مركز أطلس للدراسات الاسرائيلية

تحليل دولة الجدار بديل لدولة التسوية و دولة الهدنة

الساعة 09:19 م|06 مارس 2013

غزة

الحراك الشعبي وزيارة أوباما المرتقبة وتشكيل حكومة نتنياهو حركت مياه التسوية الراكدة منذ سنوات، وعادت معها دوائر ونخب وصالونات وجهات رسمية وغير رسمية للحديث عن الخيارات السياسية الممكنة وغير الممكنة، وسرب حديث عن مبادرات أو بالونات قياس رد فعل، ويبدو أننا مقبلون على فترة ستعود فيها مفردات التسوية والمفاوضات لتأخذ مساحة واسعة من البث الفضائي والانشغال السياسي بعد أن تلاشى نجمها لفترة من الوقت.

سنعود لا مفر إلى جلبة الحديث التسووي، وأول الغيث زيارة عريقات لواشنطن، وقمة أبو مازن كيري في الرياض، واغراق الاعلام بنوايا نتنياهو وبوادره، وتصريحات باراك، وأقوال لبيد عن العروض التفاوضية التي ينبغي أن تتسم بالجدية مثلما يقول، هذا فضلاً عما يهمسه سيد البيت الأبيض الذي على ما يبدو لا يعرف ما يريد أو ما يمكنه فعله، لكنه مع ذلك يصر على أن ينفخ بالوناً من الأمل، ويصر على أن يجرب حظه مجدداً دون أن يغير من تحيزه وعطفه على المطامع الاستيطانية وتفهمه لهواجسهم الأمنية، على أمل أن تكون القيادة الفلسطينية قد نضجت بفعل عوامل الجفاف غير الربانية، والضعف الذاتي و"تهديد الربيع الإسلامي" بشكل يجعلها لا تقوى على رده خائباً.

بيد أن القيادة الفلسطينية وكل الشعب الفلسطيني من صغيره لكبيره، وكل من له علاقة بالقضية الفلسطينية أو معرفة بها بات يدرك تمام الادراك أن أية تسوية مهما كانت نوايا الراعي الأمريكي  في ظل الواقع السياسي الإسرائيلي، وفى ظل الحالة الفلسطينية والعربية والدولية الراهنة لن تكون مخرجاتها أكثر من استثمار إسرائيلي للحظة سياسية تشكل لها فرصة ذهبية في فرض استسلام على الفلسطينيين بشروط اسرائيلية أفضل من أي وقت سبق، ولا نظن أن القيادة الفلسطينية الأكثر اعتدالاً التي لدينا ستقبل بمثل هذه المخرجات، لذلك فإن ما ينظر له على أنه ربما يشكل فرصة لن يكون سوى فرصة جديدة مكررة لإعادة طحن الهواء وعلاقات عامة اسرائيلية، في محاولة منها لدرء مخاطر النبذ، والعزل، وتحميل الفلسطينيين مسؤولية افشال التسوية، وتعزيز فرص ترويج نظرية اللاشريك الفلسطيني، أي أن التسوية ستصل مجدداً وسريعاً محطة الجمود والحائط المسدود، ولكن مع فارق ان الفلسطينيين خسروا بعض رصيدهم على المستوى الداخلي، وربما أيضاً على مستوى تحميلهم المسؤولية، واسرائيل ربحت وقتاً ثميناً على مستوى العلاقات العامة، وشرعنة الاحتلال، والأمر الواقع،  وعلى مستوى احداث اختراق عربي أو إقليمي، والأهم ربما ربحت غطاءً لعدوان ما.

الخيارات الفلسطينية

في ظل هذه الحالة فإن القيادة الفلسطينية يبدو أنها لا تملك من الخيارات الا التعاطي مع لعبة التسوية على أمل أن تتسلح بالصمود الكافي والمحصن من أي اختراق غير مرغوب فيه، هذا اغفال متعمد وتنازل واعى عن ممكنات وخيارات أخرى، وأولها أن التسوية السياسية مع دولة الاحتلال ليست أمراً قدرياً أو قرآناً منزلاً، ومثلها أيضاً احتكار الرعاية الأمريكية، والأهم انها لم تجر أي نقاش جدى لتجربة المفاوضات وجدواها فلسطينياً في ظل ظروف وموازين قوى هي الاسوأ، ولم تفحص أية خيارات أخرى أو لم تستكمل خيار الأمم المتحدة وظلت تبث رسائل ترهن مستقبلها ومستقبل الحل بتسوية تقوم على مفاهيم أثبتت فشلها أو عدم واقعية تحققها.

