خبر المسألة الايرانية، شباط 2013 عطاء بدون أخذ؟ نظرة عليا

الساعة 09:45 ص|05 مارس 2013

بقلم: أفرايم أسكولاي

(المضمون: اذا ما استنتجنا من حالة كوريا بالنسبة للوضع في ايران، فانه لا يمكن الا الاستنتاج بان الاحتواء هو الاتجاه، عندما تتحول ايران، اذا لم تطرأ انعطافة كاسحة، الى دولة ذات قدرة نووية في المستقبل غير البعيد  - المصدر).

الاسبوع الذي سبق اليوم الاخير في شهر شباط 2013 كان مليئا بالاحداث، التي يحتمل أن تكون غيرت فكرة البرنامج النووي الايراني واحتمالات الوصول الى حل غير حربي للمشكلة. ففي البداية، نشر التقرير الدوري للوكالة الدولية للطاقة الذرية في أعقاب اعمال الرقابة التي أجرتها في ايران، والذي يتضمن عدة تفاصيل جديدة عن النشاطات النووية لايران؛ وثانيا، جرى يومان من المحادثات بين الدول دائمة العضوية زائد ألمانيا وبين ايران في ألماتي في كازخستان، ونشأ الانطباع بانه في اثنائها عرضت على ايران مطالب اقل الى جانب تنازلات جديدة؛ وثالثا، نشرت صحيفة "التلغراف" البريطانية مقالا بقلم جاك سترو وزير الخارجية البريطاني الاسبق، يوصي فيه بان يعترف العالم بالوضع وان يتبنى سياسة "الاحتواء" وهكذا عمليا يقبل حقيقة أنه لا يمكن منع ايران من التحول الى دولة نووية.

        ولكني سأتقدم حسب الترتيب. من يقرأ بعناية تقرير الوكالة الدولية للطاقة الذرية الاخير، لا يمكنه أن يستنتج بان ايران تسعى بلا هوادة الى التقدم نحو نقطة الاختراق، فتحقق بشكل سريع قدرة لسلاح نووي. ونجمل باختصار الوضع في ايران صحيح حتى هذا الوقت فنقول: بحوزة ايران اليوم نحو تسعة الاف جهاز طرد مركزي لتخصيب اليورانيوم من النوع الاقدم، IR1، التي تعمل في منشأتها في نتناز. وتخصب أجهزة الطرد المركزي هذه اليورانيوم الى درجة 3.5 في المائة (اورانيوم 235)، وجمعت ايران حتى الان اكثر من 8 طن من هذه المادة.

        بوردو، حيث ينفذ جزء من نشاطات التخصيب، هي مصدر آخر للقلق. في هذه المنشأة الصغيرة ولكن المحمية جيدا، يقترب من نهايته تركيب نحو 2.700 جهاز طرد مركزي غازي آخر، منها نحو 700 جهاز تستخدم لتخصيب اليورانيوم الى درجة 19.75 في المائة، بينما باقي الاجهزة على ما يبدو لا تزال غير فاعلة. في موقعي التخصيب، استغلت ايران جزء من مخزونها من اليورانيوم المخصب الى 3.5 في المائة لانتاج 280 كغم من اليورانيوم المخصب لدرجة 19.75 في المائة. وتعتبر250كغم من مثل هذه المادة كافية لانتاج لباب واحد من متفجر نووي، عبر تخصيب اضافي الى درجة 90 في المائة. ولعله بسبب الاثر النفسي لهذا الفائض، نقلت ايران نحو 111 كغم الى اصفهان لانتاج وقود نووية لمفاعل البحث في طهران.

        في اللحظة التي تقرر فيها ايران استخدام كل مخزون اليورانيوم المخصب الى درجة 3.5 في المائة الذي في حوزتها، وكل أجهزة الطرد المركزي التي تحت تصرفها، لتخصيب المخزون الى درجة 19.75 في المائة وعندها الى الدرجة العسكرية بمعدل 90 في المائة، معقول أن يكون بوسعها الحصول على 250كغم من اليورانيوم المعدني اللازم للباب قنبلة نووية اولى في غضون أقل من ستة اشهر، وكذا الى مزيد من  اللباب في غضون فترات زمنية اقصر. من اصل مخزون اليورانيوم المخص بمعدل 3.5 في المائة الحالي الذي تحت تصرفها سيكون ممكنا انتاج 5 حتى 6 لباب. هذه الحسابات الزمنية ستكون اقصر، في ضوء حقيقة أن ايران بدأت بتركيب نوع جديد وأكثر نجاعة من أجهزة الطرد المركزي، وفي حالة استخدامها اي جزء من مخزون اليورانيوم بدرجة 19.75 في المائة في حوزتها.

