خبر انتفاضة فلسطينية ثالثة .. علي بدوان

الساعة 06:03 م|10 مارس 2013

تتوقع أوساط فلسطينية مختلفة اندلاع هبة جماهيرية فلسطينية كبيرة في عموم الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967 في الضفة الغربية والقدس، ستكون بمثابة انتفاضة فلسطينية ثالثة بثوب جديد وفعل جديد، مستفيدة من دروس الانتفاضتين الأولى والثانية، فأين نحن من هذا الاحتمال؟ وهل هناك أرضية جديدة تتشكل وتعتمل الآن، وتهيئ لانتفاضة فلسطينية كبرى ثالثة في عموم الضفة الغربية والقدس، أم أن هناك عقبات كثيرة، وحالة من عدم النضج في الظرفين الموضوعي والذاتي قد تؤخر انطلاقتها؟

 

مقدمات ملموسة

نبدأ القول بأن هناك مقدمات باتت ملموسة، تهيئ بالفعل لنهوض شعبي فلسطيني في الداخل، سيهز المنطقة بأسرها حال انفجاره على الأرض، ومردّ ذلك إلى عدة أسباب وعوامل، فالوضع الفلسطيني في الداخل يزداد احتقانا كل يوم وكل ساعة، ويعتمل على مرجل من الغليان المتواصل على ضوء الانسداد الكامل والعملي لأفق عملية التسوية في المنطقة، وخاصة على مسارها الفلسطيني الإسرائيلي، وعلى ضوء تصاعد عنف الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني، وسيادة منطق الصلف والغطرسة عند قادة "إسرائيل" وعموم التشكيلات الحزبية والسياسية في الدولة العبرية الصهيونية التي بدا فيها المشهد واضحاً مع نتائج جولة الانتخابات التشريعية الأخيرة، مع ارتفاع منسوب سياسات اليمين واليمين المتطرف بشقيه القومي العقائدي والتوراتي.

خصوصاً أنه لا وجود حتى الآن لمؤشرات ملموسة -ولو محدودة- تشي بأن هناك انطلاقة جديدة لدور أميركي متوازن في مسار عملية التسوية في المنطقة، رغم حملات "التطبيل والتزمير" الجارية على أعتاب الزيارة المتوقعة للرئيس باراك أوباما إلى المنطقة، وهي الزيارة الأولى له في ظل رئاسته الثانية للولايات المتحدة.

 

فالأوضاع في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1967 تزداد سوءا في ضوء سياسات الاحتلال الهمجية ضد الناس والأرض، وكان آخرها ما جرى على يد جنود الاحتلال في إحدى باحات المسجد الأقصى من اعتداء سافر على طالبات الشريعة الإسلامية، والمس بالقرآن الكريم وقدسيته، وما تلاها من محاولة عضو الكنيست والقيادي في حزب الليكود موشي فيغلين اقتحام موقع قبة الصخرة المشرفة.

 

 

الفاقة الاقتصادية

كما أن الفاقة الاقتصادية في تزايد بين عامة الناس وفي صفوف القطاعات المختلفة الريفية والحضرية وداخل المخيمات، فضلا عن انتشار البطالة التي وصلت إلى معدلات عالية بلغت حدود "الجوع الكافر" لتقارب نحو 65% من الطاقة العاملة، وفق معطيات كثيرة من مصادر رسمية.

 

وكلها بالإجمال نتيجة سياسات الاحتلال في هذا الجانب، والنابعة من اتفاق باريس الاقتصادي المجحف بين الطرف الفلسطيني الرسمي وسلطات الاحتلال، وهو اتفاق غير متوازن على الإطلاق، وقد رهن الاقتصاد الفلسطيني وربطه باقتصادات الاحتلال، كما رهن ميزانية السلطة ورواتب موظفيها تحت مطرقة أموال الضرائب المَجبيَّة لقاء البضائع المتدفقة لأراضي السلطة الفلسطينية، وتحت مطرقة الأموال القادمة من الدول المانحة، وهي أموال تتدفق وتتوقف وتنقص وتزداد وفق البارومتر السياسي.

