خبر الطفلان الشقيقان ريان ومحمد.. هكـذا سلـب القـدر جمـال الطفولة

الساعة 06:55 ص|10 مارس 2013

صحيفة الأيام

حتى قبل نحو عام ونصف العام، كانت الطفلة ريان أحمد عساف، من بلدة قباطية، جنوب جنين، تباهي قريناتها في المدرسة والحي بجمالها، دون أن تدرك أن القدر سيسلبها هذا الجمال كما هو الحال بالنسبة لشقيقها محمد، بعد أن كانا ضحية حريق هائل أتى على منزلهما.

كانت عقارب الساعة تقترب من الثانية والنصف بعد ظهر السادس من كانون الأول عام 2011، عندما انفجرت مدفأة الغاز التي كانت تستخدمها عائلة هذين الطفلين لأغراض التدفئة.

في ذلك اليوم، كانت ريان ومحمد، يلهوان داخل الغرفة المخصصة لهما في منزل عائلتهما، وعند انفجار أسطوانة الغاز، أرادا الاحتماء من النيران التي انتشرت في المنزل بسرعة خيالية، بالاختباء خلف ستارة داخل غرفتهما، بينما كان شقيقهما الثالث الذي لم يتجاوز الأربع سنوات من عمره، داخل المطبخ بعيداً عن مركز النار.

يستذكر الأب تلك اللحظات العصيبة في حياة عائلته، وصراخ ريان ومحمد، بصوت عال وهما داخل غرفتهما التي سرعان ما أتت النيران على كل محتوياتها، قبل أن تأتي على المنزل بأكمله، فما كان منه ومن زوجته، إلا أن وضعا قطعة من القماش على جسديهما، ليقتحما غرفة طفليهما، دون أن يكترثا على الإطلاق للخطر الشديد الذي بانتظارهما، وكل همهما إنقاذ حياة هذين الطفلين اللذين كانت حدة صوتهما تتراجع شيئاً فشيئاً والنيران تلتهم جسديهما الغضين.

صراخ وبكاء

ويتابع الأب، إن ريان كانت تصرخ وتبكي بأعلى صوتها وكذلك محمد، وهما يعتقدان أن اختباءهما خلف الستارة من شأنه أن يحميهما من النار التي كانت خلال دقائق قليلة، قد أتت على المنزل بأكمله.

وأمام صراخ وبكاء الطفلين لم يكن هناك من خيار آخر أمام والديهما سوى محاولة إنقاذهما في محاولة وصفها الأب بأنها أشبه ما تكون بالمهمة الانتحارية، ذلك أنهما مجبران على اختراق النيران القوية بجسديهما، ما أدى إلى إصابتهما بحروق من الدرجة الأولى استدعت نقلهما الى مستشفى "رفيديا" الحكومي في مدينة نابلس لتلقي العلاج.

أما الكارثة كما وصفها الأب، فكانت منظر طفليه عندما أخرجهما من بين ألسنة النيران، حيث أصيبا بحروق من الدرجة الثالثة بعمق، وتشوهات في الوجهين والأيدي، فبترت ثلاثة أصابع من كف محمد اليسرى، وبتر إصبع في الكف اليمنى، وحروق صعبة في الوجه، فيما أحرقت النيران وجه ريان بالكامل كما هو الحال بالنسبة لشقيقها محمد، علاوة على حروق شديدة في الكفين، لدرجة أصبحت فيها تعجز عن إغلاق كفها اليسرى، وتم نقلهما كذلك إلى مستشفى "رفيديا".

الحياة تحولت جحيماً

يقول خالد عساف، عم الطفلين ريان ومحمد، إن حياتهما تحولت إلى جحيم لا يطاق، حيث بدآ رحلة علاج مريرة وشاقة، لم تثمر حتى اللحظة عن إعادة ولو جزء بسيط من شكلهما الذي أتى عليه الحريق.

وقال عساف لـ"الأيام"، وهو يصف منزل شقيقه خلال الحريق، إن المنزل تحول إلى كتلة من اللهب خلال دقائق معدودة، وكان شقيقه وزوجته يحاولان إنقاذ طفليهما، فخرجا وقد أصيبا بحروق شديدة، بينما كانت المصيبة الكبرى كما يصفها، إصابة الطفلين ريان ومحمد، اللذين أخرجا من وسط النيران وهما أشبه ما يكونان بكومة من اللحم المحروق.

