بكت لأنَّها ملَّت الخطابات الرسمية..!

خبر والدة أسير فقدت طفلاً تمنت لو ماتَ بدلا من وقوعه في الأسر ..

الساعة 11:19 ص|04 مارس 2013

غزة

في ناحية قريبة خلف حشد من المتضامنين مع الأسرى المضربين عن الطعام أمام مقر الصليب الأحمر الدولي بغزة, كانت تقفُ أم رامي بربخ "50 عاماً" وهي تحملُ صورة ابنها الأسير "رامي" وتنادي على طفل صغير معها تزيّن بالكوفية الفلسطينية, ليقف بجانبها وهي تسند ظهرها على سيارة ألهبتها أشعة الشمس المتعامدة ساعة الظهر, هذه الشمسُ تحمل في ضوئها ما رأته على ملامح طفلِها الذي شبَّ في سجون الاحتلال منذ عشرين عاماً ..!

هل تسمحين لنا بالحديث معك عن هذه الصورة؟ لم يكن وقعُ السؤال سهلاً على هذه الحاجة ولا على وقفتها التي تهتز لأجلها الأرض وتبكي مع عينيها السماء بلهيب حارق تشعه الشمس حين جلست على كرسي قريب تنظر في صورة ابنها كأنه حاضرٌ الآن أمامها! وتتأمل صورته لتستجمع قواها؛ لكنَّ الواقع يمنعها أو حديثي معها أن توقف دموعها لتلملم ملامح الحزن عن وجهها.

تشارك أم الأسير رامي بربخ في الوقفات التضامنية مع الأسرى يوم الاثنين من كل أسبوع لأكثر من عشرين عاماً أمام مقر الصليب الأحمر بمدينة غزة وتقول لـ" فلسطين اليوم" الإخبارية:" منذ عشرين عاماً ولم أغب عن التضامن مع ابني الأسير والأسرى في سجون الاحتلال, يومُ الاثنين, هو يوم الأسير عندي, لا يمكن أن أنساه ولا يمكن أن أغيب عنه, هو الرسالة التي أتمنى أن أقرأها أو أسمعها على الأقل منذ 12عاماً, لم أر فيها ابني أو أسمع صوته لأني ممنوعة أمنياً, "متسائلة " شو المانع الأمني اللي بمنع أم تشوف ابنها؟ أي قانون بمنعني أشوف ابني ؟! "

وتضيف أن أمهات الأسرى فقط اللائي يعانين من غياب أبنائهن والشعب لا يُقدِّر أن الأسرى نفذوا عمليات قتل وخطف جنود من أجل الشعب, فمتى ينصرون الأسرى؟ هل ينصرونهم ويهبون لهم عندما يرجعون أمواتاً لنا من القهر والتعذيب؟" وتشير إلى ابنها الذي قتلَ ضابطاً من جيش الاحتلال في قرية بني عايش بالسلاح الأبيض عام 1990 وكان في الخامسة عشر من عمره, بقي بعدها مطارداً حتى اعتقله الاحتلال في كمين بمدينة دير البلح عام 1993 بعد ثلاثة أعوام من المطاردة والملاحقة العسكرية.

تضامن ضعيف وخطابات مسكّنة

وتوضح أم رامي وهي تنظر إلى الحشد أمام الصليب الأحمر متجاهلة نداءات المذيع على منصة التضامن وصرخاته العالية يحث الناس للوقوف إلى جانب الأسرى, أن محكمة الاحتلال حكمت عليه بالسجن مدى الحياة, داعية في الوقت ذاته إلى زيادة الفعاليات التضامنية مع الأسرى أمام كافة المؤسسات الدولية.

وقد بدت الدموع تهدأ في عينيها وترتفع نبرةُ الصوت على لسانها, تشدد على أن الأسرى لا يُخرجهم من السجون إلا سلاح المقاومة والوحدة الوطنية وإنهاء الانقسام, مشيرة إلى أسر الجندي جلعاد شاليط "شاليط كل العالم وقف له, وبعدها طلع في حضن أمه! متسائلة أين هم هؤلاء من ابني الأسير وزملائه؟.

يقاطع حديثنا زوجها جودت بربخ منادياً بضرورة إنهاء اللقاء لأن الباص سيغادر إلى مدينة خانيونس, لكنها تسترسل بالحديث "الأمل بوجه الله وإن شاء الله المقاومة تخطف جنود" فيقول الزوج :"كل واحد اليوم بدوّر على حزبه" مبيناً أن "العملاء" ساعدوا الاحتلال على اعتقال ابنه بمدينة دير البلح مشيراً إلى استشهاد اثنين من أبنائه البالغ عددهم تسعة أبناء.

وتنهض أم رامي إلى الباص بعدما ارتفعت النداءات التي تطالبها بالاستعجال وهي تقول :"الأسرى لا يفكر فيهم أحد, وين النخوة؟" متمنية لو مات ابنها لترتاح أمام قبره وتبكيه بالدموع, وتركب الباص العاجز عن حمل ما انطوى في قلبها منذ 20 سنة وتتساءل عن طفلها: كيف هو الآن؟ بلحية شقراء أم سمراء؟ هل في رأسه شعرة شيب ؟! هل اخشوشن صوته مثل الرجال؟