 

إضافة غلى ذلك، يتزايد الاحتقان في صفوف الناس في الداخل الفلسطيني مع حملات الابتلاع المستمر للأرض وتهويدها المتدرج، وخاصة في منطقة القدس وداخل أحيائها العربية والإسلامية والمسيحية.

 

فقد ابتلع غول الاستيطان الزاحف مساحات إضافية من محيط القدس، ومن بيوت السكان داخل الأحياء الشرقية للمدينة، وهي أحياء تاريخية منذ العهدين الأموي والعثماني، بما فيها بيت مفتي فلسطين الحاج أمين الحسيني الذي باشرت سلطات الاحتلال العمل على تحويله إلى فندق سياحي تحت مسمى "فندق شبيرد"، رغم ما يمثله المكان المستهدف من رمزية عالية ليس عند الفلسطينيين فقط، بل عند عموم العرب والمسلمين.

 

فالمفتي الحاج محمد أمين الحسيني لم يكن مفتياً لفلسطين فقط قبل النكبة، بل كان مفتياً لديار الشام قاطبة، كما كان رمزاً إسلامياً وعربياً وفلسطينياً. فهدم بيت مفتي فلسطين ومشاريع عزل البلدة القديمة، مقدمة للاستيلاء على المقدسات الإسلامية والمسيحية في المدينة المقدسة، وخاصة المسجد الأقصى، وهو أمر يستفز صميم مشاعر الناس وكراماتهم الوطنية والدينية، ويزرع في نفوسهم إرادة متجددة لمقاومة الاحتلال وسياساته.

 

صمود الأسرى والرافعة المعنوية

وفي هذا الجانب، فإن انتفاضات الأسرى المتواصلة وإضراباتهم المتتالية عن الطعام في معارك الأمعاء الخاوية، وصمودهم الاستثنائي داخل معتقلات وزنازين الاحتلال، عوامل تُشكّل بدورها رافعة هامة ذات بعد معنوي وغير معنوي لشحذ الهمم في سياق ومسار وطريق النضوج العام للحالة الفلسطينية باتجاه انتفاضة فلسطينية ثالثة متجددة.

وفي هذا السياق أيضاً، هناك عامل إضافي يؤجج الوضع الداخلي ويدفع باتجاه الانفجار في وجه الاحتلال، وهو العامل المتعلق باستشراء كابوس الفساد العام وتراجع دور السلطة الفلسطينية على صعيد حماية الناس، واستباحة سلطات الاحتلال لكل شيء، والقيام باعتقالات واسعة لعدد من الكوادر ولقيادات العمل الوطني الفلسطيني من مختلف الفصائل، وخاصة من حركتي حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية وغيرها، وحتى من كوادر حركة فتح من داخل المناطق المسماة بالمناطق (أ) الواقعة كما هو مفترض في نطاق السلطة المدنية والأمنية والعسكرية للجهات الفلسطينية الرسمية.

 

ومع ذلك، ومن منطلق تقديم الصورة على حقيقتها، وعدم التطاير أو سَوق المبالغات التوصيفية والتحليلية، نؤكد ولا ننفي وجود الأرضية التي تُهيئ لاندلاع انتفاضة ثالثة كبرى مع هذا الغليان والاحتقان في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1967، وتحديداً في الضفة الغربية والقدس. ولكن علينا أن نقول بأن الحالة العامة ما زالت تحتاج إلى مزيد من الإنضاج الوطني الفلسطيني للوصول إلى منعطف النهوض الفلسطيني الكبير في الضفة الغربية والقدس، على هيئة انتفاضة فلسطينية ثالثة في وجه الاحتلال حتى الآن، ونقول "حتى الآن" لعدة أسباب نوردها تاليا:

 