وأضاف العم الذي يتابع كل صغيرة وكبيرة في حياة طفلي شقيقه، إن منظر ريان ومحمد يدمي القلب، وهما على الرغم من صغر سنهما، مؤمنان بالقضاء والقدر، ولكنهما لا يستوعبان حتى اللحظة حجم الكارثة التي ألمت بهما، وجعلت من حياتهما شيئاً أشبه بالمستحيل.

مشهد مؤلم

وما يزيد إيلاماً في النفس، اضطرار هذين الطفلين إلى ارتداء قناع يغطي وجهيهما بالكامل باستثناء الفم والعينين، حتى يتمكنا من التنفس والرؤية، ويرتديان قفازات تغطي أيديهما المحروقة.

وبحسب عساف، فإن الأطباء نصحوا بأن يرتدي ريان ومحمد، الأقنعة والقفازات، خشية تشقق جلد الوجهين والأيدي، وهو حال من الصعب على طفلين بهذا العمر أن يستوعباه، ولكنهما مضطران للالتزام.

وبدأت رحلة علاج ريان ومحمد، في اليوم التالي من تعرضهما للحريق، في مستشفى "رفيديا" الحكومي، حيث رقدا قيد العلاج في وحدة الحروق لمدة 68 يوماً، وغادرا المستشفى في الثالث عشر من شباط العام الماضي، إلى البيت.

وبعد أربعة أيام من مغادرتهما المستشفى، قال عساف، إن محافظ جنين الراحل قدورة موسى، زار الطفلين في منزل عائلتهما، وفي اليوم التالي، زارتهما ممثلة جمعية إغاثة أطفال فلسطين والتي كررت زيارتها بعد نحو شهرين، وقامت بتصوير وجهيهما وأيديهما، ووعدت بطرح قضيتهما على مؤسسات طبية متخصصة، ولكن دون جدوى.

أما المراجعات في مستشفى "رفيديا"، والتي تستمر حتى اللحظة، فلا يعدو العلاج خلالها إجراء غيارات وتقديم علاجات مؤقتة، وكانت المراجعة لمرة واحدة كل شهرين تتم خلالها تغطية الوجهين بشكل كامل باستثناء الفم والعينين، بعد تجفيف الحروق، وذلك خشية تشقق الجلد.

وفي إطار سعيها لعلاج طفليهما، قال العم، إن العائلة زارت المستشفى الكويتي في مدينة رام الله، حيث تم عرض الطفلين على وفد طبي أميركي كان في ضيافة المستشفى، وبعدها زيارة وفد طبي أجنبي في مستشفى "الشهيد الدكتور خليل سليمان" الحكومي في مدينة جنين، ومن ثم مستشفى "الشهيد الدكتور ثابت ثابت" الحكومي في مدينة طولكرم، والذي كان في ضيافته وفد طبي كوري متخصص في مجال التجميل أجرى فحوصاً طبية مكثفة لهما.

رأي الأطباء

وتابع عساف، إن الأطباء أجمعوا على ضرورة إجراء عمليات تجميل جراحية للطفلين ريان ومحمد في مركز أوروبي أو أميركي متخصص، وهو علاج يتطلب تكاليف باهظة ليس باستطاعة العائلة تغطية الحد الأدنى منها، الأمر الذي دفعها إلى التوجه لعدة مؤسسات لمساعدتها على تغطية نفقات العلاج، ولكن دون جدوى.

ووجهت عائلة عساف، نداء للرئيس محمود عباس "أبو مازن"، ناشدته فيه الإيعاز إلى الجهات المختصة إخضاع الطفلين ريان ومحمد، لعمليات جراحية تجميلية في مركز طبي متخصص بإحدى الدول الأوروبية أو في الولايات المتحدة الأميركية.

وذكرت العائلة، أنها اضطرت إلى إرسال طفليها إلى مدرسة "الأوائل" الخاصة في قباطية، بعد أن كانا يدرسان في المدارس الحكومية، وخصصت لهما سيارة تنقلهما من وإلى المدرسة، على نفقتها الخاصة، وذلك نظراً لصعوبة تنقلهما.

وقال عساف: "إننا لا نطلب تلقي أي مساعدة مالية، وكل ما نطلبه مساعدة هذين الطفلين البريئين في تلقي العلاج، وكلنا أمل أن يستجيب الرئيس لندائنا ومناشدتنا، على أمل أن يستعيد ريان ومحمد حياتهما المسلوبة، خصوصاً وأنهما يتمتعان بذكاء شديد".