فلابد من اعادة النظر بعد عقدين ونيف من مسيرة التسوية ومن سيطرة مفاهيم سياسية بعينها، الأرض مقابل السلام، والتسوية النهائية للنزاع، ومفهوم دولة مؤقتة في ظل هدنة طويلة الأمد.

فشل التسوية

من البديهي القول اليوم أن تسوية النزاع بشكل نهائي المستند لفكرة الأرض مقابل السلام قد فشلت بشكل ذريع، ولا يمكن أن يكتب لها النجاح، فلا يمكن أن نتخيل اننا نستطيع سلمياً أن نستعيد الأراضي التي احتلت عام 67 خالية من المستوطنين (وهذا الحد الأدنى الفلسطيني) والتوصل لحل عادل لقضية اللاجئين، حتى لو حكمت اسرائيل من قبل حزب ميرتس اليساري، الأمر الذى يعني أن التسوية المرهونة بالفشل ليست سوى الركض خلف السراب وبيع أوهام أو اننا مجرد نتدبر واقعاً مفروضاً من يوم ليوم، إلى أن يأتِ الفرج أو يقضِ الله أمراً كان مقضياً.

مخاطر الدولة المؤقتة

أما مفهوم الدولة المؤقتة في ظل هدنة طويلة المدى والذى تتبناه قوى فلسطينية ربما كمشروع اعتراضي على تسوية تفضى للاعتراف بإسرائيل، ويلقى قبولا لدى بعض الجهات الاسرائيلية (خطة موفاز للدولة المؤقتة) فهو ينطوي على مخاطر التطبع مع الواقع، وتحول المؤقت إلى دائم في ظل الهدنة الطويلة التي ستغيب المقاومة بكل أشكالها للتفرغ لبناء الدولة المؤقتة، كما يحمل معه مخاطر أن تغيب القضية الفلسطينية عن محافل الصراع وحتى عن نشرات الاخبار، وسيسمح لإسرائيل بالتخلص من الأعباء والقيود السياسية والقيمية والاخلاقية والاقتصادية التي تتحملها بحكم أنها دولة احتلال، وستسمح لنفسها بأن تطمع في ظل الهدوء والاستقرار الذى توفره لها الهدنة الطويلة في أن تحدث اختراق في علاقاتها مع المحيط العربي واقله الأفريقي والأسيوي.

دولة الجدار خيارنا الأمثل

ربما خيارنا الأمثل في ظل استحالة التسوية النهائية ومخاطر الدولة المؤقتة يكمن في دفع اسرائيل باتجاه تنفيذ انسحابات أحادية الجانب أو ما بدأ يتبلور في اسرائيل باسم دولة الجدار، أي نحن هنا وهم هناك، وهو تكرار لما نفذه شارون من انسحاب أحادي الجانب في قطاع غزة.

ان الاسرائيليون الذين باتوا يدركون عواقب استمرار السيطرة المباشرة على معظم أراضي الضفة، وغياب التسوية النهائية بما يعظم مخاطر دولة ثنائية القومية والثمن الكبير لاستمرار جمود التسوية واشتعال جذوة الاشتباك التي تهدد بالانفجار في وقت ما، يجعلهم يفكرون جدياً في خيار أقل من التسوية، وينزع فتيل الاحتكاك والاشتباك، ويحد من مسيرة النبذ ونزع الشرعية في ظل ما يزعمونه بغياب الشريك الفلسطيني.

ان دولة الجدار تحقق لنا انجازاً على الأرض دون أن ندفع أي ثمن  سياسي، وهى لا تحملنا ولا يترتب عليها أية مسؤوليات فلسطينية، علاوة على أنها قد تحررنا مما لا زال عالقاً من اتفاقيات أوسلو، وهى في نفس الوقت لا تنتقص من استمرار تمسكنا بحقوقنا وثوابتنا وبشرعية نضالنا في سبيل الحرية والاستقلال والسيادة، وسيمنحنا هذا كل الحق والامكانية في أن نظهر اسرائيل دوماً كدولة احتلال عنصري.

دولة الجدار هي أفضل الممكن فلسطينياً، تستحق منا نقاشاً جدياً قد يفض الى استراتيجية تمكننا من دفع اسرائيل باتجاه تبنيه.