؤخرا الصهيونية بالفاشية بل ووصفها بانها احدى الجرائم ضد الانسانية؟ فقد أراد على اي حال ان يقول ان سياسة الاحتلال في الضفة  والحصار غير الانساني على غزة – ذاك الذي سعى مواطنو دولته الى كسره حين صعدوا الى مرمرة، يشبهان اعمال التنكيل التي تقوم بها الدول الفاشية بحق مواطنيها – رعاياها.
ينبغي الاعتراف بانه في ادعاء من هذا القبيل يوجد اكثر من ذرة حقيقة. فممارسة حرمان حقوق الانسان الاساسية عن الفلسطينيين الذين في مناطق الاحتلال برعاية النظام الاستعماري العسكري – مثلما يجد تعبيره، مثلا، في الاعتقالات الادارية وفي اخفاء الناس لسنوات طويلة في السجون الاسرائيلية بسبب مقاومتهم للقمع والاذلال – يشبه على نحو مفزع اساليب القمع التي اتخذتها دكتاتوريات  الظلام في القرن العشرين ضد معارضيها.
فماذا لكل هذا بالصهيونية؟ منذ ظهرت على مسرح التاريخ في أواخر القرن التاسع عشر، تطلعت الصهيونية الى تحقيق حق تقرير المصير لشعب مضطهد وعديم الوطن. في الفترة التي سيطرت فيها في الشرق الاوسط الامبراطورية التي يتولى اردوغان اليوم المسؤولية عن بقاياها، كان الصهاينة، وعلى رأسهم السياسيين منهم، مستعدون للاكتفاء حكم ذاتي اقليمي وطني لليهود في بلاد اسرائيل، في اطار دولة عثمانية متعددة القوميات التي تصوروها.
حتى بعد رحيل الاتراك بقيت الصهيونية مخلصة للفهم المنضبط والمكبوح الجماح لحق تقرير المصير. وذلك، انطلاقا من الخوف الصريح من فكرة السيطرة على شعوب اخرى والتي رأت فيها مسا لا يطاق في المبدأ العام للمساواة بين القوميات – المبدأ الذي قامت على اساسه ايضا المطالب القومية للحركة الصهيونية. نحن الذين نطرح ... لكل العالم مطلب مساواتنا القومية التامة، ملتزمون بان نتقدم بهذا المطلب على انفسنا ايضا؛ واذا كان هذا المطلب يلزم كل العالم في موقفه منا، فانه يلزمنا ايضا في موقفنا من الاخرين"، قال بن غوريون في 1926.
معادلة اردوغان الصهيونية = الفاشية تعكس بالتالي جهلا يصرخ الى السماء. ولكن دولة اسرائيل نفسها هي المسؤولة المباشرة عن خلق التماثل المشكوك فيه والمدحوض بين اصطلاح "الصهيونية" والسياسة غير البعيدة في اساليبها عن الفاشية. إذ أنها عندما تحث للعقد الخامس سياسة القمع المدني والقومي لشعب كامل، والتي تتعارض جوهريا مع أسس الصهيونية وتتميز بمظاهر شمولية، فان اسرائيل تعرض نفسها المرة تلو الاخرى كدولة تحقق عمليا الايديولوجيا الصهيونية. وكنتيجة لذلك فان الصهيونية تتماثل أقل فأقل مع مفهومها الاصلي كحركة تحرر وطني لشعب مضطهد، وأكثر فأكثر مع نقيضها التام: خليط من الاستعمارية العسكرية والقومية التسيدية – نظام يحرم رعاياه حريتهم وكرامتهم، ويستدعي بذلك التشبيهات بالانظمة الفاشية.
كل من شرف ومستقبل الصهيونية عزيزين على قلوبهم، يجمل بهم بالتالي أن يوجه احتجاجه ليس الى اردوغان بل ضد الافساد الاسرائيلي للقيم الصهيونية، الافساد الذي يسمح لاردوغان وامثاله بطرح تشبيهاتهم المرفوضة.
واذا كان لا يمكن على ما يبدو وضع حد في المستقبل المنظور لنظام الاستعباد القومي للفلسطينيين، فعلى الاقل يجب مطالبة من يقفون خلف هذا النظام الا يغطوا بعد اليوم عورة سياستهم شبه الفاشية بعلم الصهيونية. يجب القول بالفم المليء، على الملأ – فاشية أم لا، اسرائيل المحتلة ليست دوية صهيونية.