خلاف مستديم

1- الانتفاضة لا يمكن أن تأتي بمفعول قرار إداري من هذا الفصيل أو تلك الجهة الفلسطينية، بل تحتاج إلى جهد وتنظيم وإعداد على يد قوى مؤطرة من الشعب، تماماً كما حصل في الانتفاضة الأولى التي انطلقت بعفوية ولكن على قاعدة وتربة خصبة ومهيأة، وعلى يد قوى من الشعب في قطاع غزة، وقد لحق الجميع بركبِها من قوى وفصائل، حيث تم تشكيل القيادة الموحدة للانتفاضة. ومن بين لهيب تلك الانتفاضة ومنذ أيامها الأولى، لمَعَ في الأفق وعلى أرض الواقع دور التيار الكفاحي الإسلامي بقيادة حركتي حماس والجهاد الإسلامي، وصولاً إلى الإطار المعروف بالقوى الوطنية والإسلامية في الانتفاضة الثانية.

 

2- حالة الانقسام الفلسطيني ما زالت تترك آثارها السلبية على عموم الحالة الفلسطينية، وعلى الاستعداد الفلسطيني لما هو قادم، وتحُدّ من إمكانية إعادة تجميع القدرات الوطنية الفلسطينية في مسار واحد هو مسار العودة إلى الفعل والخيار الكفاحي الانتفاضي بكل أشكاله الممكنة، ومسار مغادرة مربع الرهان المبالغ فيه على مسار عملية سياسية مأزومة وغارقة في الأوحال.

 

3- هناك خلاف وتباين مستديم ما زال موجوداً في الساحة الفلسطينية بشأن تقدير الموقف والاشتقاقات الوطنية البرنامجية المطلوبة، بين أطراف رئيسية لا ترى جدوى من قيام انتفاضة كبرى ثالثة، وبين اتجاه يرى ضرورة حصر العمل الوطني الكفاحي باتجاه العمل السلمي الديمقراطي ذي الطابع الشعبي العريض دون غيره، كما يجري على حواجز الاحتلال في منطقة بلعين وغيرها وبمشاركة متطوعين ومتضامنين أجانب، وبين اتجاه ثالث يرى ضرورة فتح قوس الخيارات الفلسطينية بشكل أوسع في انتفاضة متعددة الأنماط والأشكال الكفاحية بما فيها العمل الكفاحي المسلح ضد قوات الاحتلال. وتتفق في هذه الرؤية حركتا الجهاد الإسلامي وحماس والجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، والأخيرة تعتبر الفصيل الثاني في منظمة التحرير الفلسطينية.

4- الانتفاضة المنشودة من الناس والشعب في الداخل الفلسطيني تحتاج إلى روافع عربية مساندة، بينما الحالة العربية الراهنة لا تساعد عملياً على إسناد العمل الفلسطيني بالشكل المنشود، فالشعب الفلسطيني ما زال يعاني من شح المساعدات العربية المقدمة له كما أقرتها القمم العربية الثلاث الأخيرة، وبالأخص منها قمة بيروت العربية عام 2002 ومنها صندوق القدس، إذ لم تفِ العديد من الدول العربية بما هو مطلوبٌ منها حتى الآن.

 

خلاصة القول أننا أمام مشهد فلسطيني في الداخل المحتل عام 1967 وتحديداً في الضفة الغربية والقدس، مُهيّأ لكل الاحتمالات، بما في ذلك انطلاق شرارات هبة فلسطينية كبرى تَعتمل الآن على مرجل الغليان في الداخل الفلسطيني.

 

وعلى كل القوى الفلسطينية في هذا المضمار التقاط ما يجري والبناء عليه، وتقدير الموقف بشكل سليم بجوانبه المختلفة، والإسراع في العمل لتجاوز كل المعيقات التي تعترض طريق وحدة النضال الفلسطيني، والخلاص من الانقسام الداخلي وبناء الشراكة الوطنية الحقيقية ذات البعد الإستراتيجي.