خبر ما أراده شارون حقا - هآرتس

الساعة 09:46 ص|27 فبراير 2013

ترجمة خاصة

ما أراده شارون حقا - هآرتس

بقلم: أفرايم لفي وماتي شتاينبرغ

(المضمون: الاستخبارات الاسرائيلية ساندت عمليا خطة شارون العليا ونيته المبيتة لاعادة السيطرة على الضفة الغربية في الانتفاضة الثانية - المصدر).

الحياة – قال الفيلسوف الدانماركي كيركغور – يجب أن تُعاش الى الامام، ولكن لا يمكن فهمها كما ينبغي الا الى الوراء.  هذه الحكمة عادت لتنال التأكيد في برنامج رفيف دروكر "أريك شارون والانتفاضة الثانية"، الذي بث هذا الشهر في القناة 10، وفي الشهادات التي لا لبس فيها للمستشارين المقربين لرئيس الوزراء شارون، وعلى رأسهم اوري شني. وحسب اقوالهم، فمع وصوله الى الحكم في 2001، سعى شارون الى أن يحتل من جديد كل اراضي الضفة الغربية بهدف تصفية الارهاب. هذه الخطة العليا، حسب اقوالهم، لم تكن معروفة الا للقليلين، الذين كانوا ضمن دائرة مستشاريه المقربين ("طاقم المزرعة").

وتفيد شهادات المستشارين بانه كدرس من فشل محاولته لتنفيذ خطة "صنوبر كبير" في حرب لبنان الاولى (1982)، والتي في أعقابها نحي عن منصب وزير الدفاع، فهم شارون الان بان من واجبه أن يمهد التربة قبل الاوان لتجنيد الشرعية اللازمة من الداخل ومن الخارج لغرض تنفيذ خطته. اذا كان ما هو حقيقي في هذه الشهادات، فيمكن القول ان التطورات في المواجهة تأثرت بقدر كبير، من نية مسبقة واعية ومخططة من جانب شارون، اخرجت الى حيز التنفيذ، بوعي أو بغير وعي، من قبل الجيش والمخابرات الاسرائيلية.

من حيث الحقائق، لم يحدد شارون هدفا سياسيا استراتيجيا لاسرائيل وسعى الى حسم المواجهة بوسائل عسكرية فقط. وبالتالي، في ظل غياب بديل سياسي، فقد كان السياق العملياتي هو العامل المقرر والمصمم الوحيد للواقع على الارض. هكذا مثلا. الاستخدام للاحباط المركز سرع عملية التصعيد واحبط ليس فقط "قنابل متكتكة" بل وايضا وقف النار الذي استمر نحو شهر، من منتصف كانون الاول 2001 وحتى منتصف كانون الثاني 2002، مع تصفية رائد كرمي. واصبحت العمليات الانتحارية من نصيب الجميع، بما في ذلك نشطاء فتح العلمانيين الذين لا يؤمنون بالجنة. كما أن الغاء التمييز بين اجهزة الامن المشاركة في الارهاب وبين تلك غير المشاركة، مثل تلك بقيادة جبريل الرجوب – غذا هو ايضا الشعلة.

في هذه الظروف، من انعدام سياسة استراتيجية ومواجهة عسكرية محتدمة، كانت جهود وزير الخارجية شمعون بيرس لاقامة وقف نار تشبه "فليلعب الاولاد أمامنا"، مثلما يكشف اوري شني النقاب ببراءته. وحتى التقديرات الاستخبارية التي قالت ان ياسر عرفات معنية بوقف النار وباستئناف المسيرة السياسية – كان محكوما عليها بالا تكون ذات صلة. وبدلا من أن يكون عاملا مهنيا يعرض كما هي صورة الاستخبارات حول الخصم، ساهم البحث في شعبة الاستخبارات في أن يكون عاملا يوفر اسنادا استخباريا – مهنيا، مزعوما، لسياسة شارون من خلال الدعاية والاعلام.

