خبر القضاء المصري يأمر بتدمير أنفاق غزة ـــــ مصر ..منير شفيق

الساعة 09:44 ص|05 مارس 2013

صدر حكم قضائي عن الدائرة الأولى بمحكمة القضاء الإداري برئاسة المستشار عبد المجيد المقنن نائب رئيس مجلس الدولة، بضرورة اتخاذ الرئيس المصري محمد مرسي وحكومته الإجراءات والخطوات اللازمة لغلق وهدم جميع الأنفاق غير الشرعية بين قطاع غزة ومصر (القدس العربي 27/2/2013).

أما الأسوأ والأخطر من هذا الحكم القضائي الذي يحمل أكثر من دلالة، فقد تضمنته لائحة الادّعاء التي نضحت بروح تحريضية وعدائية ضدّ الفلسطينيين وانسجام مع حملات شنتها أبواق تليفزيونية. فمنذ الاتهام المفتعل ضدّ قطاع غزة والفلسطينيين؛ بسبب العمل الإجرامي الذي تعرّض 16 جندياً مصرياً، وهم صائمون في رمضان على حدود فلسطين المحتلة، انطلقت حملة إعلامية مغرضة ومنظمة ضدّ الأنفاق وضدّ قطاع غزة.

ووصلت الحملة إلى حدّ اتهام القطاع بأنه يسهم من خلال تهريب البضائع المصرية إليه في الأزمة الاقتصادية التي تجتاح مصر الشقيقة. بل اتهم القطاع والفلسطينيون بحادثة الاعتداء على المستشار أحمد الزند، بإرجاع الحادث إلى تآمر فلسطيني على مصر، وهو الاتهام نفسه الذي تحدث عن دخول سبعة آلاف مقاتل من حماس عبر الأنفاق لقمع تظاهرات المعارضة المصرية.

وللأسف لم نسمع إلاّ على ندور شديد أصوات مصرية من المعارضة تردّ على هذا التحريض الذي يستهدف تحريض الشعب المصري ضدّ قطاع غزة وضدّ الفلسطينيين.

إن الصراع الداخلي الدائر في الشقيقة مصر يجب ألاّ يرتقي إلى مستوى المساس بالأنفاق أو العداء لقطاع غزة أو الفلسطينيين، كما لا يجب أن يتدخل الفلسطينيون في الصراع الداخلي في مصر، وأن يبقوا على مسافة واحدة من طرفي الصراع حتى لو كانت حماس إخوانية وإخوان مصر طرف في الصراع الداخلي؛ لأن القضية الفلسطينية والمواجهة مع الكيان الصهيوني يجب أن يُعطَيا الأولوية بالنسبة إلى المقاومة الفلسطينية والشعب الفلسطيني، كما يجب أن يُدعَما من قبل كل الأطراف الداخلية المتصارعة أو المتواجهة في مصر.

من هنا ندرك بُعْدَ نظر حركة فتح، عندما أرست في منطلقاتها الأساسية مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية العربية، وإن كانت قيادة فتح لم تتقيّد دائماً بهذا المنطلق وكانت تدفع كلما خرجت عليه ثمناً غالياً كما حدث، مثلاً عندما انحازت إلى العراق في حربه ضدّ إيران أو في غزو الكويت أو عندما تدخلت في عزل الكتائب عام 1975 في لبنان، أو عندما أعلن محمود عباس تأييده حسني مبارك وزين العابدين بن علي خلال ثورتي مصر وتونس الأخيرتين.

لقد دار صراع فكري طويل ومنذ 1968 في ما بين فصائل المقاومة ومع المعارضات العربية التي كانت تحاول أن تزجّ فتح وم.ت.ف إلى جانبها في الصراع ضدّ أنظمتها. فقد كانت حجّة الثورة الفلسطينية دائماً ضرورة التمسّك باستراتيجية أولوية القضية الفلسطينية، وحشد كل القوى التي يمكن أن تُحشد لدعمها والوقوف إلى جانبها، بل مشاركتها في حربها مع العدو الصهيوني هذا أولاً. كما أن التدخل من جانب القيادات الفلسطينية وفصائل المقاومة في الصراعات العربية الداخلية ليس مقبولاً من جانب القوى السياسية العربية، إذا ما انحاز إلى طرف دون طرف آخر أو على طرف آخر. هنا كانت تثار القضية القطرية فوراً؛ مما كان يرتدّ سلبياً على القضية الفلسطينية، ولا يخدم حتى الطرف المنحاز له داخلياً.

