خبر كبت عنيد.. معاريف

الساعة 09:31 ص|28 فبراير 2013

كبت عنيد.. معاريف

بقلم: أودي هيرش

(المضمون: لم نجري حسابا للنفس على احداث العقد الاخير، ولهذا فان الانتفاضة الفلسطينية لا بد ستأتي – حتى لو كنا نحرص على التنكر لهذا بكل قوتنا - المصدر).

شرارات الانتفاضة الثالثة وصلت الى اسرائيل مبكرا. فالانتفاضة الثانية لم تنتهي بعد. وحسب الميدان، فان حضورها في الواقع اليومي صفري: تعابيرها الثقافية طفيفة لدرجة أنها غير موجودة؛ فيلمان وثائقيان مثلّا اسرائيل في جائزة الاوسكار وإن كانا نتاجا مباشرا لتلك الفترة الرهيبة، ولكن معظم الاسرائيليين فرحوا بفشلهما، بما في ذلك من تعابير محرجة لشخصيات عامة وفي الشبكات الاجتماعية. فبعد سنوات عديدة من حالة كان فيها كل صعود الى الباص او الدخول الى المقهى مثابة مراهنة على الحياة، فان اسرائيل هي ظاهرا دولة غربية، وجهتها نحو الخارج، ومعظم مواطنيها ملوا المسائل السياسية. غلاء المعيشة يعنيهم اكثر.

ومع ذلك فان حدثا باعثا على الصدمة كهذا لا يمكنه أن يمحى بهذه السرعة. فكبت السنين اياها، والتي ترك فيها الشارع الاسرائيلي لمصيره في قصور امني لا يقل عن ذاك الذي كان في حرب يوم الغفران، ولد تنكرا مرضيا للمشكلة الفلسطينية. ففك الارتباط عن قطاع غزة كان نتيجة واضحة لشطب الفلسطينيين من الوعي الاسرائيلي: أخذ الارجل والفرار من منطقة نازفة ومنكوبة، دون إدارة حوار ودون خلق أساس لاستقرار مستقبلي. لقد ولد فشل الخطة الشلل الحالي. فليس لاحد قدرة ورغبة في اتخاذ خطوة حقيقية لحل المشكلة، بشكل سياسي أو عسكري.

والحملة الانتخابية الاخيرة، التي جرت بعد سنوات قليلة من فك الارتباط، تجاهلتها تماما تقريبا هي وآثارها. 12 مقعدا فقط من اصوات الناخبين اليهود اعطيت لميرتس وللحركة، لا تزال تصر على الانشغال في الموضوع الفلسطيني، ودخول احدى الكتلتين الى الحكومة يعتبر خطوة مثيرة للهزء وعديمة الامل. فلا يمكن اجراء مفاوضات مع اناس غير موجودين.

دارج التفكير بان نجاح يئير لبيد في الانتخابات هو نتيجة الاحتجاج الاجتماعي، ولكن هذه المقاعد الـ 19 ولدت أيضا في أعقاب الانتفاضة: اسرائيل تريد الان وجوها جميلة يعطوها أملا كاذبا، وممثلين للجمهور يلقون خطابات مثيرة للانفعال عن التلمود، دون أي "ابو فلان" اياهم، كما يسمي الفلسطينيين الشريك السياسي لزعيم يوجد مستقبل، نفتالي بينيت. والمراقبون من الخارج يجدون صعوبة في فهم نهج اسرائيل تجاه المسألة الفلسطينية. "التصويت للعدم هو اختيار غريب لدولة محوطة بجلبة مستمرة"، كتب رودجر كوهين في "نيويورك تايمز" بعد الانتخابات، قاصدا لبيد بفظاظة. في عيون اسرائيلية، يكاد لا يكون هناك مخرج آخر: هذا اختيار نفسي. ليس للاسرائيليين قدرة نفسية على معالجة وتحليل ما حصل هنا في السنوات المضرجة بالدماء والتي بدأت في تشرين الاول 2000، وبالتالي فانهم يفضلون الهرب الى شخص يعتمد عالمه الثقافي على المغنين والشعراء الامريكيين.

هذه العملية خطيرة. الفلسطينيون، لسوء حظنا، لم يذهبوا الى اي مكان. وهكذا أيضا المصريون، السوريون، الاردنيون وباقي الشعوب المتنازعة والمتورطة التي تحيط بنا. ينبغي الامل في ألا تبدأ الانتفاضة الان. ولعلها تتأجل لشهر، لسنة او لسنتين. ولكن في غياب الحل لا بد ستأتي. اسرائيل غارقة في الكبت، لم تستخلص حقا استنتاجات من الانتفاضة الثانية، باستثناء محرري مواقع الانترنت والبرامج الجديدة في التلفزيون، ممن استوعبوا بان الانباء عن ابو مازن وابو علاء تهرب المتصفحين والمشاهدين. في فيلم "حماة الحمى" الذي يعنى بحساب للنفس كهذا، محدود وبنزعة أمنية، لم يكلف نفسه رئيس الوزراء ومعظم وزرائه عناء مشاهدته. وحسب نموذج مراحل الحداد الخمسة لكوبلر – روس، فان اسرائيل توجد الان في مكان ما بين المرحلتين الاوليين – الكبت والغضب. وقبيل النهاية سيأتي الاكتئناب. ينبغي الامل الا يصطدم بظهور الانتفاضة الثالثة.