وبالتوازي مع نشاطها في مسار تخصيب اليورانيوم، تقدمت ايران بشكل واضح في التطور في مسار آخر نحو السلاح النووي – مسار البلوتونيوم. بناء مفاعل يورانيوم طبيعي للمياه الثقيلة بقوة 40 ميغا واط متطور، والايرانيون بلغوا الوكالة الدولية للطاقة الذرية بانهم يتوقعون الانتهاء من بناء المفاعل في الربع الاول من العام 2014. وعندما يصبح المفاعل "حرجا" في هذه النقطة، فمعنى الامر هو أنه سيصل الى نقطة اللا عودة في مسار البلوتونيوم، وذلك لان الهجوم العسكري على مفاعل عامل ليس مقبولا في المعايير الدولية. ورغم انه سيتطلب سنتان من أجل ان تكون الوقود النووية من هذا المفاعل جاهزة للفصل، وزمن اضافي الى أن يكون ممكنا استخلاص لباب بلوتونيوم، لا يزال يدور الحديث عن وضع يثير الخوف. ما بعث انتباه العالم كانت صور قمر صناعي لبخار يخرج من شبكة التبريد في منشأة انتاج المياه الثقيلة في اراك. ولكن هذه المنشأت تعمل منذ عدة سنوات بحيث أنه ليس في هذا الكشف ما هو استثنائي.

هذه هي صورة الاوضاع عشية المحادثات في ألماتي بين الدول العظمى وايران، والتي جرت في 26 و 27 من شباط. ورغم أنه ليست معروفة كل تفاصيل الاقتراح الذي تقدمت به الدول العظمى، فقد كانت هذه هي المرة الاولى التي لا يولى فيها اهتمام لمطلب مجلس الامن بتعليق تخصيب اليورانيوم، والمطلب الموازي لتعليق النشاطات المتعلقة بالبلوتونيوم يبدو أنه حتى لم يطرح. هذا اختراق ذو مغزى بالنسبة للايرانيين، بينما الطرف الاخر بالاجمال كسب قليلا من الوقت في اعقاب طلب وقف التخصيب الى درجة 19.75 وتوزيع المخزون. وانطلاقا من الامور التي لم يتم طرحها، يمكن الفهم بان ايران يمكنها أن تواصل تخصيب اليورانيوم (3.5 في المائة) وان ايران يمكنها أن تواصل بناء المفاعل في اراك، بينما مقابل الاتفاق معها، سيتم تخفيف بعض العقوبات. من الصعب ان نتصور ماذا كانت تتوقع الدول العظمى تحقيقه في مثل هذا الاتفاق، ربما باستثناء اعلان التفاؤل بان "الاتصالات" على ما يبدو تنجح، وانها ستواصل العمل في هذه القنوات. حتى ان وزير الخارجية الايراني قال ان العلاقات بين ايران والولايات المتحدة كفيلة بان تتحسن جدا جراء "اذابة الجليد". مثل هذا الانجاز سيكون انتصارا كبيرا لايران، وذلك لانها اثبتت حتى الان بانه يمكنها ان تتحمل العقوبات الحالية فيما تواصل برنامجها النووي. وستحافظ ايران على كل قدراتها الفنية والامكانيات لمواصلة تطويرها، وكل اتفاق يوقف فرض عقوبات جديدة أو متطورة كفيلة بان تضغط على ايران للاستجابة الى مطالب مجلس الامن.

وهنا، في توقيت كامل ومع رؤيا واضحة للمستقبل، يظهر مقال في "التلغراف" البريطانية كتبه وزير الخارجية البريطاني الاسبق، ويوصي بنهج "الاحتواء". عند مراجعة مواقف اعضاء الدول العظمى، ولا سيما مواقف الولايات المتحدة، روسيا والصين، لا يكون مفر من الاستنتاج بانه من غير المتوقع عمل حربي ضد ايران. العالم (الذي تمثله هذه الدول)  لا يرى في التزود بسلاح نووي "سببا للحرب". ويتجسد هذا الموقف جيدا في التقدم الذي حققته كوريا في تطوير سلاح نووي في المسارين، حين كانت العقوبات هي الوسيلة الاشد التي يمكن للعالم أن يتخذها في ضوء الوضع. اذا ما استنتجنا من حالة كوريا بالنسبة للوضع في ايران، فانه لا يمكن الا الاستنتاج بان الاحتواء هو الاتجاه، عندما تتحول ايران، اذا لم تطرأ انعطافة كاسحة، الى دولة ذات قدرة نووية في المستقبل غير البعيد.