ولكن عملية التصعيد التي كان يمكنها، ربما، أن تمنح الشرعية لخطة السيطرة المتجددة على مناطق السلطة الفلسطينية كانت تنطوي على المزيد فالمزيد من الاصابات، الاف القتلى والجرحى – يهودا وفلسطينيين على حد سواء. ثمن التصعيد بالارواح أخذ في التصاعد، واجر الشرعية ضاع بالخسارة الفظيعة لحياة البشر.

ظاهرا، كان يمكن فهم منطق التصعيد واعادة الاحتلال لمناطق السلطة الفلسطينية، لو أن المسألة الفلسطينية كانت محصورة بالمجال العسكري فقط. ولكن هذه المسألة هي أولا وقبل كل شيء ديمغرافية، سياسية، ثقافية واخلاقية، ويجب أن يندرج فيها طريق عسكري وسياسي والتوازن بينهما. واضح للجميع بان لا منفعة من انتصار عسكري عندما يغرق اسرائيل في وقع ثنائي القومية يهدد مجرد هويتها اليهودية والديمقراطية، ويفتح فراغا سلطويا تملأه بالضرورة حماس على حساب مؤيدي التسوية مع اسرائيل.

اهتمامات شارون لم تكن منسجمة على الاطلاق مع السياق السياسي. وعليه، فان الانجاز العسكري لحملة "السور الواقي" لم تترجم الى انجاز سياسي، وقمع الارهاب في نهاية الانتفاضة لم يستغل لاقامة تسوية مع محمود عباس، الذي رفض العنف من اساسه وعلنا.

وعلى الرغم من ذلك: في ضوء التصعيد صرف انتباه الرأي العام في اسرائيل تماما عن "مبادرة السلام العربية" (اذار 2001)، التي دعت الى انهاء النزاع، الى التخلي عن الطريق العسكري، الى التطبيع والى "حل متفق عليه" (أي بالتوافق مع اسرائيل) لمشكلة اللاجئين على اساس حدود 1967. وبشكل رسمي أعطت اسرائيل شرعية لذلك حين عارضت بالقطع المبادرة العربية بملاحظاتها على الخطة السياسية للرباعية في نيسان 2003. وبدلا من ذلك فضل شارون، لاحقا، الانسحاب احادي الجانب وبصفر مقابل من قطاع غزة فاضعف بذلك جدا مؤيدي التسوية برئاسة ابو مازن وعزز على اي حال مصداقية رافضيها – حماس. وتغير المناخ الجماهيري في اسرائيل من اساسه: فالموقف الموزون استبدل باحاسيس جماعية من الثأر والانتقام بهدف الالحاق بالخصم ضررا وألما اكبر من ذاك الذي يلحقه بنا.

ولعله لم تكن خطة عليا لشارون في عهد الانتفاضة بل محاولة متأخرة، مثابة "اصلاح" يستخلص الدروس، لتنفيذ ما لم يتحقق في خطة "صنوبر كبير" في لبنان 1982، والتي كانت تستهدف "حل" المشكلة الفلسطينية. الوحيد الذي وقف عند ذلك باحاسيسه في "الزمن الحقيقي" كان بالذات عرفات، الذي عاد وحذر علنا جمهوره من نوايا شارون في ان ينفذ في مناطق السلطة الفلسطينية ما لم يتمكن من تنفيذه في ساحة لبنان.

وعليه، لم يكن للاستخبارات أي معلومة عن أن عرفات قرر هجر المفاوضات وأنه خطط وبادر الى الانتفاضة – الامر استبعد نهائيا في التحقيقات الداخلية في شعبة الاستخبارات وفي الموساد وفي التحقيقات مع كبار رجالات فتح لدى المخابرات الاسرائيلية. وبالمقابل، اذا كانت صادقة شهادة مقربي شارون في أنه كانت توجهه خطة عليا للسيطرة على مناطق السلطة الفلسطينية، فيحتمل ان تكون جذورها تكمن في فشل الخطة العليا في حرب لبنان الاولى. مهما يكن من أمر، فان هذه النتائج المتأخرة مقلقة على نحو خاص، وذلك لان لها صلة وثيقة بجوهر القرارات وبطرق اتخاذها في مواضيع سياسية وامنية، في علاقات القيادة السياسية والقيادة العسكرية وكذا في اداء الاستخبارات.