إنه لأمر مبتوت فيه أن يكون هذا هو الموقف من جانب القيادات الفلسطينية كما من جانب الأطراف الداخلية العربية. وذلك من ناحية صحته النظرية والسياسية من جهة، وقد أكدت تلك الصحة التجربة التاريخية الممتدّة للثورة الفلسطينية المعاصرة منذ انطلاقتها عام 1965.

على أن ثمة تطوراً استراتيجياً أساسياً حدث في قطاع غزة، وذلك عندما تحوّل إلى قاعدة محرّرة مسلحة مقاتلة ومقاومة مستعصية على الاحتلال من قبل العدو، كما مستعصية على الانهيار تحت الحصار الذي ضُرِبَ عليها من قِبَل الكيان الصهيوني وأمريكا من جهة، ومن بعض من شارك فيه من فلسطينيين (سلطة رام الله) ومن عرب منذ 2006/2007 من جهة أخرى.

البعد الاستراتيجي لهذا التطوّر له حدّ فلسطيني وحدّ مصري في آن واحد هو الحال بالنسبة للبعد الاستراتيجي للمقاومة في جنوبي لبنان على مستوى معادلة ميزان القوى العسكري بين العدو والوضع العربي والإسلامي العام.

فلو ركزنا الآن على بعده المصري؛ بسبب تناول الحكم القضائي الظالم الفاضح الموّجه للرئيس والحكومة في مصر لإغلاق الأنفاق وهدمها، لوجدنا أن لقطاع غزة المحرّر المسلح المقاتل المقاوم والمستعصي على الاحتلال من قبل جيش العدو أهميةً فائقة بالنسبة إلى الأمن القومي المصري نفسه. بل إن كل من يعنيه الأمن القومي المصري عليه أن يدرك أن هجوماً صهيونياً بريّاً على سيناء أصبح غير ممكن عسكرياً مع بقاء قطاع غزة محرّراً مسلحاً مقاتلاً مقاوماً. الأمر الذي يكشف خطورة أيّة سياسة تذهب إلى إغلاق الأنفاق أو هدمها، وفي المقدمة القرار الفضيحة الصادر عن قضاء مصر الذي لم ينفض عنه غبار نظام حسني مبارك وسياساته، وأصبح عقبة كأداء أمام استكمال ثورة 25 يناير لأهدافها.

يبدو أن الكثيرين، عن وعي أو دون وعي، عن نيّة طيبة أو خبيثة، راحوا يقللون من أهمية المستوى العسكري الذي وصلته المقاومة في كل من لبنان وقطاع غزة، وذلك من ناحية توازن القوى العسكري مع العدو الصهيوني.

إذ كيف يجوز لهم ذلك حين لا يدركون معنى أن تصبح لنا قاعدتان عسكريتان على خطوط التماس مع العدو الذي اغتصب فلسطين، وقد امتلكتا قدرة ردعية والأهم تستعصيان على احتلالهما. مما أفقد الجيش الصهيوني قدرته كما كان في السابق، وطوال أكثر من خمسين سنة، على العربدة والعدوان والاحتلال، أو في الأقل جعلناه يفكر مئة مرّة قبل الإقدام على مغامرة.

إن هذا المستوى من التطوّر في مواجهة الكيان الصهيوني، وإن لم يكن قد وصل إلى مستوى تحرير فلسطين، إلاّ أنه شكّل مرحلة هامّة على الطريق؛ الأمر الذي يتطلب أن يحظيا بالدعم والمساندة العسكرية والمالية والحماية السياسية، بل الانطلاق بهما إلى إعادة بناء الجيوش العربية، واستعادة اتفاق الدفاع العربية المشترك، لتدخل معادلة المواجهة مرحلة أرقى وتصبح أقرب إلى تحرير فلسطين. هذا الخط يتطلب في الوقت نفسه إطلاق دعم واسع فلسطينياً وعربياً وإسلامياً لتأييد المقاومة الشعبية المساندة لقضية الأسرى، وتحوّلها إلى انتفاضة تضع على رأس أهدافها تحرير كل الأسرى الفلسطينيين، وتحرير الضفة الغربية واستنقاذ القدس. وذلك بأن انتفاضة مصمّمة ستكون كفيلة بدحر الاحتلال وتفكيك المستوطنات بلا قيد أو شرط، وبلا تفاوض أو فتح لملف التسوية، بل يجب التأكد من أن موازين القوى عربياً وإسلامياً ودولياً تسمح بانتصار الانتفاضة إذا كانت مصمّمة ومتواصلة واستمرت حتى تحقيق أهدافها.

إن انتفاضة في الضفة الغربية والقدس يجب أن تكون الهدف الآني الموازي لوقف السياسات والأحكام القضائية المصرية لإغلاق الأنفاق وتدميرها ما بين مصر وقطاع غزة.